افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم السبت 9 شباط، 2019

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس، 7 نيسان، 2016
بمناسبة عيد العمال، عطلة الصحف اللبنانية، اليوم الثلاثاء 2 أيار 2017
إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس، 21 كانون الأول، 2017

أحرق جورج زريق نفسه. غابة مرابي المصارف المتوحشين سَابَها. أنار بجسده عتمتها. الجمهورية صارت غابة فظيعة. متاهة. أحرق جورج بجسده "المبدأ الإجتماعي" الفاسد للجمهورية. ظلمة التوحش الرأسمالي الطائفي سدت عليه باب الحياة. فخرج من باب النور. حتى يرى المواطنون وجه النظام ـ الوحش الذي يحكمنا. كل يوم تُسَمِّك الرأسمالية اللبنانية أسمال الدين عليها. جورج شلَّحها. خلع عنها كل هذه الأسمال البالية. الحقيرة. عرَّاها. كلها. المسيحي والمسلم والـ"بلا دين". أقفل الجلاد باب الرحمة بوجهه، فخرج عليه جورج من باب التمرد. فتح باب الروح. خرج جورج على المرابين، بمعنى ثار. هذا فعلٌ كريم. خرج جورج على إفساد الدستور. على الذين اتخذوا "الإقتصاد الحر" مبدأً اجتماعياً للجمهورية يسمو على جلال الله وعلى كرامة الأنسان. إنها ثورة فرد. رحمه الله وجعله مع الشهداء. 
جورج زريق... الاحتجاج الأخير
اللواء
تصاعد الحملة الأميركية على حزب الله عشِيّة الإنتقال من الثقة إلى الملفات المعقّدة
تجمُّع مدني أمام وزارة التربية الإثنين تضامناً مع أسرة زريق.. والمرعبي يرفض تسليم وزارة النازحين

يحتفل لبنان بعيد مار مارون، بمشاركة رئاسية في الجميزة، يغادر على اثرها الرئيس سعد الحريري إلى الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في «قمة الحكومات العالمية» على ان يلتقي ولي عهد دولة الإمارات الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان إيذاناً بإطلاق حركة باتجاه العواصم العربية والدولية، مقابل حركة إقليمية – دولية – عربية بإتجاه لبنان مع إطلاق حكومته، وعشية نيلها الثقة، إذ يصل الاثنين كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف، كل على حدى، لنقل التهاني بتأليف الحكومة، ورؤية سلم الأولويات في الشق المتعلق بالملفات الإقليمية والداخلية.
ويستقبل الرؤساء الثلاثة أبو الغيط، وظريف كل على حدة، في إطار مهمة كل منهما في بيروت.
وعلمت «اللواء» ان الرئيس الحريري سيستقبل ظريف في السراي الكبير.
حزب الله وفنزويلا
وبالتزامن، شملت الولايات المتحدة الأميركية إيران وحزب الله في حملتها على الرئيس الفنزويلي نيقولاس مادورو الذي وصفه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو «بالشرير»، متهماً حزب الله (أي بومبيو) بأن لديه «خلايا ناشطة» في فنزويلا، وفي جميع أنحاء أميركا الجنوبية.
بدوره، سارع مادورو إلى نفي وجود أي علاقات لسلطات بلاده مع «حزب الله»، مشددا على ان فنزويلا قادرة على الدفاع عن نفسها بقواتها.
وقال مادورو، ردا على سؤال من صحفي عقب كلمة ألقاها اليوم الجمعة حول التطورات الجارية في بلاده: «لا علاقة تربطنا بحزب الله، لكن فنزويلا تستضيف كثيرا من اللبنانيين الذين يقيمون هنا».
وأضاف مادورو: «ان فنزويلا قادرة على حماية نفسها بذاتها، وهي لا تحتاج إلى أي مجموعات مسلحة للدفاع عنها».
وتأتي الحملة عشية نيل الثقة الأربعاء المقبل، وانصراف الحكومة، بعد ذلك إلى العمل، لمعالجة الملفات المعقدة، سواء التي تتعلق بالفساد، ودور مؤسسات الرقابة، لا سيما التفتيش المركزي، في ظل «نزاعات» طائفية على المراكز في الوزارات والإدارات، من الزراعة إلى الطاقة وصولاً إلى الجامعة اللبنانية، أو الملفات التي تتعلق بدراسة قبل مجلس الوزراء، أو إعادة النظر بالتلزيم بالتراضي، عبر تشريعات قانونية جديدة، كما يطالب حزب الله.
استراحة بين محطتين
وبين الاستراحة السريعة لحكومة «الى العمل» ما بين محطة إقرار البيان الوزاري، وانطلاق جلسات الثقة النيابية في البرلمان يومي الثلاثاء والاربعاء، حيث يتوقع ان تنال ثقة قياسية تتجاوز المائة صوت، تطل الدولة اللبنانية بأركانها الثلاثة اليوم على اللبنانيين من كنيسة مار مارون لمناسبة عيد شفيعه، في مشهد يفترض ان يُعيد ما فقدته من ثقة شعبية وربما دولية وإقليمية، نتيجة التجاذبات السياسية التي رافقت مفاوضات تشكيل الحكومة، وكادت ان تُهدّد البلاد بانهيارات مالية واقتصادية.
وفيما باشرت الأمانة العامة لمجلس النواب توزيع نسخ من البيان الوزاري للحكومة على النواب، بواسطة البريد، أو عبر «الايميل» لتعويض يومي العطلة الرسمية اليوم وغداً، بحسب النظام الداخلي الذي يفرض ان يكون البيان في عهدة النواب قبل 48 ساعة من موعد جلسة التلاوة، ومن ثم مناقشته، توقعت مصادر نيابية ان تكون الثقة قياسية، وان تكون غير مسبوقة، حيث لن يحجبها أكثر من 8 نواب، في حال تمّ احتساب نواب كتلة الحزب السوري القومي الاجتماعي الثلاثة: أسعد حردان، سليم سعادة والبير منصور، إضافة إلى نواب حزب الكتائب الثلاثة: سامي الجميل، نديم الجميل والياس حنكش مع النائبين بولا يعقوبيان واسامة سعد.
لكن مصدراً قيادياً في الحزب القومي أبلغ «اللواء» ان الحزب لم يأخذ القرار بعد في شأن إعطاء الثقة أو حجبها أو حتى الامتناع عن التصويت، على الرغم من عتبه على عدم تمثيله في الحكومة، وهو الحزب اللبناني العريق الذي ينتشر على مساحة الوطن، إلا انه في الوقت نفسه يأخذ بالاعتبار انه طرف في منظومة سياسية هي فريق 8 آذار ولديه حلفاء ممثلين في الحكومة لا يجوز تجاهلهم.
