افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الأربعاء 6 حزيران، 2018

إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم السبت 12 تموز، 2017
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 7 آذار، 2019
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الإثنين 21 تشرين الأول، 2017

بدأت "شهادة" النائب جميل السيد يوم أمس، أمام المحكمة الدولية في لاهاي. الرجل الذي عاش لأربع سنوات في عتمة القضاء الدولي واللبناني، جاء إلى المحكمة لـ"يشهد" على فصل خطير من تاريخ لبنان المعاصر. كل اللبنانيين، بمن فيهم أولياء الدم، يجب أن ينظروا مجدداً في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وفي التحقيقات والتوقيفات والشهادات التي تمت، بل وفي أمر المحكمة الدولية نفسها، من بعد أن ينزل "السيد" من على منصة المحكمة…     
جميل السيّد يَشهَد... والمحكمة الدوليّة في متاهة
البناء
إيران تستعدّ للتخصيب مجدّداً وترفض أيّ تفاوض جديد… وماكرون لا يرى خروج إيران من الاتفاق
عرض أميركي بانسحاب من مزارع شبعا… والتجنيس يتراجع لملف النازحين وكلاهما «أمن عام»
الحريري لتعويم صيغة الحكومة الحالية كمسودة للجديدة… وقلق قواتي من الانتقال للمعارضة

حسمت إيران خياراتها تجاه مستقبل التفاهم على ملفها النووي، فأعلن مرشد الجمهورية الإسلامية الإمام علي الخامنئي دعوة الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية للبدء بتشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة لتخصيب اليورانيوم، استعداداً لاحتمال انهيار التفاهم بسبب الفشل الأوروبي في حمايته من العقوبات الأميركية، فيما قال رئيس الوكالة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي إنّ إيران ليست بوارد أيّ تفاوض جديد يطال ملفها النووي، وسارع الأوروبيون بتأكيد تمسّكهم بالتفاهم وتبديد أيّ مخاوف عليه من السقوط، على لسان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لم يرَ في المواقف الإيرانية سبباً للقلق على مصير التفاهم.
الجهوزية الإيرانية التي تضغط الأوروبيين للإسراع بترتيبات واضحة وفعّالة لحماية حقوق إيران التجارية التي كفلها التفاهم، تواكب مؤشرات لتقدّم مشاريع تسويات تطال بصورة خاصة الانكفاء الأميركي الإسرائيلي من الاستثمار على خيار الحرب في سورية، تشكّل مسودّة العروض التفاوضية الخاصة بجنوب سورية مسرحاً لها، بينما تبدو عملية شدّ الحبال بين الرهان على مزيد من الإنجازات العسكرية والإقرار بالحاجة للبدء بالبحث الجدّي في مسارات الحلّ السياسي، عنوان ما يجري في اليمن.
جاء ما كشفه رئيس مجلس النواب نبيه بري عن عرض تلقاه لبنان من الأميركيين، بأن يشمل التفاوض على ترسيم الحدود البرية والبحرية، وضع مزارع شبعا التي يسلم الأميركي والإسرائيلي بلبنانيتها. وكان تجميد ملف الانسحاب منها منذ صدور القرار الأممي 1701 نتاج رهان مزدوج لواشنطن وتل أبيب على توظيف وضعها المعلق في أيّ مواجهة مقبلة مع المقاومة، فيما تبدو المتغيّرات السورية، وما يجري تداوله حول نشر المراقبين الأممين مجدّداً على حدود الجولان المحتلّ والقبول الإسرائيلي بالتسليم بفشل مشروع الحزام الأمني، والقبول بالتالي باستعادة الجيش السوري انتشاره على الحدود، مصدراً وحيداً لهذا العرض الأميركي الذي لا يمكن إلا أن يكون منسّقاً إسرائيلياً، انطلاقاً من الخشية من تحوّل أيّ مواجهة حول حقوق النفط والغاز إلى سبب لتدمير وتعطيل الاستثمارات الإسرائيلية في هذا المجال كما تضمّنت اعترافات وزير الطاقة الإسرائيلية أمس. وصار السعي لتسوير كيان الاحتلال بسحب فتائل التوتر والتصعيد هو الطريق الوحيد لتفادي المزيد من المخاطر. وما يعنيه ذلك من إنجاز جديد لقدرة الدرع التي تمثلها المقاومة. وقد حذّرت مصادر في قوى الثامن من آذار من توظيف الإنجاز الجديد للمقاومة وسلاحها، باتجاه معاكس بفتح ملف هذا السلاح ما يغري الإسرائيلي والأميركي ويضعف موقع لبنان التفاوضي، كما فعل البعض بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 تحت ضغط المقاومة وسلاحها، فمنحوا «إسرائيل» تعويضاً عن هزيمتها بجعل المقاومة وسلاحها موضوعاً للتجاذبات الداخلية.
على الصعيد الحكومي، يواصل الرئيس المكلف سعد الحريري دراسة ملفاته، وسط سجال داخلي يطال ملفي التجنيس والنازحين، حيث تراجع الأول لحساب تقدّم الثاني بعدما صار الملفان في عهدة الأمن العام ومديره اللواء عباس إبراهيم، الذي أكدت مصادر مطلعة تكليفه من رئيس الجمهورية ملف النازحين بصورة رسمية، كموفد رئاسي إلى الرئاسة السورية، في ظلّ عجز رئيس الحكومة عن تلبية مقتضيات منصبه الدستوري وتولّي هذه المسؤولية مراعاة لعلاقته بالسعودية، بينما لا يبدو وفقاً للمصادر ذاتها، أنّ لدى الرئيس الحريري مسودة أخرى غير صيغة الحكومة الحالية لعرضها كنقطة انطلاق للحكومة الجديدة مقرونة ببعض التعديلات المقترحة على هوامشها، كصيغ معروضة للنقاش والسعي لجمع الملاحظات عليها لصياغة المسودة الفعلية التي يبدأ منها التشكيل الجديد للحكومة العتيدة.
إحياء الوساطة الأميركية في ملف الحدود
فيما أُخرج مرسوم التجنيس من التداول الاعلامي وتم وضعه بعهدة جهاز الأمن العام للتدقيق فيه من الناحية التقنية، طغى النزاع الحدودي بين لبنان و»إسرائيل» على المشهد الداخلي، في ظل الحديث عن إعادة إحياء الوساطة الأميركية للتفاوض بين الجانبين مع تسلّم ديفيد شينكر منصبه رسمياً كمساعد لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، خلفاً للسفير ديفيد ساترفيلد الذي أُحيل الى التقاعد، بحسب المعلومات المتداولة.
وبعد اللقاء الرئاسي الثلاثي في بعبدا أمس، والذي بقيت تفاصيله طي الكتمان لجهة الموقف الرسمي أزاء أي عروض تفاوضية أميركية جديدة محتملة، خرج موقف إسرائيلي مرحّب بالتفاوض ومتفائل بقرب التوصل الى تسوية مع لبنان. وكشف وزير الطاقة «الإسرائيلي» يوفال شتاينتز عن أنّ أفكاراً جديدة طرحت عبر قناة سرية أميركية للوساطة في نزاع بحري بين «إسرائيل» ولبنان بعد توقيع عقود التنقيب عن النفط والغاز. وأضاف: «هناك مجال للتفاؤل الحذر لكن ليس أكثر من ذلك. أتمنى أن نتمكن خلال الشهور المقبلة أو بحلول نهاية العام من التوصّل إلى حل أو على الأقل حلّ جزئي للنزاع… لم تتم تسوية شيء بعد».
وعلمت «البناء» أن «إسرائيل حَمّلت الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة رسالة الى لبنان مضمونها موافقتها على ترسيم الحدود براً وعلى ضوء النتائج تتحدّد موافقتها على ترسيم الحدود بحراً»، لكن مصادر رسمية قالت لـ»البناء» إن «الموقف اللبناني موحّد حتى الآن. وهو التفاوض على ترسيم الحدود دفعة واحدة براً وبحراً، لأن حدود الدولة لا تتجزأ ولا يمكن فصل التفاوض بين الحدودين البرية والبحرية».
وتحاول الولايات المتحدة الضغط على لبنان وإقناعه بوجهة النظر الإسرائيلية بالموافقة على البدء بالتفاوض على البر ثم على البحر لاحقاً».
وأوضحت مصادر عسكرية مطلعة لـ «البناء» أن «لبنان لا يعترف بنقاط أو مناطق متنازع عليها، بل هناك مناطق محتلة ولا يمكن التفاوض عليها. وبالتالي لا يعترف إلا بالحدود الدولية»، مشيرة الى أن «النقاط المتنازع عليها هي 3 فقط وليس 13 التي سلّمت الأمم المتحدة بأنها ضمن الحدود اللبنانية، لذلك الجانب الإسرائيلي يحاول إدخال النقاط الـ13 ضمن دائرة التفاوض علّه يحصل على مساحة إضافية من الأرض اللبنانية التي يحتلها. وبالتالي يشرّع وجوده فيها دولياً». وذكرت المصادر بأن بعض النقاط الـ13 دخلت عليها إسرائيل في عدوان العام 2006 وبقيت فيها».
