“آستانة ـ 4″ : ملامح السياسة الخارجية الأميركية الجديدة و”حزب الحرب”

قمة طهران ومستقبل التكامل الإقليمي مع تركيا؟
التحالف الأميركي ـ البريطاني يعود إلى “حرب الإرهاب” ضد “المنطقة” ؟
العرب وحرب الدونباس

تتصف مواقف دول "حزب الحرب" على سوريا، برتابة التفكير ونمطيته، فيما يتعلق بموقع ودور الولايات المتحدة، وعلاقاتهم بها. قبل وبعد مؤتمر آستانة ـ 4، يهرول هؤلاء خلف واشنطن من دون حسبان، علمي، دقيق. "إسرائيل" تمكنت من "تنفّس الصعداء"، لأن الرئيس دونالد ترامب "صديق حقيقي" لها. دول الأطلسي لديها أوزان قوة خاصة. لكن ماذا عن البقية : السعودية وقطر والأردن، وتركيا. كيف ستقرر هذه الدول الخطى القادمة، بينما "العالم"، وفق صحيفة "ذا غارديان" : "ما زال يحاول فهم الهدف الذي تسعى إدارة ترامب الوليدة إلى تحقيقه في سوريا".

نظرة استعادية إلى "غارة الشعيرات"
لم ينجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في "كبح انفعالاته"، فارتجل قرار قصف مطار الشعيرات، أثناء جلسة الغداء مع الرئيس الصيني تشي جينبينغ في مار دي لوغو. وقع هذا "الإنقلاب" في السياسة الخارجية الأميركية،  بعد أسابيع قليلة من زيارة السناتور تولسي غابارد للرئيس بشار الأسد في دمشق، حيث نشرت بياناً في واشنطن قالت فيه إن زيارتها بينت بوضوح أن "حرب تغيير النظم لا تخدم المصالح الأميركية ولا مصالح السوريين"، وإنها شجعت إدارة ترامب على مواجهة السياسة التي تدعو لإطاحة الحكومة في سوريا.
أطلقت الإدارة الأميركية الجديدة النيران ضد سوريا، من دون أي تحقيق شفاف يسبقها، ومن دون أن تدعمها بأدلة واضحة عن مسؤولية دمشق عما حدث في مدينة خان شيخون قرب حلب. وحسب الرواية المعروفة، فقد كان ترامب "متأثراً، وفق قوله، بانفعال ايفانكا ترامب ابنته وناصحته المفضلة التي تأثرت عندما شاهدت صور الأطفال السوريين الذين تعرضوا للغازات السامة" في تلك المدينة.
أول ضحايا صواريخ سفن الأسطول السادس الأميركي التي ضربت في الشعيرات، كانت السياسة السابقة لإدارة ترامب تجاه الجمهورية العربية السورية، التي كانت قد أعلنتها للتو، على لسان نيكي هيلي مندوبة أميركا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وشون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض. حيث أكد كلاهما دون لبس، أن "أولويتنا لم تعد الجلوس والتركيز على طرد الأسد"، كما كانت تفعل إدارة الرئيس السابق باراك أوباما.
تحرك ممثلو "حزب الحرب"، بعد إعلان إدارة ترامب عن تغيير "أولويات" الولايات المتحدة في سوريا، لثنيه عن خطته. حذر السناتور جون ماكين من "بقاء الأسد في موقعه". وفي تصريح آخر قال ماكين إنَّه "منزعجٌ بشدّة"، لأنه "في النهاية، يُمكن أن تدفع تصريحات إدارة ترامب اليوم بحلفاء أميركا الحقيقيين وشركائها إلى الخوف من الاحتمال الأسوأ: صفقة تبيع فيها الولايات المتحدة روحها للأسد وبوتين، مختومةً بوعدٍ فارغ بالتعاون في مكافحة الإرهاب". أما السناتور ليندسي غراهام فوصف الإعلان بأنه "أكبر خطأ منذ أن فشل أوباما في التصرف" ضد سوريا عام 2013. وشدد على أن "ترك الأسد في السلطة سيكون مكافأة عظيمة لروسيا وإيران".
قبل نحو شهر من إعلان ترامب عن تراجع واشنطن عن خيار تغيير النظام في سوريا، نشرت شبكة CNN الأميركية تقريراً عن زيارة سرية قام بها ماكين، الذي يرأس لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، إلى شمال سوريا. ونقلت عن مكتبه بأن الزيارة كانت فرصة "لتقييم الظروف الديناميكية على الأرض"، حيث تفقد القوات الأميركية، وناقش حملة مكافحة داعش والعمليات الجارية لاستعادة الرقة. لكن لوحظ أن التقرير يذكِّر القارئ بـ"أن ماكين طالب بتدخل عسكري أميركي أكثر عدوانية في سوريا".