تجدر الإشارة إلى ان حكومة الرئيس الحريري الأولى في عهد الرئيس ميشال عون والتي تشكّلت في العام 2016 فازت بـ87 صوتاً من أصل 92 نائبا حضروا الجلسة يومذاك في حين حجب الثقة 4 نواب وامتنع واحد.
حقيبة شؤون النازحين
وفي انتظار جلسات مناقشة البيان الوزاري وما قد يتخللها من «سوق عكاظ» نيابي، تفاعلت مسألة امتناع الوزير السابق لشؤون النازحين السوريين معين المرعبي عن تسليم الوزارة إلى خلفه الوزير الجديد صالح الغريب، لأنه «لا يسمح لنفسه القيام بتسليم الوزارة لممثل النظام السوري في هذه الحكومة»، على حدّ ما أوضح لـ«اللواء» أمس، الأمر الذي استتبع ردان من الحزب الديموقراطي اللبناني، الذي ينتمي إليه الوزير الغريب، ومن حزب «التوحيد العربي» الذي اسسه الوزير السابق وئام وهّاب، اجتمعا على القول بأنه لا يشرفهما ان نستلم هذه الوزارة الإنسانية في الدرجة الأولى من وزير أصبح عنواناً «للتوطين والتآمر على النازحين ولبنان، ووزير سابق هاجم باستمرار الجيش اللبناني، الا ان بيان «الديموقراطي» لاحظ انه لا يوجد نص في الدستور يوجب اجراء عملية التسلم والتسليم في الوزارات.
ولفت الانتباه، في هذا السياق، ان كتلة «ضمانة الجبل» التي يرأسها النائب طلال أرسلان جمعت أمس في اجتماعها الدوري في خلدة وزيرين هما وزير المهجرين غسّان عطاالله إلى جانب الوزير الغريب، وهو ما يفسّر جانباً من «غضب» رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط على إعطاء خصمه أرسلان وزيرين بمساواة الوزيرين اللذين اعطيا للحزب الاشتراكي.
ولم يخف المرعبي في حديثه لـ «اللواء» عتبه على الرئيس الحريري لتسليمه وزارة النازحين إلى فريق محسوب على النظام السوري، مشيرا إلى انه كان بالإمكان إعطاء الوزير الغريب أي وزارة أخرى، معرباً عن خشيته من ممارسات ملتبسة تجاه النازحين بعدما سلم الملف إلى مقرّب من النظام الذي قام بقتلهم وتهجيرهم. (التفاصيل ص3)
ظريف في بيروت غداً
تزامناً مع هذه المسألة الخلافية التي تعكس انقساماً بين اللبنانيين، ما زال يتكرس يومياً بينهم منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، الذي يحتفل بذكرى استشهاده يوم الخميس المقبل، يفترض ان يواجه لبنان استحقاقاً يتمثل بزيارة وزير الخارجية الإيرانية محمّد جواد ظريف إلى بيروت غداً الأحد وتستمر حتى يوم الاثنين، حيث من المقرّر ان يلتقي الرئيسين عون ونبيه برّي بالإضافة إلى نظيره جبران باسيل، من دون ان يلتقي رئيس الحكومة سعد الحريري الذي سيصادف وجوده في دولة الإمارات العربية المتحدة للمشاركة في القمة العالمية للحكومات في دبي والتي يتوجه إليها اليوم.
وفيما لاحظت مصادر دبلوماسية ان زيارة ظريف كانت مقررة اصلاً قبل ولادة الحكومة، وان الهدف منها شرح موقف المحور الذي تقوده بلاده من الصراع مع الولايات المتحدة الأميركية، وابلاغ المسؤولين اللبنانيين بأن أي هجوم أميركي على المواقع الإيرانية سيرد عليه بعنف، فإن هذه المصادر لا تستبعد ان يتطرق المسؤول الإيراني إلى العرض الذي سبق ان قدمه قبل أيام الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، بمساعدة الجيش اللبناني بمنظومة دفاع جوي إيراني، والذي اثار بدوره خلافاً لم يتسن له ان يأخذ ضجة، لاعتبارات تتصل بالعلاقة بين الحزب و«التيار الوطني الحر» بعد تسلمه حقيبة الدفاع بشخص الوزير الياس بو صعب الذي تجنّب التعليق على العرض رغم كونه المسؤول عن هذا الملف.
إلا ان الرئيس السابق ميشال سليمان ورداً على السيّد نصر الله بأن إيران عرضت على لبنان تسليح الجيش في عهده، «نفى ان يكون قد قدم له عرض جدي في هذا الشأن»، مؤكداً انه إذا كانت إيران تريد تسليح الجيش، فحرّي بها ان تطلب من حزب الله إعطاء سلاحه إلى الجيش، فنحل بذلك المشكلة، ويكون في مقدور الجيش الرد على إسرائيل عندما تعتدي عليه.
.. وأبو الغيط الإثنين
وفي تقدير المصادر الدبلوماسية، ان زيارة ظريف والتي تحمل الكثير من الدلالات السياسية، في ظل شد الحبال الإقليمي بين المحورين الأميركي والإيراني، وجاءت بمثابة ردّ على جولة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في المنطقة، ومن ضمنها زيارة مساعده لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل إلى بيروت، تختلف عن زيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، التي تقتصر على تقديم التهاني بالحكومة الجديدة، وتسليم رئيس الجمهورية دعوة لحضور القمة الاورو – المتوسطية، المقررة في 24 و25 شباط الحالي في شرم الشيخ، والتي يغيب عنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لارتباطه بمسائل داخلية، من دون ان تتطرق إلى الملف السوري بسبب الفرملة الأميركية والأوروبية والعربية لإعادة العلاقات مع سوريا إلى سابق عهدها.
وبحسب المعلومات فإن لبنان لم يحسم بعد مشاركته في قمّة شرم الشيخ، ولم يُقرّر مستوى المشاركة فيها، اما بوفد برئاسة الرئيس عون أو وزير الخارجية، وعزت السبب إلى ان وزراء الخارجية الذين اجتمعوا في بروكسل الأسبوع الماضي للبحث في أزمة النزوح السوري وكيفية مساعدة الدول المضيفة ومنها لبنان، لم يتفقوا على مقاربة أزمة النزوح، خصوصاً حول مصطلحي «العودة الآمنة» التي يعتمدها لبنان الرسمي أو «العودة الطوعية» التي يعتمدها المجتمع الدولي.