التجنيس إلى المعالجة التقنية
في غضون ذلك، بقيت تفاعلات مرسوم التجنيس في واجهة الاهتمام الرسمي بعد أن بات محلّ انقسام سياسي في البلد وزيادة الشكوك بمضمونه وتداعياته السلبية على المستوى الوطني، وبعد أن أحال رئيس الجمهورية الملف الى الأمن العام وطلب من مديره العام اللواء عباس إبراهيم التدقيق في الأسماء، طلبت المديرية العامة للأمن العام من المواطنين إبلاغها عن أي معطيات أو معلومات يمتلكونها حول الأسماء الواردة فيه لإجراء اللازم بشأنها.
وفي حين حاول رئيس الحكومة ووزير الداخلية الاحتماء خلف موقف بعبدا والإيحاء بأن رئيس الجمهورية هو المسؤول عن توقيع المرسوم الذي يندرج ضمن صلاحياته، قالت مصادر رئيس الحكومة لـ «البناء» إن «مرسوم التجنيس من صلاحية رئيس الجمهورية»، مشيرة الى أن «توقيعه تمّ بالتشاور بين رئيسي الجمهورية والحكومة فيما تولت وزارة الداخلية مهمة التدقيق في الأسماء من خلال ثلاثة أجهزة قضائية وأمنية محلية ودولية»، ولفتت الى أن «اللواء إبراهيم سيعيد التدقيق في الأسماء ومصير المرسوم مرتبط بالتقرير الذي سيقدّمه إبراهيم الى رئاستي الجمهورية والحكومة ووزارة الداخلية، لكنها استبعدت أن يتم إلغاء المرسوم أو تأجيل تنفيذه ولو تم اكتشاف بعض الأسماء التي لا يحق لها اكتساب الجنسية اللبنانية».
وانتقد رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط عبر «تويتر» المرسوم. وقال: «الأجهزة الأمنية منكبّة على معرفة كيفية حصول التجنيس. كفى استهزاء بعقول الناس. فرئيس الحكومة قالها اليوم إنها صلاحية رئيس الجمهورية، ووزير الخارجية قال إن التجنيس الإفرادي يعزّز الهوية، هويتنا تتعزّز فعلاً بأشخاص من هذه الطينة النادرة. خبّرونا أنكم تصالحتو مع رامي مخلوف، مش أفضل».
إبراهيم للتواصل مع سورية بموافقة الحريري
على صعيد آخر، بدأ لبنان التحرّك دولياً لمعالجة أزمة النازحين السوريين، واستقبل مدير الشؤون السياسية والقنصلية السفير غادي الخوري أمس، ممثلة مكتب المفوّضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار وفريق عملها، حيث عرض التحفظات اللبنانية على سياسة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تجاه أزمة النزوح السوري في لبنان، على ضوء عودة الاستقرار إلى العديد من المناطق داخل سورية.
وبناءً على تعليمات الوزير باسيل، سلّم الخوري رسالة موجّهة إلى مكتب المفوضية تتضمن طلب لبنان منها تغيير مقاربتها لكامل موضوع النزوح السوري في لبنان، انطلاقاً من تحسّن الوضع في العديد من المناطق داخل سورية، بما بات يسمح بالعودة الآمنة والكريمة للنازحين. الأمر الذي يضع على عاتق المفوضية مهمة مساعدة الحكومة اللبنانية على تسهيل هذه العودة بناءً على صلاحية ولايتها. كما تضمنت الرسالة طلب الوزارة من المفوضية، أن تبادر خلال مهلة محدّدة، إلى تسليمها خطة توضح الإجراءات التي ستّتخذها لإطلاق مسار عودة النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة داخل سورية. لكن جيرار حاولت الهروب من مسؤولياتها مدّعية بأن عمل المفوضية ينحصر بالشقّ الإنساني فقط.
وقالت أوساط مطلعة لـ «البناء» إن «اللواء إبراهيم في صدد التحضير لإعادة دفعة جديدة من النازحين الى سورية يبلغ عددهم حوالي 10 آلاف معظمهم من مخيم عرسال بعد أن كلّف إبراهيم رسمياً من الرئيس عون بالتواصل مع السلطات السورية المعنية، وذلك بعد أن تمكّن الرئيس عون من انتزاع موافقة ضمنية من رئيس الحكومة وفريقه السياسي بضرورة معالجة هذا الملف بالتواصل مع الدولة السورية».
وأمس تردّد بأن عدد من النازحين السوريين القاطنين في بلدة شبعا وباقي قرى العرقوب تلقوا رسائل نصّية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يُطلب بها من الراغبين منهم بتسجيل أسمائهم من أجل العودة إلى بلداتهم وقراهم في كافة المناطق السورية، وذلك خلال شهر تموز المقبل على أن يبدأ تسجيل الأسماء للراغبين منهم يوم غد».
وأكد الرئيس عون أن عودة النازحين الى بلادهم مع عودة الأمن إلى الأراضي السورية نابع من مصلحة لبنان وليس من عنصرية في التعاطي أو غيره، ولم يعد هناك من قدرة لنا على التحمّل. وهذا الأمر سيحظى بالأولوية في المرحلة المقبلة، لأنه جزء من الأعباء الاقتصادية التي نتحملها.
ودعا الوزير باسيل، خلال تلاوة مقرّرات خلوة تكتل «لبنان القوي» في زحلة، الى إدراج موضوع النازحين في البيان الوزاري كأولوية.
وأعلن أن التكتل سيعمل على محاور عدّة، «في موضوع النزوح السوري ستتولّى الأمر لجنة برئاستي، كما أنّ التيار سيكون محرّكاً أساسيّاً للامركزية الإدارية عبر لجنة برئاسة النائب ألان عون، وبالنسبة للاستراتيجية الدفاعية والإرهاب ستتابعهما لجنة برئاسة شامل روكز والإدارة والإصلاح الإداري لجنة برئاسة ميشال معوض، أما الدبلوماسية والانتشار فلجنة برئاستي واغوب بقرادونيان والملف المالي والاقتصادي إبراهيم كنعان. أمّا لجنة مكافحة الفساد فسيتولى رئاستها زياد أسود الذي أمنّا له الغطاء السياسي اللازم للمهمة».
اتصالات التأليف بعيداً عن الأضواء
على صعيد مساعي تأليف الحكومة، لم تسجّل حركة الرئيس المكلّف أي تقدّم يذكر في ظل مشاورات واتصالات يجريها الحريري بعيداً عن الأضواء، وقالت مصادر مطلعة لـ «البناء» إن «الرئيس المكلف بدأ ومنذ عودته من السعودية بمروحة اتصالات ولقاءات بعيداً عن الإعلام في محاولة لاستطلاع مواقف الأطراف كافة، قبل وضع مسودة للحكومة تضم مختلف القوى»، لكنها أشارت الى أن «الحريري يواجه المطالب المضخّمة التي سمعها من الكتل النيابية خلال المداولات في المجلس النيابي والمطالب المضادة لا سيما أن بعض القوى لا زال يتمسك بهذه المطالب، لذلك يتريّث في الإعلان عن مسودة قبيل دراسة هذه المطالب»، لكنها لفتت الى أن لا «يمكن تلبية جميع هذه المطالب ضمن السقف الذي تم التوافق عليه بين الرؤساء الثلاثة». واستبعدت المصادر تأليف الحكومة قبيل عيد الفطر، مشيرة الى أن «أمد التأليف قد يمتدّ الى ما بعد عطلة العيد»، ولفتت الى أن «الرئيس الحريري لم يقابل أي مسؤول سعودي خلال زيارته الى المملكة»، مشيرة الى أن «هدف الزيارة كان للقاء عائلته في الرياض فيما معظم المسؤولين السعوديين كانوا في جدّة».
وأكد الحريري أنه «داعس بنزين على أعلى سرعة» لإنجاز المهمة، ونقل عنه زواره قوله إنه «يعمل على اختيار عناصر تتمتع بالكفاءة، حتى تتمكن الحكومة الجديدة من تولي المسؤوليات، والقيام بالمشاريع وخاصة ما هو مطروح في إطار مؤتمر «سادر» والتي ستكون موضع اهتمام ودرس سواء من قبل الحكومة أو القطاع الخاص».
تشير الاوساط المطلعة على موقف الحريري لـ «البناء» إلى أن الرئيس المكلف لا يوافق رئيس الجمهورية الرأي بتأليف حكومة من 32 وزيراً، لا سيما أن الوزيرين اللذين قد يُضافان الى حكومة الـ30 وزيراً، لن يكونا من حصته. وتشير المصادر الى أن الحريري يرغب بتأليف حكومة من 24 وزيراً، الا أن هذا الطرح لا يحظى بموافقة بعبدا وعين التينة، فرئيس المجلس النيابي أكد مراراً أهمية تأليف حكومة وحدة وطنية جامعة.
وشدّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي على ضرورة تشكيل الحكومة الأمس قبل اليوم، مضيفاً: «لم أتدخل في التأليف لأن أحداً لم يطلب منّي». كلام بري جاء خلال حديث تلفزيونيّ وقال: «ما من عقدة حكومية حتى الآن سواء ما يجري بين «القوات اللبنانيّة» و»التيّار الوطني الحرّ»، لافتاً الى انّ تشكيل الحكومة ضروري لأنّ الوضع الاقتصادي دقيق جدّاً. وعن مرسوم التجنيس، لفت بري إلى أنه لم يكن على علم به إلا من الإعلام ولم يتدخل أبدًا في هذا الملف. وكشف برّي عن عرض إسرائيلي وصل إلى لبنان عبر موفد أميركي بشأن ترسيم الحدود برًّا وبحرًا ومن ضمنها مزارع شبعا.

الجمهورية
«إيجابيَّات» تؤشِّر إلى إنفراج نفطي.. والسفارات تستفسر عن مرسوم التجنيس

خلافاً للأجواء الساخنة في المنطقة، مع تزايدِ وتيرة التوتّر الإسرائيلي الإيراني، لفَحت رياح باردة الأجواءَ اللبنانية، تمثّلت ببروز «مؤشرات» حول إمكان التوصّل إلى اتّفاق لبناني ـ إسرائيلي في شأن الحدود المختلف عليها بحراً بما يعني بلوكات النفط البحرية، وبرّاً بما يتصل بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا. وأمّا في الشقّ السياسي، فيبدو أنّ قطار تأليف الحكومة يسير ببطء شديد، من دون بروز أيّ مؤشرات حول ولادةٍ وشيكة، في وقتٍ حافَظ مرسوم التجنيس وما اعتراه من التباسات وتساؤلات، على نفسِه كمادةٍ إرباكية، ونقطةِ سجالٍ مترافقة مع علامات استفهام كبيرة حول مصير هذا المرسوم وكيفية تدارُكِ السقطات التي تَسبَّب بها سياسياً وعلى المستوى القانوني.
ليست المرّة الأولى التي تطرح فيها إسرائيل فكرةَ التفاهم مع لبنان، حول الحدود، وخصوصاً البحرية وما تحويه من ثروات، ولكن من دون أن تكشف عن كيفية ترجمةِ هذا التفاهم، ومن دون أن تبديَ ما يعتبرها لبنان إيجابيات تخدم مصلحة لبنان في هذا الملف العالق منذ سنوات. علماً أنّ لبنان تجاوَب سابقاً مع طرحِ التفاهم على الحدود، ولكنْ في إطار الشرعية الدولية وتحت راية الأمم المتحدة، وليس في إطار المفاوضات الثنائية المباشرة بين لبنان وإسرائيل.
ومعلوم في هذا السياق، أنّ وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون قد طرَح هذا الموضوع، أثناء زيارته لبنانَ منتصف شباط الفائت، بعدما كان قد حضَّر له مساعدُه السفير دايفيد ساترفيلد الذي بقي في لبنان لمتابعة هذه الأفكار. ويبدو حالياً أنّ الصيغة التي يُعمل عليها تتضمّن إنشاءَ فريق عملٍ أممي-أميركي مع خبراء إسرائيليين ولبنانيين في سياق اللجنة العسكرية المشتركة اللبنانية ـ الإسرائيلية ـ الأممية القائمة حالياً والتي تجتمع دورياً في الناقورة.
وجديد هذا الملف، ما أعلنَه أمس، وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز عن أنّ «أفكاراً جديدة طرِحت عبر قناة سرّية أميركية للوساطة في نزاع بحري بين إسرائيل ولبنان عقَّد أعمال التنقيب عن النفط والغاز. وقال لوكالة «رويترز»: «هناك بعض الأفكار الجديدة على الطاولة. إنّها أكثر ممّا يمكنني مناقشته».
وتابع: «هناك مجالٌ للتفاؤل الحذِر لكنْ ليس أكثر من ذلك. أتمنّى أن نتمكّن خلال الشهور المقبلة أو بحلول نهاية العام من التوصّل إلى حلّ أو على الأقلّ حلّ جزئي للنزاع… لم تتمّ تسوية شيءٍ بعد».
كلام المسؤول الإسرائيلي هذا، تقاطعَ مع معلومات رسمية موثوقة تؤكّد تلقّي لبنان وقبلَ فترةٍ غيرِ بعيدة وعبر الأميركيين عرضاً إسرائيلياً لحلّ النزاع الحدودي البرّي والبحري بين لبنان وإسرائيل.
وفيما تكتّمت المصادر الرسمية حول تفاصيل هذا العرض، قالت لـ«الجمهورية» إنّ العرض الإسرائيلي بحلٍّ متكامل في البرّ والبحر جاء بعد محادثات أميركية-إسرائيلية جرت أخيراً في تل أبيب بين مسؤولين أميركيين مهتمين بملف النفط البحري بين لبنان وإسرائيل، وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو. وكشَفت أنّ الاجتماع الثلاثي في القصر الجمهوري في بعبدا بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري، انحصَر ببحثِ هذا المستجد، علماً أنّ عون وبري كانا على اطّلاع على تفاصيل هذا التطوّر، لأنّ الحريري كان غائباً عن لبنان في الأيام الأخيرة. وقد أعطيَ الحريري علماً به أمس الأوّل.
وتقرّر في هذا الاجتماع تأكيد موقف لبنان الموحّد من هذه المسألة وحقوقه في أرضه وكيانه وثرواته من دون أيّ مساس فيها أو انتقاص منها.
وعلمت «الجمهورية» أنّ الجانب اللبناني وضَع بعض الملاحظات حول العرض الإسرائيلي مع طلبِ بعضِ التوضيحات وقدَّمها إلى الوسيط الأميركي. وينتظر توضيحات، فإذا كانت إيجابية سيتعاطى معها بإيجابية على أن تُعقد الاجتماعات في الناقورة بين ممثّلين عسكريين لبنانيين وإسرائيليين وفي حضور «اليونيفيل» وتحت علم الأمم المتحدة.
مشاورات التأليف
على أنّ أهمّية ملفّ الحدود واتّصاله بالثروة النفطية، لم يحجب الاستحقاقات الداخلية المباشرة، سواء في التأليف الحكومي أو في موضوع مرسوم التجنيس القابع على نار اشتباكٍ سياسيّ حاد.
فحكومياً، يبدو أنّ محرّكات التأليف تدور بصمتٍ وبطء، فيما يُحضّر الحريري لجولةِ اتصالات مكثّفة مع سائر الأطراف السياسية، تمهيداً لوضع تصوُّرٍ حول الحكومة الجديدة في أقرب وقت. وقال قريبون منه لـ«الجمهورية» إنّ مهمّة الرئيس المكلّف ليست معقّدة كما يحاول البعض أن يشيع، في محاولةٍ للتشويش على التأليف. وما يسمّى «عقَد» هو أمر طبيعي يَحضر مع كلّ حكومة حتى ولو كانت من لون واحد، فكيف والحالة مع الحكومة التي يفترض أن تضمَّ تلاوين سياسية مختلفة ورؤى سياسية متعدّدة ومتباينة.
وبحسب المقرّبين من الحريري فإنّ «كلّ ما يروَّج عن صيغٍ حكومية أو أسماء أو حقائب لا أساس له، بل هو نوع من التسلية السياسية التي يعتمدها البعض إمّا للتشويش أو لحرقِ بعض الأسماء. والصحيح الوحيد في هذا السياق هو أنّ الرئيس المكلف ما زال في بداية الطريق وهو مصمّم على التأليف بسرعة، وشعارُه السرعة وليس التسرّع».
وفي هذا السياق قال الحريري خلال حفل إفطار رمضاني أمس إنّه «متفائل بأن كل الأفرقاء السياسيين يتعاونون لتشكيل هذه الحكومة، ولو كنّا سنلبّي رغبات كل حزب في شأن عدد الوزراء الذين يريدهم، لكنّا سنشكل حكومة من خمسين وزيراً. لكن الحكومة التي سنشكّلها إن شاء الله ستكون من ثلاثين وزيراً، وهذا أقصى ما يمكنني أن أعلنه، والتعاون جارٍ مع كل الأفرقاء لإنجاز هذه المهمة».
برّي
وأجواء التعجيل بولادة الحكومة بادية بوضوح في عين التينة، لكن لا شيء ملموسا في اليد بعد. وعندما يسأل رئيس المجلس عن المستجدّات الحكومية ومتى يتوقّع أن تولد الحكومة، خصوصاً وأنّه كان يلحّ على توليدها قبل عيد الفطر، يُسارع إلى القول: «لا شيء جديد، قلتُ وأكرّر، إنّ المطلوب هو التعجيل في تشكيل الحكومة من أجل البلد والتصدّي للأزمات والأوضاع الضاغطة وخصوصاً في الملف الاقتصادي الذي يعاني صعوباتٍ ومخاطر ضخمة».