نسق "حزب الحرب" خطواته في داخل الولايات المتحدة، ومع "أولئك الحلفاء الحقيقيين" في الخارج، الذين انتابهم "الخوف"، بالفعل. إذ أن تخلي إدارة ترامب عن خيار الحرب العدوانية ضد سوريا، كان سيعزز التفاهم والتعاون بين روسيا وأميركا، وسيقوي خيار التسوية السياسية والحوار الوطني بين السوريين. في هذا الوقت بالتحديد، أي وسط خوف هؤلاء "الحلفاء" من أن يتركهم ترامب لمصائرهم السوداء، كما يتنبأ تصريح ماكين، أخرج "فيلم مجزرة خان شيخون" على الرأي العام.
 
"المناطق الآمنة" : "حزب الحرب" يمنع "التحقيق المستقل"
في يوم الثلاثاء 3 نيسان بثت القنوات الخليجية بيانات لإئتلافات معارضة تتهم القوات الحكومية السورية بقصف خان شيخون بالذخائر الكيميائية، ما تسبب بمقتل 100 مدني وجرح 400 آخرين. وقد لوحظ أن تلك البيانات تضمنت دعوة صريحة للتدخل العسكري الأميركي والأجنبي ضد سوريا، إذ طالبت البيانات بمعاقبتها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وبالفعل، نجح مسعى "حزب الحرب" على سوريا، فقد تراجع ترامب وقصف القاعدة العسكرية السورية.
بعد ساعات من العدوان الأميركي على مطار الشعيرات، أعلنت السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين، والأردن، عن "تأييد القرار" الذي اتخذه الرئيس دونالد ترامب. كما اعتبرت "إسرائيل" هذا العدوان بأنه "رسالة قوية وواضحة". اما تركيا فقالت  إنه "خطوة إيجابية إلا أنها غير كافية"، وأنه "آن الأوان لاتخاذ خطوات جدية قادرة على تحقيق نتائج إيجابية". الترحيب السافر من "حزب الحرب"  "الخليجي" ـ التركي ـ "الإسرائيلي" بالغارة الصاروخية، رافقه توعد أميركي بلسان هيلي، "بالتحرك الأحادي" في حال فشلت الأمم المتحدة حيال الملف السوري. كما عاد "حزب الحرب" إلى النغمة القديمة بإنشاء "مناطق آمنة" على الأراضي السيادية السورية.   
بررت الولايات المتحدة عدوان "الشعيرات" بجريمة قتل مدنيين بينهم أطفال بأسلحة كيميائية في خان شيخون.  لكن موقع "المدن" الذي تموله حكومة قطر، قال  إن دوافع الرئيس الأميركي لإعطاء أمر بقصف "الشعيرات"، كانت "محصورة في الشأن الداخلي مع انخفاض شعبيته إلى أدنى مستوى في التاريخ بالنسبة إلى رئيس جديد، وتكاتف الإعلام المعارض له في جبهة موحدة ضده، ما خلق له فضائح متتالية". وهذا الرأي جدير بالإهتمام، لأنه يتهم إدارة ترامب، عن صواب،  باستغلال دماء ضحايا خان شيخون في حسابات انتخابية أميركية.
لقد حملت نيكي هيلي إلى مجلس الأمن اتهامات فوتوغرافية وفيلمية ضد سوريا. إذا كانت الولايات المتحدة صادقة في "معاقبة" المسؤولين عن جريمة خان شيخون، أما كان يجدر بها أن تقبل باقتراح إجراء تحقيق مستقل لمعرفتهم وتحديد هويتهم. إن رفض التحقيق في هذه الجريمة، ورد الفعل "الإنفعالي" من إدارة ترامب وعائلته عليها، يرينا كيف أن واشنطن تدير "حزب الحرب". وأنها والرياض والدوحة وأنقرة وتل أبيب، جميعاً، تنتفع من قوى الإرهاب، وتتربح من جرائمها على حساب الشعب العربي السوري.