في سياق متصل، اثار عضو كتلة «المستقبل» النائب بكر الحجيري، ما وصفه بـ«استباحة الجيش السوري لبلدة الطفيل الحدودية، كاشفاً عن تحرك ستقوم به الكتلة في اتجاه الحكومة لاصدار موقف رسمي يدين توغل الجيش السوري في البلدة، والمطالبة باستدعاء السفير السوري لابلاغه برفض لبنان لهذا الخرق للسيادة»، معتبراً ان «اي خرق للسيادة سواء اتى من جيش عدو أو صديق هو تعد واعتداء مباشر على البلد».
مؤتمر القضاء
الى ذلك، علمت «اللواء» ان القصر الجمهوري يستضيف قريبا مؤتمر القضاء الذي اشار اليه رئيس الجمهورية مؤخرا لكن موعده لم يحدد بعد.
وافادت مصادر مطلعة على التحضيرات لهذا المؤتمر ان قضاة ومحامين وحقوقيين وخبراء قانونيين وفاعليات مرتبطة بعمل القضاء والعدالة سيشاركون فيه، ويبحث المؤتمر وفق المصادر نفسها في تطوير عمل القضاء والقوانين الخاصة به لترسيخ العدالة وتسهيل العلاقة بين المواطن والدولة وكذلك تطوير قانون العقوبات وتسهيل الاجراءات القضائية ببت الدعاوى.
«بوعزيزي» لبنان
وسط هذه الأجواء، أحدث حادث إحراق المواطن جورج زريق نفسه أمس، احتجاجاً على رفض إدارة ثانوية بكفتين الأرثوذكسية في الكورة اعطاءه افادة مدرسية عن ابنته لتسجيلها في مدرسة أخرى، وتوفي نتيجة الحروق البليغة التي اصيب بها، حالة من الاحتضان الشعبي والسياسي لضحايا الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه المواطن اللبناني، باعتبار ان مأساة زريق الذي وصف بـ«بوعزيزي اللبناني»، نسبة إلى التونسي «بوعزيزي» الذي احرق نفسه احتجاجاً على الوضع المعيشي الذي كان يعيشه، تتلاقى مع مأساة غالبية الآباء الذين باتوا عاجزين عن تأمين حياة كريمة لأبنائهم بسبب الضائقة المعيشية، وينظم تحرك مدني الاثنين أمام وزارة التربية تضامناً مع أسرة زريق.
وبغض النظر عن الملابسات التي رافقت حادث زريق وتحديد المسؤوليات والظروف المعيشية، وصفت بأنها «وصمة عار على جبين الوطن» احيطت بهالة كبيرة من التعليقات والمواقف السياسية أجمعت على ضرورة ان تشكّل حافزاً للحكومة الجديدة لأن تولي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة الأولوية في عملها، بحسب ما جاء في البيان الذي اذاعه وزير التربية اكرم شهيب الذي أوعز بفتح تحقيق لجلاء الملابسات، كاشفاً بأن الوزارة استوعبت هذا العام في المدارس الرسمية آلافاً من التلامذة الذين انتقلوا إليها من التعليم الخاص بسبب صعوبة الظروف المعيشية والاقتصادية. (التفاصيل ص 6)

البناء
تقدُّم في تسويات اليمن وأفغانستان والآلية المالية الأوروبية للمتاجرة مع إيران… ووارسو إلى الفشل 
ظريف في بيروت حاملاً عروض نصرالله… و«إسرائيل» قلقة من المفاجآت والتلميحات 
جورج زريق يحرق نفسه بسبب عجزه عن تعليم أولاده… فهل يفتح ملف دولة الرعاية؟ 

حملت مفاوضات عمان حول تبادل الأسرى في حرب اليمن أول إنجاز بالتوافق على تبادل جثامين ألفين من الذين سقطوا في الحرب، على أن يعود المفاوضون إلى عمان لمواصلة البحث في لوائح الأسرى يوم الثلاثاء، بينما كشفت التصريحات التي أدلى بها الموفد الأميركي الخاص بأفغانستان زلماي خليل زاد عن تقدم كبير في المفاوضات التي تجري مع حركة طالبان وصولاً لتسوية داخلية وانسحاب القوات الأميركية، وهو ما أكدت مصادر باكستانية وروسية أنه يتم بشراكة خماسية روسية صينية باكستانية إيرانية أفغانية، بدأت مع اجتماع لوزراء خارجية الدول المعنية في شهر تشرين الثاني الماضي، وتوّجت بزيارة رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني الجنرال علي شامخاني لكابول وتلاها قيام وفد رسمي من طالبان بزيارة إيران.
بالتوازي حققت إيران الحاضرة في تسويات اليمن وأفغانستان مباشرة وغير مباشرة خطوة إلى الأمام في التفاهم حول الآلية الأوروبية للسداد المالي لقاء التبادل التجاري، عبر عنها السفير الإيراني في موسكو بتبديد الشكوك حول مخاطر انهيار التفاهم مع أوروبا، بقوله إن الآلية الأوروبية تسير في الاتجاه الصحيح وأن إيران راضية عن مسار الأمور نحو التفاهم.
الحضور الإيراني في ملفات تبدو واشنطن في بعضها طرفاً مباشراً كأفغانستان واليمن، وغير مباشر كالآلية الأوروبية، رافقه المزيد من مؤشرات الفشل الأميركي في حشد الحضور في مؤتمر وارسو الذي تريد عبره واشنطن زيادة الضغوط على إيران من جهة، ونفي الحديث عن تفاهمات ضمنية معها من جهة أخرى، فبعد المقاطعة الروسية والصينية والأوروبية والتركية للمؤتمر الذي ينعقد خلال أيام، حاول الأميركيون تحويل المؤتمر مناسبة لشراكة عربية إسرائيلية بوجه إيران عبر توجيه الدعوة للسلطة الفلسطينية للحضور، رغم انقطاع العلاقات الأميركية الفلسطينية منذ نقل السفارة الأميركية لدى كيان الاحتلال إلى القدس. وجاء الرد الفلسطيني برفض المشاركة ورفض أي تمثيل موارب عبر شخصيات فلسطينية مستقلة، ليعيد المؤتمر إلى مأزقه الأصلي وعجزه عن الإقلاع رغم ثقل الضغوط الأميركية لإنجاحه.