أضاف: «نريد الحكومة «مبارح» قبل اليوم. لكنّ المسألة في النهاية «مِش عندنا». وعلى رغم أنّ الملف الحكومي ملِحّ، لم يتمّ التطرّق إلى هذا الموضوع لا من قريب ولا من بعيد في اللقاء الرئاسي. هناك تطوّرات مهمّة حصلت حول ملف الحدود وقد تداوَلنا فيها».
«القوات»
على صعيد آخر، رحّبت مصادر «القوات» بما أعلنه رئيس تكتّل «لبنان القوي» الوزير جبران باسيل بعد نهاية خلوةِ التكتل في زحلة وقوله: «إنّنا تعاطينا مع الجميع من منطلق التنافس الإيجابي. ونحن نتّجه إلى إيجابية مطلقة، وعنوانُنا الجمع الديموقراطي وليس العزل السياسي».
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «كلّ موقف إيجابي نردّ عليه بإيجابية، وللتذكير فقط، إنّ رئيس «القوات» سمير جعجع مدَّ يده فور انتهاء الانتخابات إلى الجميع وتحديداً الوزير باسيل، ودعا إلى الحوار، لكن الأمور ذهبت في اتّجاه مزيد من التصعيد ضدّ القوات، وبالتالي أيّ رسالة إيجابية نقابلها بإيجابية، ونحن منفتحون على أيّ تواصُل وحوار انطلاقاً أيضاً ممّا أفرَزته الانتخابات من ثنائية تنافسية ديموقراطية ومن نتائج لا يمكن لأحدٍ تجاوزُها، ولدينا قناعة ثابتة بأن لا عودة إلى ما قبل المصالحة، كلّ الأمور المختلف عليها تُحَلّ بالحوار. وإنّ مرحلة ما بعد الانتخابات تستدعي أوسع توافقٍ ممكِن بين معظم القوى السياسية من أجل الانطلاق بمرحلة جديدة تُجسّد تطلّعات الناس على المستويات الاقتصادية والإدارية والمالية والأمنية، لأنّ الناس متعطشون إلى وجود دولة، وبالتالي يجب الانكباب نحو ورشةٍ وطنية كبيرة، ونحن أكثر طرف معني في هذا السياق. وقد قلنا ونكرّر إنّنا ركيزة أساسية من ركائز المرحلة السياسية، وجاءت الانتخابات لتؤكّد حجمنا السياسي والوطني، وعلى هذا الأساس سنستمرّ من خلال وزننا النيابي والشعبي والحكومي في الحكومة المقبلة بمشروعنا الإصلاحي والسيادي».
مرسوم التجنيس
على صعيد مرسوم التجنيس، فإنّ الأجواء الداخلية لم تصفُ بعد من غباره. وعلمت «الجمهورية» أنّ سفارات عربية وأجنبية أبدت في الساعات الـ 24 الماضية اهتماماً خاصاً بالمرسوم، وطلبَت بشكل غير مباشر معلومات حوله لمعرفة ما إذا كان لبعض الأشخاص الذين مُنِحوا الجنسية علاقة بالعقوبات الدولية والخليجية.
وعلى رغم إحالة هذا الأمر على الأمن العام، فإنّ ذلك لم يوقف سَيل الأسئلة المتدحرجة من جهات مختلفة، والتي لم تلقَ إجاباتٍ واضحة حول السِر الكامن خلف المرسوم ولماذا في هذا التوقيت.
وبدا مِن مقاربة الأمن العام لهذا الملف بأنّه لم يكن له أيّ دورٍ من الأساس في هذا الملف، خصوصاً أنه طلب من المواطنين تزويدَه المعطيات حول أيّ مِن الأسماء الواردة في المرسوم.
وقالت مصادر معنية بالملف لـ«الجمهورية»: «ما يثير الريبة هو محاولة تهريبِ المرسوم وإخفائه وعدم نشره، وكذلك في عدم تقديم توضيحات أو أسباب مقنِعة حول ما أوجَب هذا التجنيس في هذا الوقت بالذات، ومَن هو صاحب الفكرة؟ ولأيّ غاية؟ ولماذا حصرُ تجنيس هؤلاء المشمولين بالمرسوم وليس غيرهم؟
وكان موضوع المرسوم قد شهد تطوّراً قانونياً أمس تمثّلَ في اجتماع عَقده محامو أحزاب الكتائب، و«القوات اللبنانية» و«التقدمي الاشتراكي» في بيت الكتائب المركزي في الصيفي للتداولِ بالموضوع ورسمِ كيفية مواجهته.

الأخبار
عرض إسرائيلي لترسيم الحدود… ومزارع شبعا
جميل السيّد يَشهَد… والمحكمة الدوليّة في متاهة

كشف الرئيس نبيه بري أمام زوّاره أمس، عن عرض إسرائيلي نقله الأميركيون إلى لبنان يتضمّن التفاوض حول الحدود البريّة والبحرية، ومن ضمنها مزارع شبعا. وقال برّي إن الوفد الأميركي الذي زار لبنان الأسبوع الماضي، وفي عداده عضو الكونغرس الأميركي من أصل لبناني داريل عيسى، نقل إلى رئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية ميشال عون كلاماً إسرائيلياً حول الرغبة في حوار كامل حول الحدود مع فلسطين المحتلة، وضمناً مزارع شبعا المحتلة. وقال برّي إن لبنان طلب من الوفد العودة بتأكيد رسمي أميركي حول هذا الأمر. وكذلك أشار رئيس المجلس إلى كلام وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتز، الذي أكّد أن «طرح أفكار جديدة لإنهاء نزاع بحري بين إسرائيل ولبنان، عطل التنقيب عن الغاز والنفط» (راجع تقرير الزميل يحيى دبوق في الصفحة نفسها). ورأى برّي أن هذا الأمر هو فرصة للبنان لاستعادة حقوقه، مؤكّداً أن أجزاءً من مزارع شبعا لبنانية وأخرى سورية، «فلينسحب الإسرائيلي من المزارع ونحن نتصافى بيننا وبين السوريين».
على الصعيد الحكومي، استغرب بري بطء عملية التأليف، إذ فوجئ بأن اللقاء الذي جمعه والرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري في بعبدا أول من أمس لم يتطرّق إلى الملف الحكومي. وأبدى بري قلقه من أن يؤدي بطء مسار التأليف إلى عدم إبصار الحكومة النور قبل عيد الفطر (نهاية الأسبوع المقبل). ولفت إلى أن تأجيلها إلى ما بعد العيد يعني إرجاءها إلى أواخر تموز على أقل تقدير، ربطاً بالبيان الوزاري وجلسة الثقة. وحذّر رئيس المجلس من أن الوضع الاقتصادي في البلاد يمثّل تحدياً ملحّاً أمام الجميع، لافتاً إلى أن البطء في التأليف يرسم صورة متشائمة للوضع في البلاد.
في المقابل، قال الحريري أمس إنه «داعس بنزين على أعلى سرعة»، قبل أن يوجه تحية إلى وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، على ما وصفه بـ«دوره المحوري» في دعم استقرار لبنان. وبدا كلام الرئيس المكلّف عن الأمير السعودي رداً على كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم 25 أيار الماضي، حين قال إن بلاده أنقذت لبنان من حرب بعدما احتجزت السعودية الحريري في تشرين الثاني 2017. وسبّب كلام ماكرون غضباً سعودياً أدى إلى عدم استقبال الحريري من قبل أي مسؤول في الرياض التي زارها الأسبوع الفائت.
«دعسة البنزين» الحريرية لم تظهر نتائجها عند القوى السياسية التي تجمع مصادرها على عدم وجود أي تواصل جدي يهدف إلى وضع مسوَّدة لتشكيلة وزارية. وحدها القوات اللبنانية، التي يراعيها الحريري إرضاءً للسعودية، تشملها مشاورات التأليف. والتقى الحريري الوزير ملحم رياشي أمس، وجرى البحث في الملف الحكومي. وعلمت «الأخبار» أن الرئيس المكلّف يؤيد مطالب القوات بالحصول على حصة وازنة، كمّاً ونوعاً. لكن تأييد الحريري لمطالب معراب المستعدة للمقايضة بين منصب نائب رئيس مجلس الوزراء وحقيبتين خدماتيتين، لا يلغي العُقَد التي لا تزال تحول دون التأليف، وأبرزها:
عدم التوافق على تقسيم المقاعد الوزارية المسيحية بين كل من رئيس الجمهورية والقوات والتيار الوطني الحر وباقي القوى المسيحية، كتيار المردة.
رفض الحريري منح مقعد وزاري للنواب السنّة المنتمين إلى فريق 8 آذار، معوّلاً على تشرذمهم.