انتقدت مصادر محايدة التقارير المصورة التي قَبِلَتْها الولايات المتحدة كأدلة في جريمة خان شيخون، وقيَّمتْها، من الناحية التقنية، بأنها من نوع "البروباغندا"، أي الدعاية السياسية. وأوردت منظمة SWEDHR، (Swedish Professors & Doctors For Human Rights) على موقعها تفاصيل هذا التقييم التقني. وفي تحليل هذه التقارير، ألقى متخصصون من SWEDHR بالشبهة السياسية عليها، معللين ذلك بثلاثة أسباب أساسية :
1. أن منظمة "الخوذ البيض" التي نشرت "فيلم خان شيخون" على موقع يوتيوب، ليست منظمة دفاع مدني سوري، كما تعرف عن نفسها، وإنما هي منظمة تابعة لـ"جبهة النصرة" الإرهابية، وتخدم في مناطق سيطرتها، وتنسحب وتتقدم مع انسحاب أو تقدم مجموعات "النصرة"، الممولة والمدعومة كما هو معلوم من تركيا وقطر.
2. إن الفيلم يتضمن مقاطع صوتية لبعض الأشخاص فيه، تشير إلى أن التصوير قد جرى بإعداد مسبق، بما في ذلك ترتيب "مناظر" جثث الأطفال. كما أن الدعم الطبي المزعوم الذي قدم للضحايا، وعرضه الفيلم المذكور، لم يكن متناسباً مع حالة الأطفال المصابين بالغازات السامة، حيث يمكن أن يكون قد تسبب بمقتل بعض هؤلاء الأطفال.
3. إن إعداد الفيلم ونشره يصنف ضمن عمليات "هندسة الأدلة"، التي تقوم بها منظمة "الخوذ البيض"، بدعم من منظمة HRW (Human Rights Watch)، وأن الأميركي كينيث روث Kenneth Roth الذي يرأس هذه المنظمة منذ عام 1993، قد دأب على استغلال تقارير استخدام الكيميائي ضد المدنيين، لتحريض الإدارة الأميركية السابقة على فرض مناطق "حظر جوي" أو "مناطق آمنة" في سوريا، أي إعلان الحرب على سوريا.
تدل هذه الوقائع على أن إدارة ترامب، تتبع نوعاً من السياسة الخارجية الإستعراضية والتآمرية. إستعراضية في قصف الشعيرات، وتآمرية ضد حكومة الجمهورية العربية السورية في "هندسة الأدلة". وهي غير آبهة بـ"حلفائها" الخائفين، ما خلا "إسرائيل".
لقد خلطت "غارة الشعيرات" الأوراق لأول وهلة، فسارع "حزب الحرب" "الخليجي" ـ التركي ـ "الإسرائيلي"، إلى كشف رهانه الإستراتيجي على قوة الولايات المتحدة، وبالضبط على عودة إدارة ترامب إلى اتباع استراتيجية استخدام القوة العسكرية في الأزمات الإقليمية والدولية، من خارج مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، على غرار ما حدث في العراق ويوغوسلافيا وليبيا. في هذا السياق يبدي "حزب الحرب" اهتماماً كبيراً بـ"مشاريع التقسيم" في سوريا، التي كان سيبستيان غوركا Sebastian Gorka مستشار ترامب، سباقاً لاقتراح تطبيقها في ليبيا.
يرفض "حزب الحرب" أن يقر بهذه الملامح الجديدة في السياسة الخارجية "الترامبية". الصفعات "الكردية" لأنقرة لم تنفع. الصفعات "القضائية ـ المالية" للرياض لم تنفع. السعوديون يتلهفون لاستقبال ترامب بعد أيام، يقولون أن "هذه الزيارة سوف تصنع مسارا جديدا لعلاقات واشنطن والشرق الأوسط ودول العالم الإسلامي، وإنها ستحدد الموقف الأمريكي من آليات إصلاح الآثار السلبية التي تسبب فيها تهاون إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وبالذات في شأن الإرهاب الإيراني والوضع في سورية وكيفية التصدي لداعش". يا للحماقات.
لا يريد "حزب الحرب" أن يرى كيف أن "قطاعاً مهماً في النخبة السياسية الأميركية، خَلُصَ إلى أن تجربة دونالد ترامب في البيت الأبيض كانت حتى الآن فاشلة، وبخاصة في السياسة الخارجية". وستبقى كذلك. أما هرولة "حزب الحرب" خلف واشنطن في سوريا، فقد تصبح قفزات لـ"فهم سياسة إدارة ترامب في سوريا"، بل قد تصير قفزات مميتة في مسيرة "الخطى الضائعة" التي انخرط فيها هذا الحزب الإجرامي ضد سوريا وحلفائها منذ عام 2011.
هيئة تحرير موقع الحقول
الأربعاء‏، 14‏ شعبان‏، 1438، الموافق ‏10‏ أيار‏، 2017
آخر تحديث ‏‏: الخميس‏، 15‏ شعبان‏، 1438، الموافق ‏11‏ أيار‏، 2017، 11:27