إيران وبقوة هذا الحضور تواصل حركتها الإقليمية كدولة عظمى، فيحضر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى بيروت مهنئاً بتشكيل الحكومة الجديدة، وحاملاً الاستعداد الإيراني للمساعدة في تلبية الحاجات اللبنانية في كل المجالات الدفاعية والإنمائية. وهو ما كان موضوع خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وما شكل موضع اهتمام ومتابعة في كيان الاحتلال، بما تخطّى القلق من استجابة لبنانية لدعوة نصرالله لا تبدو في الأفق، والقلق الإسرائيلي كما عبرت عنه بعض التعليقات هو من المفاجآت التي حملتها تلميحات السيد نصرالله، بحديثه عن فرضية امتلاك المقاومة لشبكة دفاع جوي، وفرضية قيام المقاومة باستخدامها وإسقاط طائرة إسرائيلية تقوم بانتهاك الأجواء اللبنانية، واعتبرت التعليقات كلام السيد نصرالله رسماً لمعادلة تقول إما قبول العرض الإيراني لتسليح الجيش، وإلا فللمقاومة عندها الحق بأن تقوم هي بمهمة الدفاع عن السيادة اللبنانية واستعمال شبكة دفاع جوي لديها، قدّمها نصرالله كفرضية سمّاها بالغموض البناء.
في الشأن الداخلي اللبناني هزّ المجتمع والرأي العام والإعلام نبأ إحراق المواطن جورج زريق نفسه في فناء مدرسة أبنائه بعد عجزه عن سداد موجبات تعليمهم، وتعدّدت ردود الفعل على الخبر الصادم، الذي طرح السؤال المحوري مع استعداد الحكومة الجديدة لنيل الثقة، هل تنوي القوى السياسية التي تقود الحكومة رد الاعتبار لمفهوم دولة الرعاية الذي سقط تدريجياً حتى صارت الدولة تاجراً مع مواطنيها بعدما حوّلتهم زبائن، بينما تسود في كل القطاعات التي يمكن أن تجلب تمويلاً للدولة نظرية «الدولة تاجر فاشل». فالدولة تاجر والمواطن زبون في التعليم والصحة، بينما الخصخصة على قدم وساق حيث يمكن للدولة أن تجد مصادر دخلاً لقيامها بواجبات الرعاية لمواطنيها الخاضعين لابتزاز حاجات الحياة الأساسية، المتروكين لمواجهة أقدارهم.
فيما تشخص الأنظار اليوم الى قداس مار مارون في كنيسة مار مارون – الجميزة والذي يترأسه رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر بحضور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي سيتخلله إطلاق مواقف سياسية، فإن الأنظار تشخص أيضاً الى الزيارات العربية والإقليمية الى لبنان مطلع الأسبوع المقبل، والتي تأتي تهنئة بتأليف الحكومة التي ستنال الثقة الأسبوع المقبل خلال الجلسة التي دعا اليها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء.
ويزور وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبنان يوم غد كأول وزير خارجية يزور لبنان بعد تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وسوف يعقد يوم الاثنين اجتماعات عدة مع المسؤولين اللبنانيين.
وأكدت مصادر مطلعة لـ»البناء» أن ظريف سيعرض مجدداً على المسؤولين اللبنانيين دعم الجيش اللبناني، ومساعدته بمنظومة دفاع جوي إيراني، فضلاً عن المساعدات في المجال الصحي لجهة الادوية وتجهيزات المستشفيات. ولفتت المصادر الى ان لقاءات الوزير ظريف ستشمل الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والوزير جبران باسيل إلا أنه لن يلتقي الرئيس سعد الحريري لمصادفة الزيارة مع زيارة الحريري الى الإمارات.
وقال السفير الإيراني محمد جلال فيروزنيا خلال ندوة ثقافية سياسية في بعلبك لمناسبة الذكرى الأربعين لانتصار الثورة في إيران: «نحن على استعداد للعمل على تنمية العلاقات مع لبنان في كل المجالات، وعلى استعداد لدعم الجيش اللبناني كما ندعم المقاومة، وأن نقارب ملفات الكهرباء والتجارة والصحة والصناعة مع الحكومة الجديدة في لبنان».
من جهة ثانية، أكدت سفيرة الاتحاد الاوروبي كريستينا لاسن أن الشعب اللبناني والمجتمع الدولي يتوقعان الكثير من الحكومة الجديدة التي يتوقف نجاحها على قدرتها في مواجهة التحديات التي تواجه البلاد، وخصوصاً تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية الضرورية التي تم الاتفاق عليها في مؤتمر سيدر، ويمكن لهذه الإصلاحات مع تدابير مكافحة الفساد أن تحدث فرقاً حقيقياً في حياة المواطنين اللبنانيين.
وعلى خط الزيارات العربية، يزور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط بيروت الاثنين المقبل لتقديم التهاني بولادة الحكومة، ويلتقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة سعد الحريري. ويُسلّم أبو الغيظ رئيس الجمهورية خلال زيارته دعوةً لحضور القمة الأورو – المتوسطية المقررة في 24 و25 الجاري في مصر، كما سيتطرّق اللقاء الى القمة العربية الدورية المقررة في تونس نهاية آذار المقبل والاتصالات الجارية من أجل إعادة سورية الى الجامعة العربية.
أما على خط ملف النازحين السوريين، أكدت مصادر وزارية لـ»البناء» أن إعادة التنسيق مع سورية اصبح إلزامياً لا سيما في ما خص أزمة النازحين التي تعتبر أزمة وطنية ومعالجتها تصب في مصلحة لبنان، مشيرة الى أن العمل سيكون انطلاقاً من الرؤية اللبنانية القائمة على العودة الآمنة غير القسرية للنازحين، ومن المبادرة الروسية التي تركز بشكل جدي على العمل داخل سورية لتامين الحد الأدنى من متطلبات العودة المتعلقة بالمسكن والمستشفيات والمدارس. ولفتت المصادر الى ان حل هذا الملف لا يمكن ان يحصل من دون الحديث المباشر مع سورية. وشدّدت المصادر على ان الرئيس ميشال عون يولي هذا الملف أهمية كبرى ويضعه في سلم اولوياته بالتوازي مع الاهتمام بالوضع الاقتصادي والمالي، مشيرة إلى أن مسار الحكومة إيجابي وكل المواضيع سوف تشكل تحدياً للحكومة. واعتقدت المصادر ان الرئيس سعد الحريري سوف يتجه بعد نيل الحكومة الثقة الى العمل على هذا الملف وفق المبادرة الروسية التي دفع الى ضمّها في البيان الوزاري.
واعتبر النائب طلال ارسلان ان ملف النازحين هو ملف وطني بامتياز وملف كياني بامتياز، وهو من أول اهتمامات الرئيس ميشال عون التي عبر عنها في الحكومة السابقة والحالية، لافتاً الى أن وجود الوزير صالح الغريب على رأس هذه المهمة يعطيهم أملاً جدياً وحافزاً كبيراً برعاية رئيس الجمهورية طبعاً وتكتل لبنان القوي وكتلة ضمانة الجبل سينجزان هذا الملف بشكل كبير وسيستطيعان إخراجه من التجاذب السياسي المحلي، لكونه ملفاً يخص كل الناس ولا يعني فئة من اللبنانيين دون أخرى أو حزب دون الآخر.