تمسّك النائب وليد جنبلاط بالمقاعد الدرزية الثلاثة ورفضه مبادلة مقعد درزي يكون من حصة رئيس الجمهورية ليمنحه للنائب طلال أرسلان في مقابل مقعد كاثوليكي.
جميل السيّد يَشهَد… والمحكمة الدوليّة في متاهة
آخر ما كان يتمنّاه اللبنانيّون «الدوليّون» أن يروا جميل السيّد يشهد أمام المحكمة الدوليّة… التي لهثوا لإنشائها. لم ولن ينسى ما فعلوه بحقه، ومعهم المحقّقون الدوليّون، باعتقاله ظلماً وبشهادات زور. كلّما ظنّوا أنّهم انتهوا مِنه، خرج عليهم أقوى، وفي لحظة أهدأ… لكن أكثر فضحاً. ها قد أصبح اليوم نائباً مختاراً مِن الشعب. ما قاله، أمس، في اليوم الاوّل مِن شهادته في لاهاي، يصعب إيجازه. كلّ كلمة هي شهادة للتاريخ، مِن شخص كان شريكاً في صنع حقبة… لم تصبح بعد مِن التاريخ.
يوم أتوا إلى منزله، دهماً فاعتقلوه، كان هو الأمني الأقوى في لبنان. هو اللواء جميل السيّد. بعد 13 عاماً سيذهب هو إليهم، إلى لاهاي في هولندا، لكن هذه المرّة هو النائب جميل السيّد. هو الآن، بمعنى أدقّ، الضابط النائب. الأمنيّون لا يتقاعدون… إلا على الورق. نائب عن الأمّة اللبنانيّة، كما في الدستور، سيقف الآن أمام قضاة المحكمة الخاصة بلبنان الذين يتقاضون نصف رواتبهم مِن أموال الأمّة اللبنانيّة. هم يعرفون أهميّة هذا، نظريّاً، أكثر مِن غيرهم. سيقول له رئيس غرفة الدرجة الأولى، القاضي ديفيد ري، مُرحّباً: «نُهنّئك على انتخابك نائباً». يبتسم السيّد. هي دورة الزمن. سيقف هذه المرّة أمام القضاة، شاهداً، لا متَّهماً، تلبيّة مِنه لرغبة فريق الدفاع.
ويبدأ جميل السيّد ببثّ الدهشة: جاء رفيق الحريري يحمل «شنطة» إلى رئيس الجمهوريّة السابق إلياس الهراوي، في بداية عهده، تحتوي على 5 ملايين دولار. تحدّثت مع الهراوي، الذي كنت مسؤولاً عن أمنه، فأخرج مِن الحقيبة مبلغ 23 ألف دولار لتُوزّع على العسكريين، قبل أن يحمل ابنه «الشنطة» ويذهب بها. هكذا تعرّفت إلى الحريري أوّل مرّة. كانت تلك الأموال خليجيّة، وكان هناك تقليد بأن تُرسِل الدول الخليجيّة المال إلى رئيس لبنان كهديّة بهذه الطريقة. ألم يندم بعد أولئك اللبنانيّون الذين دفعوا بقوّة لإنشاء محكمة دوليّة؟ هناك مَن نصحهم ذات يوم بألا يفعلوا، إلا أنّهم أبوا، والآن عليهم أن يتلقّوا هذه «الشرشحة» (الدوليّة) التي جنوها على أنفسهم. كان هذا ما أفاد به السيّد ردّاً على سؤال، في بداية شهادته التي استمرت، مع فواصل، لأكثر مِن 6 ساعات.
التحقيق الدوليّ «المُشين»
لا يقبل السيّد أن يُجيب بنعم أو كلا، فكما سمعت المحكمة سابقاً لشهادات مِن آخرين، أو «مِن لبنان آخر»، بحسب وصفه، فإنّه يُريد الوقت الكافي «لأن لدي روايتي». تستوقف هذه الكلمات القاضي ري، فتكون مناسبة ليُقرّ بأنّ لجنة التحقيق الدوليّة، قبل 13 عاماً، قد أساءت للسيّد: «شاهدت تسجيل التحقيق معك، عاملك المحقق بطريقة سيئة وغير احترافيّة. سمعت اللهجة، ما حصل معك كان مشيناً». هذا ليس إقراراً عابراً. المحكمة الدوليّة تقول ذلك عن التحقيق الدولي! هل سيكون هذا بمثابة وثيقة تمكّن المتضرّر مِن ملاحقة أولئك المحققين، وهم مِن جنسيّات مختلفة، أمام المحاكم؟ مَن يذكر حكايات «المُحقّق» ديتليف ميليس وزميله غيرهارد ليمان هذه الأيّام؟ يحاول القاضي الأوسترالي هنا أن يستوعب السيّد، وأن يُخبره أنّ هذه المحكمة ليست كأولئك المحققين، فيجيبه: «المسألة أكبر مما حصل في هذه الحادثة. السنوات الأربع التي قضيتها خلف القضبان كلّها هي القضيّة، لا مجرّد حادثة مع محقّق أتت ضمن مسار. لقد نبشوا قبري ليحصلوا على أدنى إدانة بحقي خلال سنوات عملي للابتزاز، وفشلوا».
أثناء سرد الكثير مِن التفاصيل، تداخلت التواريخ والتسميات على القاضي، فأوجز له الشاهد في أي سنوات كان في وحدات الجيش اللبناني، ثم في استخبارات الجيش في منطقة البقاع، ثم مديراً للأمن العام، الذي أصرّ أكثر مِن مرّة على تعريفه بـ«الجهاز الأمني السياسي، وهو عرفاً في لبنان بمثابة الاستشاريّة السياسيّة لرئاسة الجمهوريّة».
في وجه الحريري ومعه
تتوالى الأسئلة مِن محامي الدفاع وقضاة المحكمة على حدّ سواء. يشهد السيّد: «رفيق الحريري، في البداية، سعى ليكون له نفوذه داخل مؤسسة الجيش اللبناني، ولكن كنّا ضدّه ولم نسمح له بذلك. حاول أن يُعيّن ضابطاً محسوباً عليه في مجلس القيادة مِن الطائفة السنيّة. آخرون مِن السياسيين حاولوا، أيضاً، أن يكون لهذا ذلك النفوذ، لكن لم يفلحوا». ويتابع: «الحريري سعى في تمديد ولاية الهراوي بالتوسّط مع السوريين، ونجح في ذلك، هو مَن أسس لظاهرة التمديد هذه، التي عاد واعترض عليها عندما كان البحث يدور حول تمديد ولاية الرئيس إميل لحود لاحقاً. هو لم يرد أن يصل لحود إلى رئاسة الجمهوريّة أصلاً».
لا يكشف جميل السيّد سراً في حديثه عن دور الضبّاط السوريين الذين «كانوا يديرون التوازنات في لبنان بموجب اتفاق الطائف، بتوجيه مِن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ولاحقاً الرئيس بشّار الأسد». تحدّث عن عبد الحليم خدّام وحكمت الشهابي وغازي كنعان ومحمد ناصيف ورستم غزالة. قال: «كلّ عمل إيجابي أو سلبي، قام به الحريري، لم يقم به إلا بتوافق مع السوريين في لبنان، عبر عبد الحليم خدّام، ومن جملة ذلك مشروع سوليدير في بيروت». يوضح أكثر، فيقول إنّ «الجهات السوريّة التي كانت مكلّفة إدارة لبنان ساندت الحريري أكثر مِن مرّة، ومِنها: الضغط على نواب ليصوتوا لمصلحة الحريري وإقرار مشروعه سوليدير المذكور، عبر تهديدهم بعدم وصولهم إلى النيابة مرّة أخرى… الجميع في لبنان كانوا ضمن الصحن السوري».
يستغرب القاضي ري هذه التفاصيل غير المألوفة في بلاده، فيسأل عن كيفيّة عدّ هذه الأمور طبيعيّة في «دولة». مباشرة يجيب السيّد: «عندما غادر غازي كنعان لبنان أصبح السفير الأميركي، جيفري فيلتمان، هو مَن يدير وينظّم قوانين الانتخابات». يعلّق القاضي، متعجّباً: «أهذا أفضل؟». فيردّ الأول: «بل أسوأ، لبنان دول في دولة واحدة. أنتم استمعتم سابقاً لدول مِن لبنان والآن تسمعون لدول أخرى. بالمناسبة، حتّى البطريرك (الماروني) مار نصرالله بطرس صفير أشاد بي وبعملي عندما كنت في الأمن العام. أنا أتشرّف بماضيّ».
من قلب الدولة
كان جميل السيّد أمس يتكلّم بمنطق رجل الدولة، في المحكمة، وهو الآتي فعلاً مِن قلب مؤسسات هذه الدولة، بل هو أحد بناة شكلها الأخير في حقبة «ما بعد الطائف». يقول له القاضي: «أنت صغير جدّاً لتبدو بهذه المرارة»… فيأتي الردّ: «أبدو أصغر مِن سني، إنّما لست صغيراً، أنا مواليد عام 1950، لكن لو حسمت أربع سنوات مِن عمري فسيصبح عمري أقل. كنتُ كسيارة معطّلة في مرأب… حافظت على نفسي». يتفاعل القاضي مع الحديث، مضيفاً إلى ما قاله في البداية: «اعتقالك تلك المدة بلا محاكمة مخالف لمعايير حقوق الإنسان».
