أحمد أوميت في رواية “باتاسانا” لم يحرر الوعي التركي من عقدة الأرمن والأكراد؟!

”الخروج من الفوضى“ لجيل كيبيل: قراءة لصوصية واختزالية للشرق الأوسط
“متحف عبد الناصر” …
دراما الاستعارات: مكيافللي في ” ابتسم أيها الجنرال”*:

خاص ـ الحقول / تنفرد رواية الكاتب أحمد أوميت “باتاسانا” في أنها تنقسم الى روايتين. لا يمكن القارئ ألاَ يشعر بذلك. في الأولى هناك “الألواح”. وفي الثانية تأتي “الفصول”. يجمعهما معاً إيقاع سردي مزدوج: تاريخي بعيد، وحديث معاصر. إنه إذاً فن الرواية داخل الرواية ولكن في طريقة معلنة أو مباشرة.

ينحصر مسرح الرواية في أعالي الفرات نزولاً إلى بلاد ما بين النهرين. وتحديداً في البقعة المعروفة اليوم باسم الجزيرة. ينقطع الزمن بين “الألواح” التي تنعقد أحداثها في حروب الآشوريين والحثيين، وبين “الفصول” التي تمتد في أيام طويلة لبعثة تنقيب أثرية، تعمل في مدينة عينتاب التركية التي ظلت إحدى ضواحي مدينة حلب حتى عشرينات القرن الماضي.

يبدو أوميت في “باتاسانا” مهموماً بالصراع الدامي الذي يلطخ الذاكرة الإجتماعية لشخوص الرواية المرسومة في “الألواح” و”الفصول”. من مشاهدات “باتاسانا” للمقتلة الأشورية ـ الحثية التي يحكيها له جده، إلى خلفيات جرائم القتل التي تقع في القرية المجاورة للموقع الأثري في عينتاب الذي تعمل فيه إسراء عالمة الآثار، يبقى الماضي سبباً في بعث الكثير من الأحقاد والضغائن بين شعوب تركيا الحديثة .

عندما بلغها نبأ موت الحاج عبد الستار “بدا على إسراء وكأنها تلقت لكمة عنيفة موجعة ، ومرت امام عينيها صورة الحاج عبد الستار بلحيته البيضاء ووجهه البشوش ، وقبعته ذات الكرة الصوفية التي أضفت عليه مظهر رجل دين أرمني عاش قبل آلاف السنين …”. (ص8)

هذا التماثل بين الضحيتين الذي أحست به إسراء لم يُخلّص محور السرد الروائي في “باتاسانا” من رمزيات الكراهية الدفينة. أو على الأقل هذا ما يغلب على ذهن القارئ. يُنطق أوميت الحثيين بلسان كاتب القصر الملكي “باتاسانا” : “قال جدي : أن والدي كان أكثر مكراً وطمعاً وكذباً من تاجر آشوري”. (ص61)

نرغب في بعض الفصول أن تكون عِبرَ ” الألواح ” الآشورية ـ الحثية، قد حررت وعي الكاتب من خصومات العنف الساحق الذي يصخب به تاريخ تركيا الحديث والمعاصر. لا يكف أوميت عن رؤية الأرمني مريضاً بـ “جنون الإرتياب” رغم انه “نُفي من الأناضول”، موطنه التاريخي، حيث “جرى تحويل الكنائس الى مساجد” (ص 78-79). أما الكردي “الإرهابي الميت” (ص403)، فإنه ما برح “قاطع طريق” تلاحقه الشرطة وما زال مصيره غامضاً.

في مدى العلاقات الإجتماعية الراهنة التي تخترقها الرواية، لا يلمح القارئ إلا الشخصيات المذنبة أو المعلقة بالذنوب السابقة. في بعض الأحيان يتحول النص الى “مونولوغ” من عواطف الكاتب او أمنياته. ثم لا يلبث العمل الدرامي أن يعود الى حوافزه الكبيرة : تبرير ذنب العلاقة مع الأرمن ، واتهام الأكراد بممارسة الإرهاب.

هكذا، تصور الرواية، وتحديداً في “الفصول”، سطوة الأحداث الماضية البعيدة والقديمة، على الوعي المجتمعي في تركيا الحديثة.

المفاجئ، أن الـ “الفصول” في رواية ” باتاسانا ” تبين أن تلك السطوة لا زالت عقدة بل عقداً لم تحل أو ليست قابلة للحل. فالكاتب المخضرم من مواليد عينتاب 1960، ينتهي بنا إلى الكشف عن أن مرتكب الجرائم هو الأميركي من أصل أرمني. لقد جاء أصلاً بدافع الإنتقام لأهله الذي كانوا يعيشون في نفس القرية المجاورة للموقع الأثري، وقد جرى طردهم منها بسبب تعاونهم مع القوات الأجنبية المهاجمة.

للأسف، يقترب أوميت الذي كان “عضواً فاعلاً” في الحزب الشيوعي التركي، من تأييد “الرواية الرسمية” التي تروجها حكومة أنقرة في شأن “أسباب” مذابح الأرمن وتهجيرهم خلال الحرب العالمية الأولى.

صدرت الرواية عن دار ثقافة، بدعم من وزارة الثقافة في الجمهورية التركية ضمن البرنامج الحكومي التركي للترجمة والنشر “TEDA” ونقلها الى العربية أفنان سعد الدين وحسان البستاني.

COMMENTS