ويعول التيار الوطني الحر آمالاً كبيرة على الحكومة الجديدة، وبحسب مصادر وزارية في تكتل لبنان القوي لـ»البناء»، فإن مجلس الوزراء سوف ينكبّ على عقد اجتماعات متواصلة ومتتالية بعد نيل الثقة، من أجل الدفع بالملفات العالقة والتي تهم المواطن والمتصلة بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي نحو الإقرار، وأملت المصادر أن يجتمع فرقاء الحكومة معنا لحل أزمة النازحين وإنهائها خلال هذه الحكومة بعيداً عن الحسابات السياسية.

الأخبار
لبنان يفرّط بأراضي «التحفّظ»!
جورج زريق… الهارب من الجحيم

قبل نحو شهر، مُنع الجيش اللبناني من التحرك لمنع العدو الإسرائيلي من احتلال أراضٍ لبنانية «متحفظ عليها» في منطقة العديسة الجنوبية. قضم العدو ما يوازي 144 دونماً من أراضٍ يملكها لبنانيون، والدولة في غفوة متعمّدة، فرضتها التهديدات الأميركية. العدو عاود في الأيام الماضية استكمال قضمه للأراضي في بقعة «الطيارة»، و«لا حياء لمن تنادي» (مقال فراس الشوفي)…
عاجزاً، يقف الجدار الإسمنتي قرب مستوطنة المطلّة في شمال فلسطين المحتلّة، عن حجب الرؤية. هنا من كفركلا، تبدو قمم جبل الشيخ البيضاء متصّلة بالسماء، وتحتها السفوح الغربية للجولان السوري المحتل، تشكّل امتداداً طبيعياً للجنوب اللبناني، والشمال الفلسطيني، بالحقول المخضرّة وغابات الصنوبر والشربين المتناثرة على جانبي الحدود المصطنعة. وحده جدار الموت الإسمنتي، المجبول بالرعب والانعزالية والعنصرية، يحاول أن يحول بين الحياة والحياة، أن يوقف تدفّق العشب والهواء والشمس.
من خلف الساتر الترابي، في فجوة بنحو مئة متر في الجدار قرب بوابة فاطمة في كفركلا، يطلّ مصوّر جيش العدو مسترقاً النظر، مستطلعاً زوار الصباح. القناع الأسود يغطّي وجهه، وفي يده اليمنى كاميرا، لكنّه سرعان ما يختفي، مفضّلاً أن يتنازل عن الصورة خشية تصويره. في هذه البقعة، «نقطة تحفّظ» (يوجد 13 نقطة تحفّظ على الحدود اللبنانية – الفلسطينية هي الفارق بين الخطّ الأزرق وخطّ الهدنة، يعتبرها لبنان أراضي لبنانية محتلة) بعمق 7 أمتار خلف الخطّ الأزرق، بحسب اتفاقية «ترسيم الحدود النهائي» بين لبنان وفلسطين، التي وقّعها المقدّم بوليه (N. PAULET) ممثّل الاحتلال الفرنسي، والمقدّم نيوكومب (S.F.NEW COMB) ممثل الاحتلال البريطاني في العام 1923 (راجع «الأخبار»، 15 شباط 2018).
صباح الخميس الماضي، استكمل العدوّ أعمال الجرف والحفر تمهيداً لإكمال بناء الجدار، إلّا أن أكثر من مصدر معني بالحدود هنا، يؤكّد أن العدوّ أوقف الأعمال تمهيداً للالتفاف على «التحفظّ»، واستكمال عمليات البناء خلف الأمتار اللبنانية السبعة. بالتوازي، بدأ العدو في وادي هونين مقابل بلدة مركبا، قبل أيام، باستحداث شيارات صخرية في محاذاة «الطريق العسكرية»، وافتتح ورشة هندسة في منطقة الرميش قرب الخط الأزرق.
على يمين الطريق في كفركلا، تقف دورية للجيش اللبناني وعلى بعد مئة متر دورية لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل). ما إن يحاول الزّوار الوقوف على الحافة الإسمنتية الضيقة قرب السياج الشائك، حتى يسارع الجنود إليهم، «لا تجتازوا الحافة الإسمنتية… العدو قد يرسل وثيقة فوراً للإبلاغ عن خرق للخطّ الأزرق»! ومع ذلك، يروح ويجيء جنود العدو وآلياتهم وموظفو شركة التعهدات التي تبني الجدار داخل أراضي «التحفّظ».
صعوداً نحو عديسة، يظهر عاملان في رافعة وهما يضيفان فوق الإسمنت عوائق حديدية مشبّكة. وعلى ضخامة الأعمدة الإسمنتية عن قرب، تظهر صغيرة ما إن تنحرف السيارة صعوداً نحو تلّة قليلة الارتفاع تطلّ على كامل البقعة. وتبدو أمامها الخيمة التي نصبها جيش الاحتلال فوق فوهة ما ادعى أنه نفق، وقام بإغراقه بحمولة 400 جبّالة من الإسمنت السائل، على مرمى حجر، حرفياً… تماماً كما كان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو حين أتى ليستعرض إنجازاته الوهميّة، وحين حجّ قائد القيادة الوسطى في الجيش الأميركي جوزف فوتيل قبل نحو عشرة أيام في زيارة للكيان ليسمع «مظلومية» العدو ويتعاطف معها، فوراً بعد زيارته بيروت.
هنا يفهم الزائر جيّداً، كيف أن هذه الجدران عديمة الجدوى أمام الجغرافيا، وأن واضعيها، وهم يخنقون كيانهم بالجدران العازلة، يبيعون وهماً لمستوطني الشمال بأن هذه الإجراءات ستحميهم، إذا ما قررت المقاومة فعلاً تنفيذ تهديداتها بالوصول إلى الجليل. «هوّنوا علينا القفز فوق الجدار، حبال الرابيل (القفز) تعلق أكثر على الحديد منها على الباطون»، يعلّق «الدليل» ساخراً، وهو أحد أبناء المنطقة. المفارقة، أن هذا القروّي وغيره من السكّان الذين يتابعون حياتهم اليومية بطمأنينة، يحفظون عن ظهر قلب ضبّاط العدو الذين يتنقّلون على المقلب الآخر من الحدود، وجوهاً وأسماء وقطعات ومهام، كما يحفظون سيارات العمال ومسؤولي الورشة وأوقات العمل، ويملكون التفسير الدقيق، لأي تحرّك للعدو، مدنياً كان أم عسكرياً.