بالمناسبة، إن كانت أفعال لجنة التحقيق الدوليّة بتلك الفظاعة والسوء، إثر اغتيال الحريري، فما السبب الذي جعل البعض يطلب تدويل القضيّة؟ إن كان المحققون اللبنانيّون، والقضاء اللبناني تالياً، في حالة سيئة، فهل أثبتت التجربة أنّ الأجانب كانوا أفضل؟ في التحقيق، أقلّه، ها هي المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري تعترف بما لا تودّ «جماعة التدويل» سماعه. توقّف السيّد عن هذه المسألة: «ربما لو تركوا الموضوع في أيدينا لوصلنا إلى نتيجة أفضل اليوم. نحن، في لبنان، من اكتشفنا قضية خطوط الهاتف المرتبطة بالجريمة، ونحن من اكتشف سيارة الميتسوبيتشي وغير ذلك، لم يفعل ذلك ميليس والمحققون الدوليّون. هذا ولا أنكر حصول أخطاء».
كنا نحمي مقاومتنا
بحسب جميل السيّد، لم تستطع إسرائيل أن تبتلع هزيمتها في لبنان في عام 2000، بانسحابها تحت ضربات المقاومة، المتمثلة في حزب الله. لذا قرّرت أن المقابل لانسحابها مِن لبنان هو الانسحاب السوري مِنه. وهذا ما حصل. القضاة والدفاع يسألون عن حضور حزب الله في الحكومة، قبل الاغتيال وبعده، والسيّد يقول: «كنا نحن الدولة، في لبنان، نحمي حزب الله في عمله المقاوم ضد إسرائيل. لم يستفد الحزب مِن اغتيال الحريري ليدخل الحكومة (بحسب سؤال مِن أحد القضاة)، بل على العكس، شعر الحزب بأنه أصبح بلا حماية، بعد سقوط الدولة السابقة، فقرر أن يدخل بنفسه ليحمي المقاومة مِن داخل الحكومة».
ذكّر الشاهد بإشادة رفيق الحريري، مراراً، بدور حزب الله في المقاومة وتحرير لبنان، وقرأ بعضاً مِن نصوص البيانات الوزاريّة للحكومات التي ترأسها. في سياق آخر، من ذكريات تلك الأيام، يقول: «كان وليد جنبلاط يدعوني إلى الغداء عنده، ويدعو كتلته النيابيّة للحضور. ما مِن سياسي أو صحافي زارني مرّة إلا وأخبرني أكثر مِمّا أريد. (كان هذا تعليقاً على استغراب القضاة مِن كيفية إحاطته بكل تلك المعلومات). هذه أسئلة لا تطرح على رئيس جهاز أمني سياسي». ثم يختم هذا المحور: «أقول هذا لتعريفكم إلى لبنان، لا يوجد أسرار في لبنان، وهذا من حسناته ومن سيئاته، يحتاج أكبر سرّ ربّما إلى ساعة ليكون انتقل مِن رئيس الجمهورية إلى بائع الخضر. القضاة اللبنانيّون (معكم) يعرفون هذا أكثر».
ماذا عن شهود الزور… يا محكمة!
كاد الشاهد أن ينفعل في آخر شهادته. بقي متماسكاً. كان ذلك عند حديثه عن مسألة شهود الزور، الذين «فُبركوا» للشهادة ضدّه وضدّ آخرين. قال للقضاة: «على المحكمة أن تسأل عن شهود الزور. هذا التحقيق هو ما خرّب كلّ شيء. لمصلحة مَن تضليل التحقيق مدّة 4 سنوات، ليقفز بعدها التحقيق من اتهام سوريا إلى اتهام حزب الله! عرض عليّ المحقق الدولي مقايضة، أن أقدّم ضحية «دسمة» وإلا فسأكون أنا الضحيّة. قلت له: هل لديك أي دليل على تورط سوريا لأبحث الموضوع مع الرئيس الأسد؟ قال: إلى الآن لا يوجد. قلت له: لن أشارك بنصب هذا الفخ لسوريا. لو كانت سوريا متورّطة، فأنا حليفها في السياسة لا في الجرائم، إنّما اثبتوا ذلك أولاً». ولأنّه رفض العرض، أكثر مِن مرة، كان هو الضحيّة في النهاية. أسهب في شرح تفاصيل تلك المرحلة، وما تعرّض له، وعندما أراد أن يتحدّث عن لحظة دهم منزله لاعتقاله لم يستطع أن يُكمل. بدا كمن لو أن الكلمات تخنقه. لوّح بيديه. بدت القاضية الجامايكيّة، جانيت نوسورثي، متأثرة حدّ النفور مِن سماعها لما تعرّض له الشاهد. وبما أنّه كان قد أتى على ذكر «العالم الثالث» في حديثه، قالت له بصوت خافت: «أنا مِن العالم الثالث أيضاً».
اليوم سيُكمل السيّد شهادته أمام المحكمة، وكذلك غداً، وقد يطول الأمر أكثر بعدما سأله القاضي إنّ كان بإمكانه تأجيل سفره لسماع المزيد منه. بدا القضاة، غير اللبنانيين تحديداً، أكثر دهشة لسماع حكايات جميل السيّد المشوّقة. قبل السيّد كانت تلك المحكمة قد أصبحت «فاترة». القضاة يملّون أيضاً. لعلّهم مدينون بهذا الدم الجديد، على ما فيه مِن مأساة، لفريق الدفاع الذي «قاتل» مِن أجل إيصال الشاهد إلى المحكمة. ما قاله جميل السيّد، وسيقوله، بعيداً عن الدبلوماسيّة، هو بمثابة شهادة استثنائيّة (مِن الداخل) على التاريخ السياسي لهذه البلاد.
قانون جميل السيّد!
بعد اغتيال رفيق الحريري، لا قبل ذلك، درجت في لبنان على ألسنة سياسيين مقولة أنّ قانون الانتخابات لدورة عام 2000 هو «قانون غازي كنعان». ما شهد به السيّد، أمس، وإن لم يكن يلغي دور كنعان، إنّما يُظهر أنّ ذلك القانون كان قانون جميل السيّد بامتياز. آنذاك، كان الحريري يُريد قانوناً بدوائر كبرى، فيما القوى المسيحية، وأبرزها البطريرك الماروني، كانوا يريدون الدوائر الصغرى «حفاظاً على الأقليّات». خرج السيّد بحلّ وسط بغية إرضاء الجميع، ولكي «يأخذ كلّ حقّه ولكن لا يأخذ طمعه». الشاهد، أمس، هو من تنقّل بين الحريري ووليد جنبلاط وإميل لحود وتمام سلام وسليم الحص، وغيرهم، لإخراج ذلك القانون الانتخابي. طبخ الدوائر «كما يلزم» في دوائر بيروت ودائرة بعبدا – عاليه. في مسألة أخرى، شهد أنّ كنعان اتصل به مرّة، وقال له إنّ هناك مَن أخبره بأنّه يُعرقل مشروع خصخصة قطاع الاتصالات في لبنان. أجابه: «لو كان لديك دكّان يدرّ أرباحاً أكثر مما ينتج من بيعه، هل تبيعه؟ فقال كلا». هكذا، بحسب السيّد، هو صاحب الفضل في عدم خصخصة هذا القطاع وبقائه في حوزة الدولة. حصل ذلك بين العامين 2000 و2002.

اللواء
حزب الله «يُسقط» الحكومة قبل تأليفها وباسيل يعدّ البيان الوزاري
برّي ينأى بنفسه عن مرسوم التجنيس والتأليف.. والحريري يدعس «بنزين حكومي» ويشيد ببن سلمان

الأهم في مجرى الحركة السياسية ان اجتماع بعبدا الثلاثي الاثنين الماضي أطلق صفارة التأليف الحكومي، على وقع تطورات إقليمية، وداخلية، اقتضت ليس عقد اللقاء وحسب، بل التطرق، من زاوية التفاهم، إلى رزنامة المرحلة المقبلة.
1 – يُؤكّد الرئيس نبيه برّي ان لبنان تلقى عرضا اسرائيليا عبر موفد أميركي بشأن ترسيم الحدود براً وبحراً، من ضمنها مزارع شبعا..
2- فرض الوضع الاقتصادي نفسه بنداً ثقيلاً على الاجتماعات، واتخاذ القرارات، فهو ينذر بالانهيار أو بلوغ حدّ لا يُمكن تدارك نتائجه الخطيرة، الأمر الذي يقتضي الإسراع بتأليف الحكومة.
3 – في غمرة التحديات هذه، دخل مرسوم التجنيس، الذي اصبح في عهدة الأمن العام، بعد ان أعلن انه صار نافذاً، بمجرد توقيع الرئيسين ووزير الداخلية عليه، وسط سباق مع تنظيف من الأمن العام، واستعداد أحزاب الكتائب والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي لدراسة تقديم مراجعة لإبطاله امام مجلس شورى الدولة..
وفي إطار التأليف الحكومي، وفيما أعلن الرئيس المكلف سعد الحريري انه «يدعس بنزين» للإسراع في التشكيل وان الرئيس برّي لا يتدخل في التأليف «لأن أحداً لم يطلب مني»، بدا حزب الله يستعجل تأليف الحكومة، من زاوية «اننا لا نريد العرقلة أو المماطلة، مطلبنا واضح التمثل بثلاثة وزراء والحصول على حقيبة خدماتية»، وفقا لاوساط الحزب التي لم تتردد بأنها لن تتوانى عن إسقاط الحكومة إذا تقاعست في مواجهة البرنامج الذي ستنال الثقة على أساسه.
محاولات غير بريئة
على صعيد الوضع السياسي كان اللافت تلاطم التقارير الإخبارية حول مشاورات تأليف الحكومة والمفاوضات مع إسرائيل حول الحدود الجنوبية البرية والبحرية، والتي وصلت إلى نقطة حسّاسة، وحول ملف التجنيس وبدء وضع خطة لبنانية لإعادة النازحين السوريين تستلزم وضع الأمم المتحدة في تفاصيلها، جاءت الإشارة المثيرة للانتباه في بيان كتلة «المستقبل» النيابية، التي تحدثت عن «محاولات غير بريئة تستبطن تعكير مشاورات تأليف الحكومة، من خلال نشر معلومات مضللة وغير صحيحة عن مرسوم التجنيس، وادراج أسماء فيه لم تدرج اصلا فيه، بهدف النيل من صدقية رئاستي الجمهورية والحكومة في التعاطي مع مسألة التجنيس».
وإذا كانت مصادر نيابية لا تستبعد مثل هذا الربط، فإن المعلومات المتوافرة تشير إلى ان الضجة حول المرسوم والذي صدر بتاريخ 11 أيّار الماضي، أي قبل انتهاء ولاية المجلس النيابي السابق، لم تنفجر الا في أعقاب بدء مشاورات تأليف الحكومة الجديدة، واثارة مسألة حصة رئيس الجمهورية في التشكيلة الحكومية، وكان الهدف هو التشكيك بصدقية العهد في محاربة الفساد الذي وضعه في أولويات عمل الحكومة الجديدة، علماً ان عدم نشر المرسوم حتى الساعة يثير ايضا تساؤلات طالما ان المدافعين عنه لا يرون فيه عيوباً تستدعي التمسك بأنه «مرسوم اسمي» لا يستلزم نشره في الجريدة الرسمية.
وفي هذا السياق، برز، أمس، البيان الذي صدر عن المديرية العامة للأمن العام، والذي طلب فيه المواطنين ابلاغها عن أي معطيات أو معلومات يمتلكونها حول الأسماء المدرجة في مرسوم التجنيس، ووضع لهذه الغاية عناوين البريد الالكتروني للمديرية مع أرقام هواتف وفاكس وخط ساخن، محددا يوم غد الخميس موعدا لبدء الاجراء اللازم بشأنها.
وفي المعلومات ان تحديد يوم غد لبدء تلقي الأمن العام اتصالات المواطنين للتدقيق بالأسماء في المرسوم، جاء لإعطاء فرصة امام المعنيين لنشر المرسوم، لكي يتمكن النّاس من الاطلاع على الأسماء، إذ كيف يُمكن ان يقدموا معلومات عن شيء لم ينشر.
 وعلى هذا، فإن التقديرات تُشير إلى ان المرسوم سينشر اليوم أو غداً على أبعد تقدير، بعد ان يُصار إلى إيجاد مخرج قانوني من الإشكالية التي يُمكن ان تثار في حال نشر المرسوم في الجريدة الرسمية، لأنه في هذه الحالة، سيكون المرسوم نافذاً، ولا يجوز تعديله إلا بموجب مرسوم جديد.
وأغلب الظن ان النشر سيكون من خلال وزارة الداخلية التي استمهلت المعترضين على المرسوم 48 ساعة لابلاغهم بنتيجة الدراسة التي عهدت بها إلى هيئة القضايا في وزارة العدل، بخصوص تسليمهم المرسوم مع قائمة الأسماء المدرجة فيه.
يذكر ان اجتماعاً تنسيقياً عقد  لمحامي أحزاب «القوات اللبنانية» و«الكتائب» و«التقدمي الاشتراكي» في بيت الكتائب المركزي في الصيفي، انضم إليه رئيس الحزب النائب سامي الجميل الذي سبق واتصل أمس الأوّل بكل من رئيس «القوات» الدكتور سمير جعجع ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط بهدف درس الخطوات المستقبلية بعد الاطلاع على «المرسوم الشبح» كما اسماه الجميل.
وتبين للمجتمعين ان القيام بأي خطوة قانونية أو دستورية، بغرض الطعن بالمرسوم تتطلب توفّر نص المرسوم والأسماء كاملة.
وأمل الجميل الحصول على الجواب من وزارة الداخلية اليوم، معتبراً ان طلب رئيس الجمهورية من الأمن العام إعادة التدقيق بالأسماء دليل على ان التدقيق السابق لم يكن صحيحاً وكافياً.
اما كتلة «المستقبل» التي عبّرت عن تقديرها للاجراء الذي اتخذه رئيس الجمهورية بالتريث في نشر الأسماء المعنية في انتظار ما ستؤول إليه عملية التحقق الإضافية من سلامة تلك الأسماء، رأت ان تجارب منح الجنسية اللبنانية وحملات التشكيك التي رافقتها خلال السنين الماضية، باتت تتطلب العمل على اعداد قانون خاص لا يخالف منطوق الحق الدستوري لرئيس الجمهورية بمنح الجنسية لمن يراه مستحقاً لها، وشددت في هذا الشأن على أولوية العمل  لتضمين مشروع القانون الخاص مواد تتعلق بحق المرأة اللبنانية المتزوجة من عربي أو أجنبي منح الجنسية لأولادها، بما يضع حداً نهائياً للظلم اللاحق بآلاف الأمهات اللبنانيات جرّاء حجب هذا الحق عن أبنائهن وبناتهن.
عودة النازحين
وفي إطار متصل بمسار عودة  النازحين السوريين إلى المناطق الآمنة داخل سوريا، سلم مدير الشؤون السياسية والقنصلية في وزارة الخارجية السفير غادي الخوري ممثلة مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان ميراي جيرار، رسالة موجهة إلى مكتب المفوضية تتضمن طلب لبنان منها تغيير مقاربتها لكامل موضوع النزوح السوري في لبنان، انطلاقاً من تحسن الوضع في العديد من المناطق داخل سوريا بما يسمح بالعودة الآمنة والكريمة للنازحين، الأمر الذي يضع على عاتق المفوضية مهمة مساعدة الحكومة اللبنانية على تسجيل هذه العودة بناء على صلاحية ولايتها.
كما تضمنت الرسالة طلب الوزارة من المفوضية ان تبادر خلال مهلة محددة إلى تسليمها خطة توضح الإجراءات التي ستتخذها لاطلاق مسار عودة النازحين إلى المناطق الآمنة داخل سوريا.
إلا أن السيدة جيرار اشارت إلى ان عمل المفوضية ينحصر في الشق الإنساني فقط، ولا شأن للمفوضية في توفير شروط العودة، في حين شدّد السفير الخوري على ان مسار عودة النازحين ابتدأت بالفعل، وكانت نواته الأولى مجموعة  النازحين التي غادرت شبعا إلى بيت جن، في حين تجري اتصالات لترتيب مغادرة نحو 3 آلاف نازح من عرسال إلى سوريا بنفس ظروف مغادرة المجموعة الأولى.
حكومة من 30 وزيرا
اما بالنسبة للوضع الحكومي، فلم يطرأ أي جديد حول تشكيل الحكومة، ولم تحصل أي اتصالات أو لقاءات علنية على الأقل تتعلق بالتشكيل، لكن الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يُدرك ان أي كلام سيقوله خلال مرحلة التأليف سيكون موضع تفسير وتأويل، أو قد يعتبر ترجمة لما وصلت إليه مفاوضات التشكيل، أو سيؤخذ على انه يوجه رسائل لفريق سياسي من هنا وهناك، بحسب ما صارح به الحاضرين في افطار اتحاد جمعيات العائلات البيروتية، في  فندق «فينسيا» غروب أمس، بقي محافظا على تفاؤله استناداً إلى استمرار تعاون كل الفرقاء السياسيين لتشكيل الحكومة، الا انه أعلن للمرة الأولى ان الحكومة التي سيشكلها ستكون من 30 وزيراً معتبرا ان هذا هو اقصى ما يمكن ان يعلنه الآن، وان التعاون جار مع كل الأفرقاء لإنجاز هذه المهمة.