خرق عديسة… والصمت المطبق!
صعوداً من خلف حاجز الجيش اللبناني الذي شهد «معركة الشجرة» في عديسة عام 2010، تُوصل الطريق إلى منطقة «الخرق الأكبر»، والنقطتين B79-B86 و BP37-B86، المطلة على مستعمرة «مسكافعام». ما إن تلاحظ دورية القوات الدولية، حركة ما، حتى تستنفر وتبدأ اتصالاتها لاستطلاع هويّة الزوّار. في الأيام الأخيرة، استكمل العدو ضم الجزء الأكبر من منطقة «التحفّظ» في عديسة إلى داخل الجدار. من على الطريق العام، تظهر عشرات أشجار الصنوبر البري اللبنانية خلف الجدار، في مساحة 144886 متراً مربعاً، من الأراضي اللبنانية التي يملك أهلها من أبناء القرى أوراق «طابو» تثبت ملكيتهم لها. ولعلّ هذه البقعة، هي الأكثر أهمية واستراتيجية من ضمن نقاط التحفّظ الـ 13، إضافة إلى نقطة رأس الناقورة، التي تعرف بـ B1-BP1، ومساحتها 3341 متراً، عدا عن ثلاث نقاط تحفّظ «شعبية» في ميس الجبل وبليدا وعيترون، يرفض أهلها الاعتراف بالخطّ الأزرق فيها لملكيتهم هذه الأراضي الزراعية، وهم يزورونها اليوم بالتنسيق بين الجيش والأمم المتحدة.
في 10 كانون الثاني الماضي، «جسّ» العدو نبض الدولة اللبنانية، بتحريك جرافة في هذه البقعة (عديسة – مسكافعام) المعروفة لبنانياً بـ«تلة المحافر»، فكان ردّ الجيش اللبناني سريعاً، بنشر جنوده وآلياته. وفي مقابل دبابات العدوّ، نشر الجيش مجموعة من الصواريخ المضادة للدروع، بعضها ظاهر وبعضها مخفي عن عيون العدو. وبعد أن بدأت الاتصالات وحضرت عناصر القوات الدولية وضبّاط الارتباط الفرنسيون والإيطاليون، توقّف العدو عن تحريك الآليات. لكنّ المفارقة، أن العدو عاد للعمل بعد ساعات، ولم يعر اهتماماً لمجلس الدفاع الأعلى الذي انعقد مساء ذلك الخميس، واتخذ فيه قرار منع الجيش اللبناني من التحرّك منفرداً، إلّا بأمر من المستوى الأعلى في السلطة اللبنانية. في اليوم التالي، أي يوم الجمعة 11 كانون الثاني، وصلت التعليمات إلى قطعات الجيش على الحدود بعدم التحرّك إلّا بناء على الأوامر، بالتوازي مع شروع العدو بأعمال البناء على نطاق واسع.
وبحسب المعلومات، وضع العدوّ حتى الآن 480 «T» إسمنتية، أي ما يعادل 720 متراً من الباطون، قاضماً مساحةً ضخمة من الأراضي اللبنانية، وهو عاد قبل أربعة أيام للعمل مجدداً على قضم أراضٍ جديدة في البقعة نفسها، المسماة لبنانياً منطقة «الطيارة» من دون أن يحرّك أحد في الدولة اللبنانية ساكناً، وعلى مرأى ومسمع من القوات الدولية.
التهديد الأميركي وخسارة أوراق القوّة
لم يوفّر أي مسؤول أميركي زار لبنان خلال العام الماضي، فرصة إلا ومارس فيها الضغط على الدولة اللبنانية بهدف فصل ملفّ الصراع «الحدودي» في البر عن الصراع «الحدودي» على البحر. أراد هؤلاء انتزاع أوراق القوّة في البرّ من يد الدولة، مثل نقطة عديسة، تمهيداً للبدء بانتزاع أوراق القوّة في البحر، مثل نقطة رأس الناقورة التي تؤثّر تأثيراً مباشراً في حصّة لبنان من المنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر، وتالياً حصة لبنان من النفط والغاز في الحقول الجنوبية المشتركة مع فلسطين المحتلة. من محاولات «الوسيط» الأميركي السابق فريديريك هوف، إلى زيارة وزير الخارجية الأميركي السابق ريكس تيلرسون إلى بيروت العام الماضي وقبلها نائبه ديفيد ساترفليد، وبعدهما نائب وزير الخارجية الحالي ديفيد هيل، يكرّر الأميركيون مطالباتهم بفصل ملفات الحدود البحرية عن البريّة. ومع أن اللبنانيين خرجوا بموقف موحّد، وهو رفض هذا الفصل أمام الموفدين الأميركيين، إلّا أن ذلك لا يخفي الانقسام اللبناني الضمني. إذ يعتبر رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، أن فصل الملفين عملاً بالطلب الأميركي، هو ما يحمي حقوق لبنان وأن البديل عن المواجهة هو لجوء لبنان إلى التحكيم الدولي عملاً بقانون البحار، وكأن قرارات «منظمات العدالة الدولية» أتت يوماً بنتيجة أو أعادت حقوقاً للبنان أو فلسطين، في مواجهة الدعم الأميركي المطلق لإسرائيل. فيما يتمسك الرئيس نبيه بري وحزب الله بضرورة ربط الملفين، واستخدام أوراق القوّة في البرّ للحفاظ على الحقوق في البحر. ومن هذه الأوراق، مسألة بقعة عديسة، التي يصرّ العدو الإسرائيلي على الحصول عليها بهدف حماية مستعمرة «مسكافعام»، وكان قد عرض في السابق التنازل عن هذه البقعة المرتفعة مقابل إعطاء لبنان بقعة منخفضة قريبة، وقوبل طلبه بالرفض.
وليس خافياً أن التهديدات الأميركية، ومعها الضغوط الفرنسية والبريطانية، تعاظمت في المرحلة الأخيرة، مع تأكيد تلك الدول بأن العناد لن ينفع لبنان برفضه فصل الملفين، وأن إسرائيل ستعمل على ضمّ بقعة عديسة بالقوة، وهو ما أبلغه ضبّاط العدو للجيش اللبناني خلال اجتماعات اللجنة الثلاثية في الناقورة بتاريخ 11 كانون الثاني الماضي.
أي استراتيجية مواجهة؟
أمام تحوّل احتلال العدو لبقعة «التحفّظ» في عديسة إلى أمر واقع، لا بدّ من طرح مجموعة من الأسئلة، تتعمّد السلطة السياسية عدم الإجابة عنها، أو إهمالها، في الوقت الذي لا يملك القادة العسكريون الأجوبة عليها، خصوصاً بعد أن مُنع الجيش من القيام بواجبه والوقوف بوجه العدو، كما حصل في ميس الجبل قبل نحو شهرين وقبلها في الناقورة.