وسبق للحريري، ان كاشف وفدا من مجلس الأعمال اللبناني- السعودي زاره أمس في «بيت الوسط» برئاسة رؤوف أبو زكي، انه «داعس بنزين على أعلى سرعة لتشكيل الحكومة»، وانه يأمل بأن يُصار إلى اختيار عناصر تتمتع بالكفاءة حتى تتمكن الحكومة الجديدة من تولي المسؤوليات والقيام بالمشاريع، خصوصا ما هو مطروح في إطار مؤتمر «سيدر»، والتي ستكون موضع اهتمام ودرس سواء من قبل الحكومة أو القطاع الخاص، لافتا النظر إلى الدعم الذي يبديه ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان له شخصيا وللدور المحوري الذي يقوم به لدعم استقرار لبنان السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي.
ورأت مصادر حزبية متابعة ان الرئيس الحريري ربما ينشط اكثر بعد عودته من زيارته المقررة قريبا لموسكو او ربما ينتظر زيارة رسمية للرياض لعرض وجهة نظره في تشكيلة الحكومة، فيما اكدت مصادر كتلة المستقبل لـ«اللواء» ان الرئيس المكلف يتبع في مشاوراته تشكيل الحكومة القاعدة الشرعية التي تقول: واستعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، لذلك فهو حتى الان لا يفصح عن شيء خاص او تفصيلي باستثناء اشارته الى ان الاجواء حتى الان تشير الى رغبة جميع الاطراف بتسهيل التشكيل .
   وعما تردد من انه ينتظر زيارة رسمية للسعودية لمقابلة ولي العهد أو أي من كبار مسؤولي الدولة للتشاور في الوضع اللبناني عامة والحكومي خاصة؟ ردت المصادر متسائلة: منذ متى تتدخل السعودية في شان لبناني كهذا؟ الامر متروك للبنانيين، ولا علم لنا بزيارة اخرى للمملكة فقد عاد منها من ايام.
   وكانت كتلة «المستقبل» قد توقفت في اجتماعها امس برئاسة الحريري «عند بعض التجاذبات السياسية التي ترافق المشاورات الجارية لتأليف الحكومة، ورأت فيها تعبيراً طبيعياً عن مواقف الكتل بعد أقل من أسبوعين على قرار التكليف، وامتداداً لأجواء الانتخابات النيابية وما ترتب عليها من نتائج. وهي تجاذبات لا تتجاوز بهذا المعنى حدود المألوف في تشكيل الحكومات ، وما زالت في النطاق المقبول لعمليات الاخذ والرد بين القوى المعنية».
  وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري وضع اعضاء الكتلة في صورة المشاريع التي تنوي الحكومة تنفيذها اعتمادا على مساعدات مؤتمر «سيدر» في باريس، ومنها مشاريع سبق واتفق عليها واقرت في الحكومة السابقة ومن شانها المساهمة بالنهوض بالاقتصاد. وهناك جلسات سيعقدها الحريري مع نواب كل منطقة على حدة، من اجل عرض المشاريع المقررة لكل منطقة و الاطلاع على احتياجاتها من المشاريع.
من جهته، أشار رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى «ضرورة تشكيل الحكومة الأمس قبل اليوم»، مضيفاً: «لم أتدخل في التأليف لأن أحداً لم يطلب مني».
ولفت في حديث متلفز إلى أنه ليس هناك من عقد في تأليف الحكومة بل هناك عقدة مسيحية مسيحية بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية»، بحسب ما نقل اليه الرئيس الحريري.
وأشار إلى أن «الرئيس ميشال عون اقترح حكومة تتألف من 32 وزيراً»،»، مشددا على أن «تشكيل الحكومة ضروري لأنّ الوضع الاقتصادي دقيق جدّاً».
من جهة ثانية أكد بري انه لم يكن على علم بمرسوم التجنيس الا من الإعلام ولم يتدخل أبداً في هذا الملف.
وفي المقابل، رفضت مصادر مقربة من «حزب الله» الدخول في تفاصيل ملف تشكيل الحكومة، على اعتبار ان هذا الملف هو في عهدة الرئيس برّي، كما بات معلوماً، الا انها أكدت في الوقت نفسه ان الحكومة ستبصر النور قريباً، وان كل الأطراف متفقة على تسهيلها، ونحن من جهتنا لا نريد العرقلة أو المماطلة، ومطلبنا واضح وهو التمثيل بثلاثة وزراء والحصول على حقيبة خدماتية.
ووفقاً لهذه المصادر، فإن كل العقد الحكومية التي يُحكى عنها بالإمكان حلها، والحزب من جهته سيحاول قدر الإمكان تذليل العقبات المسيحية والدرزية في إشارة إلى رفض اللقاء الديمقراطي التنازل من حقيبة للنائب طلال أرسلان.
وفي هذا الصدد، لفتت المصادر إلى ان الحزب سمع تطمينات من رئيس التيار الحر جبران باسيل خلال لقائه الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله، حيث ابدى باسيل استعداده لحل هذه العقدة من خلال اعطاء حقيبة للنائب ارسلان من حصته الوزارية اذا اصر جنبلاط على موقفه، لا سيما وان الاخير وفقا للمصادر كان قد ابلغ الثنائي الشيعي رفضه القاطع التنازل عن مقعد درزي للحزب الديمقراطي او لرئيسه.
واضافت المصادر، اما بالنسبة للخلاف حول حصة القوات في الحكومة، فان باسيل متفق مع السيد نصرالله على ضرورة تمثيل كل القوى السياسية في الحكومة العتيدة وعدم اقصاء اي طرف، وقد اكد باسيل للسيد ان القوات سوف تمثل في الحكومة ولكن حسب حجمها الحقيقي اما اذا اصرت على العرقلة «فلتبقى خارجها في صفوف المعارضة».
«خلوة التكتل»
وكان الوزير باسيل، أعلن في ختام خلوة «تكتل  لبنان القوي» التي انعقدت أمس في زحلة، ان التكتل رسم لنفسه مسارا سياسيا في وسط الحياة السياسية، وانه سيعمل على ان يكون صلة الوصل بين كل القوى السياسية وفئات المجتمع المدني، وانه وفق هذا الأساس ستكون علاقته مع الأطراف قائمة على معالجة الملفات، فإذا وقع خلاف مع طرف معين فيكون على صعيد الملف وليس على صعيد العلاقة بحد ذاتها.
وجدّد باسيل في الخلوة مجموعة أولويات، أو برنامج عمل، بدءاً بإدراج موضوع النزوح السوري في لبنان الوزاري، كاشفا عن تشكيل لجان، منها اللجنة السياسية برئاسته، ولجنة اللامركزية والإدارية برئاسة النائب آلان عون، ولجنة الاستراتيجية الدفاعية عهدت إلى النائب العميد شامل روكز، ولجنة الإدارة والإصلاح الإداري لميشال معوض، ولجنة المال والاقتصاد برئاسة إبراهيم كنعان، ولجنة مكافحة الفساد سيتولى رئاستها زياد أسود، بعد ان تمّ تأمين الغطاء السياسي اللازم لهذه المهمة، وعهدت إلى النائب هاغوب بقردونيان متابعة الملف الديبلوماسي والانتشار على ان تكون اللجنة برئاسة باسيل. فيما توزع نواب التكتل الآخرين على 18 ملفاً، أهمها الطاقة لسيزار أبي خليل، والتربية لالياس بوصعب، والصحة لماريو عون، والاشغال لحكمت ديب والسياحة لادي معلوف.
مفاوضات الحدود
وعلى صعيد آخر، كشف الرئيس برّي ان لبنان الرسمي تلقى عرضا اسرائيليا وصله عبر موفد أميركي بشأن ترسيم الحدود برا وبحرا ومن ضمنها مزارع شبعا، وهذا ما يفسّر أسباب لقاء الرؤساء الثلاثة في بعبدا أمس الأوّل.
وفيما لم يشأ برّي الكشف عن طبيعة العرض الإسرائيلي، ذكرت معلومات ان المفاوضات الجارية في شأن الحدود الجنوبية بواسطة أميركية وعبر الأمم المتحدة (اليونيفل) حققت تقدماً بالنسبة للنقاط الحدودية المتنازع عليها، وعددها 13 نقطة، وان التقدم حصل في ثماني نقاط، باستثناء نقطتين، احداهما تتعلق بمحور العديسة التي لا تزال صعبة، بحسب تعبير المصادر، التي كشفت عن اتجاه لبناني رسمي عن ان أي تقدّم يحصل في البر يجب ان ينسحب على البحر.
وتزامنت هذه المعلومات، مع ما كشفه وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شينتز من ان افكارا جديدة طرحت عبر قناة سرية أميركية للوساطة في النزاع البحري بين إسرائيل ولبنان بشأن التنقيب عن النفط والغاز، معتبرا انها تُعزّز احتمال التوصّل إلى اتفاق جزئي هذا العام.