أوّلاً، لماذا أعطيت أوامر مغايرة للجيش خلافاً للمرات السابقة التي ترك فيها له حريّة التصرّف بما يراه مناسباً لمنع العدو من الخرق البري؟ فإذا كان منع الخروقات الجوية اليومية صعباً بسبب عدم امتلاك الأسلحة المضادة للطائرات، ما الذي يمنع الجيش من منع العدو عن القيام بالخروقات البريّة، وهو يملك الحد الأدنى من السلاح المطلوب للاشتباك الأوّلي، وفي ظلّ وقوف المقاومة بقوتها البرية الكبيرة على كامل الحدود خلفه، وخشية العدو الإسرائيلي من الانزلاق إلى الحرب الواسعة؟
ثانياً، إذا استمر العدوّ بقضم الأراضي، وهو مستمر، ما الذي يعوّض لبنان عن نقاط القوّة في البرّ وما الذي يمنع العدو من استخدام الاستراتيجية نفسها في البحر؟ ثمّ من لم يستطع منع العدو من وضع الجدار الاسمنتي في الأراضي المحتلة، كيف سيجبره مستقبلاً على نزعها؟ أم ستتحول تلك الأراضي إلى مزارع شبعا محتلة جديدة وقرية الغجر محتلة جديدة؟
ثالثاً، ما هي خلفيات عدم الرّد؟ وما هو حجم التهديدات الأميركية؟ ما هي استراتيجية المواجهة المقبلة؟ وما هو تبرير دعاة فصل البحر عن البرّ وسط كل هذه العنجهية الإسرائيلية والتآمر الأميركي؟
رابعاً، كيف يجيب دعاة نزع سلاح المقاومة على أسئلة اللبنانيين، والمواطنين الجنوبيين تحديداً، طالما أن السلطة السياسية تمنع الجيش اللبناني من القيام بمهامه خضوعاً للضغوط الأميركية؟ وكيف يمكن للمواطنين الثقة بقدرة الدولة على حمايتهم وهم يرون العدو ينتزع أراضيهم من دون أي مقاومة؟ وكيف يمكن الركون مستقبلاً، للقبول بخضوع المقاومة لقرار الدولة اللبنانية الرسمي في أي استراتيجية دفاعية مقبلة، طالما أن الدولة تتجاوب مع الضغوط الدولية ولو على حساب حقوقها وسيادتها؟
جورج زريق… الاحتجاج الأخير
قتل نفسه لأنه ما عاد يحتمل الذلّ. ربّما لاحتمله لو كان له وحده، لكن أن يصل الذلّ إلى أولاده، فهنا اشتعل. مَن ابتزّه بمستقبل أولاده، مراراً، ليس مجرّد مدير مدرسة طالبه بأقساط متأخّرة. إنّها منظومة معيشيّة كانت تسوّر حياته، نعرفها جيّداً، وهي نفسها، بعناوين شتّى، ما زالت تسوّر حيوات كثيرين في هذه البلاد (مقال محمد نزال).
فرضاً، وبدل أن يَقتل جورج زريق نفسه، كان قَتَل مدير المدرسة الذي «أذلّه»… هل كان ليتضامن معه أحد؟ هذه ليست دعوة إلى القتل، قطعاً، إنّما إشارة إلى أنّ «الرأي العام» لا يتعاطف معك، هذا إن تعاطف، إلا إذا كنت في موقع «الضحيّة». كان لينقلب «الشهيد» (كما وصفه البعض) شيطاناً أو، في أحسن الأحوال، مجرماً لا بدّ أن يُعاقب. تماماً عندما يموت أحدهم أمام باب مستشفى، لعدم امتلاكه المال، يخرج البكّاؤون للتضامن معه، ولكنّهم، هم أنفسهم أيضاً، كانوا سيخرجون طلباً لتعليق مشنقته لو كان «كسّر» المستشفى. هذه هي المعادلة. لا أمر بين أمرين في هذه المعضلة، إلا اللهم في ممارسة الصمت، جبناً أو يأساً، إنّما في المحصّلة هي هي.
الحكاية مألوفة. وقع جورج في ضائقة ماليّة. يحصل أن يطول أمد هذه الضائقة الشهيرة. يُمكنها من أن تُعمّر لسنوات (أحياناً مدى الحياة). ما عاد بإمكانه أن يُسدد الأقساط المدرسيّة لولديه. ما عاد يحتمل إذلال مدير المدرسة لابنه، على ما تقول العائلة، حيث «صفّه» مرّة خارج الصفّ، مانعاً إيّاه مِن إجراء الامتحان. منسّق اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصّة، يقظان ماضي، ينقل إلينا لغة ذاك المدير، بشارة حبيب، ويضيف: «علمنا أنّ لديه قلّة تهذيب في تعامله مع الطلّاب والأهل». الآباء ربما يُمكنهم أن «يبلعوا» أن يذلّهم أحد، مِن أجل أولادهم، لتجنيبهم ذاك الموقف، ولكن الأمر يختلف عندما يصل الذلّ إلى الأبناء. هنا ينتهي كلّ شيء.
جورج كان يعمل سائق أجرة. بالمناسبة، في بيروت وقبل شهر بالتمام، قَتلَ محمد شراب ولديه وانتحر خلفهما. السبب هو عينه: الفقر. شراب كان يعمل سائق أجرة أيضاً. آنذاك خرج مَن يلعنه لأنّه قتل ولديه. مسألة كانت شائكة. جورج اكتفى بقتل نفسه، ومع ذلك خرج مَن «يجلده» على ذلك، وهكذا. كان نقل ابنه مِن مدرسة «سيّدة بكفتين» (الأرثوذكسيّة) في الكورة، إلى مدرسة «أرخص»، مبقياً ابنته فيها. بعد مطاردة المدير له، في الآونة الأخيرة، قرّر أن ينقل ابنته أيضاً إلى مدرسة رسميّة (حكوميّة). طلب مِن المدير إفادة، إلا أنّ الأخير رفض، مشترطاً عليه تسديد المتأخرات قبل تسليمه الإفادة. هاتفه جورج وأخطره أنّه سيحرق نفسه أمام المدرسة. ربّما لم يصدّقه. فعلها جورج. هو مسيحي، والمدرسة مسيحيّة، وحكاية المدارس المليّة هذه في لبنان، عند مختلف الطوائف والمذاهب، يطول سردها. في لبنان تُفهم هذه وفق الآتي: «حتّى جماعتك ما عادوا يرحموك». جورج هو ابن مدينة الميناء الشمالية، يقيم في راس مسقا، وتلك المدرسة في بلدة بكفتين. كان الأب، بحسب رواية عائلته، عرض على مدير المدرسة أن يعمل لديه كسائق، وهكذا يُسدّد ما عليه.
لم يحصل على ذلك. زوجة جورج أصبحت تعمل في المدرسة، كعاملة تنظيفات، للغاية نفسها، فبادر المدير مرّة إلى خصم أكثر مِن ثلثي راتبها بدل المتأخّرات. راتبها الهزيل الذي يقرب مِن 500 ألف ليرة. باعت خاتماً كانت تحتفظ به، مقابل مبلغ زهيد، ليتمكن ابنها مِن إجراء الامتحان المدرسي. أتراه كان خاتم الزواج؟ هذه تفاصيل تزداد مأساة كلّما أوغلنا فيها أكثر. حاول منسق لجان الأهل، ليلة أمس، أن يتحدّث مع الابن المذهول. هو في سنّ المراهقة. لم يكن يتكلّم «وكأنّه في عالم آخر». سيكبر الابن وسيكبر الأب داخله. هذه أحداث لا تنتهي «في أرضها».
وزير التربية والتعليم الجديد، أكرم شهيب، يقطف اللحظة متعهّداً: «سأتولى متابعة تعليم ولدَي المرحوم جورج زريق وتأمين المنح اللازمة من أجل استكمال تعليمهما». بعض وسائل الإعلام راحت تُهلّل وتطبّل لهذا الإنجاز. شهيب لم يفته، في بيانه، أن يُشير إلى أنّ وزارة التربية «استوعبت خلال العام الحالي في المدارس الرسمية آلاف التلاميذ، الذين انتقلوا إليها من التعليم الخاص، بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية». الوزير، وسلفه، وسائر الوزراء والمسؤولين، هل أولادهم وأحفادهم في المدارس الرسميّة؟ بالتأكيد ليس هناك مَن ينتظر جواباً. حكاية تلك المدارس الرسميّة، التي بعضها كـ«المسالخ» في العُرف السائد بين الناس، باتت مزمنة وقيل فيها كلّ ما يُمكن أن يُقال. بات وضعها عُرفاً سائداً في الثقافة الشعبيّة. لِمَ لا يُسن قانون يفرض على المسؤولين الحكوميين أن يكون أولادهم في تلك المدارس الرسميّة؟ علّ ذلك يؤدي إلى أن يُصلَح حالها، ويُصبح الناس، كلّ الناس، لا يرون أن تسجيل أولادهم فيها بمثابة الجريمة بحق الطفولة. في بلادنا لا يأمن الأهل على أطفالهم، أحياناً، على رغم تسجيلهم في مدارس خاصة، بمبالغ كبيرة، وبالتالي لنا أن نتصوّر كيف يكون «رعب» الأهل تجاه المدارس الحكوميّة. المدرسة التي أحرق جورج جسده أمامها، وبعد الضجّة التي أحدثها الخبر، أصدرت بياناً قالت فيه إنّها كانت «تعاطفت معه بسبب أوضاعه الاقتصادية، وأعفته مِن دفع الأقساط المدرسية، باستثناء رسوم النقليات والقرطاسية والنشاطات اللاصفيّة». طبعاً تضمن البيان تعييباً لأي كلام غير ذلك. هكذا، علينا أن نفهم أن جورج، ومِن شدّة فرحه بإعفائه مِن دفع الأقساط، قرّر أن ينتحر وبتلك الطريقة الملحميّة.
قبل نحو ثلاث سنوات، نزل أمين زين الدين مِن سيارته، التي «يعمل عليها» كسائق أجرة، وأشعل النار في جسده. حصل ذلك في بيروت. كان يحتج على محضر ضبط حرّره بحقه شرطي مرور. تفحّم جسده، لكنّه لم يمت. نجا. قال يومها: «أعمل لكي أوفّر لقمة عيش لأولادي». قبله فعلها الشاب عبد الرحمن الجويدي في صيدا. نجا أيضاً. فعلها احتجاجاً «لأننا تعبنا من البلد ومن كلّ شيء. لا كهرباء ولا ماء ولا شغل ولا شي». أما جورج فقد مات. وصل باحتجاجه إلى الحدّ الأقصى والأقسى. هناك مَن لديه ترف البحث في توصيف فعلته، أي إن كانت شجاعة أو جبناً، وهي في الواقع تُلخّص بكلمتين: احتجاج أخير. قديماً قال أسلافنا: «الوجع ما بيوجع إلا صاحبه». باختصار، فعلة جورج هي احتجاج على كلّ المنظومة التي كانت تسوّر حياته. احتجاج، ربّما يلمس الأحياء مِن بعده أثره، إلا أنّه هو الوحيد الذي لن يرى النتيجة… إلا اللهم إن كان يُراقب مِن بعيد، مِن مكان ما، مِن عالم اقتنع أنه، وفي أسوأ الأحوال، لن يكون أكثر جحيميّة مِما كان فيه.
«لفعل شيء ما»
يبدو أن اتحاد لجان الأهل في المدارس الخاصة، إثر ما جرى على جورج زريق، قرّر أن ينظّم تحركاً احتجاجيّاً «حتى لا يضيع دمه هدراً». بالنسبة إلى منسّق الاتحاد، يقظان ماضي، ما حصل «ليس عابراً، نُريد أن نتحرّك لكي لا يكون هناك أكثر مِن جورج زريق. يوم الإثنين المقبل سندعو إلى اعتصام، وسنقف أمام عائلة جورج، لا بدّ لنا مِن فعل شيء». كثيرون أمس، بعدما شاع الخبر، شعروا أنّ عليهم فعل شيء. أحد المواطنين نزل منفرداً، يحمل العلم اللبناني، واعتصم أمام مبنى وزارة التربيّة. قال إنّه سينام هناك إن لم ينجح في الحديث مع الوزير. تواصل معه هاتفيّاً، وقال له: «أنا لا أعرف جورج، وعليكم أن تتكفلوا بأولاده، لن أترك قضيته». مواطن آخر، وفي وقت لاحق، قصد الوزارة وكتب على أحد جدرانها «جورج شهيد». أوقفته القوى الأمنيّة. البعض يتوقّع أن ما حصل لجورج يُمكن أن يكون مناسبة لانطلاقة احتجاجيّة واسعة. هذا وارد، ووارد أيضاً أن تكون مجرّد ضجّة لأيّام معدودة، قبل أن يُقدَّم عنوان جديد لضجة أخرى، ثم يبقى كلّ شيء على ما هو عليه.