العرب بعد قمة نواكشوط؟

العرب بعد قمة نواكشوط؟

الغرب ووهم الريادة الأبدية
وقائع العملية العسكرية الخاصة التي ينفذها الجيش الروسي في أوكرانيا حتى اليوم الـ 267
صحيفة روسية : النار في بيروت تربك واشنطن و”القوات اللبنانية تتعاطف مع إسرائيل”!

كان الحدث الأكثر تأثيراً على المشهد الأفريقي أو الساحة السياسية الأفريقية متمثلاً في أعمال القمة العربية بنواكشوط التي انعقدت يوم الثلاثاء 25 و26 تموز/يوليو ، والتي أثارت الجدل حول مدى أهميتها، وحراك رؤوساء الدول العربية والأفريقية، والتي أظهرت مدى الارتباك في التنسيق، والسياسات الأمنية، وتفعيل تلك القمة باعتبارها من أهم القمم، التي حدثت في المرحلة الحالية في ظل توتر وتراجع في العلاقات العربية الأفريقية، والتحديات الكبيرة التي تواجه القارة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، فعزوف العديد من رؤساء الدول العربية والأفريقية عن المشاركة في القمة بعد قبولهم والاكتفاء بوجود ممثلين عن تلك الدول يعكس مدى تراجع الدافع العربي والأفريقي نحو إقامة علاقات جدية على كافة الأصعدة في ظل توتر الساحة السياسية والأمنية، واتجاه العديد من دول القارة نحو توطيد علاقاتها مع القوى الكبرى، والعديد من الدول ذات الثقل كإيران وتركيا واسرائيل، وفي ظل ضغوط غربية عززت من تراجع العلاقات الثنائية على المستوى القاري.

ففي ظل ظروف دولية وإقليمية معقدة” انعقدت تلك القمة ليومًا واحدًا وجمعت العديد من الملفات المتمثلة في أزمات كلاً من سوريا والعراق واليمن وليبيا، والأمن في العالم العربي، وتشكيل قوة عربية مشتركة، واستئناف مفاوضات السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لاسيما المبادرتان الفرنسية والمصرية، مع اتخاذ مواقف منددة ورافضة للتدخل الخارجي في شؤون الدول العربية خاصة التدخل الإيراني وذلك في بيان اشتمل على 13 بنداً، فضلاً عن مناقشتها  ملفات اقتصاد تهدف إلى تشجيع وتعزيز التكامل الاقتصادي العربي.

هنا نجد أن مناقشة العديد من تلك الملفات الخطيرة والمصيرية خلال يوماً واحداً فقط وفي ساعات محددة، عكس مدى ضعف القمة وعدم فاعليتها، وهو ما أكدت عليه المغرب من خلال رفضها استضافة تلك القمة نتيجة غياب القرارت والمبادرات الهامة التي من شأنها تعزز التنمية الاقتصادية، وتفعيل الاستراتيجيات لتحقيق الأمن والاستقرار، ومواجهة التحديات الراهنة، وهو ما أكد عليه بيان لوزارة الخارجية المغربية بأن ” القمة لا تشكل غاية في حد ذاتها نتيجة التحديات التي يواجهها العالم العربي، ومن ثم فإن أي اجتماع في هذه المرحلة سيتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي” باعتبار أن ليس له قيمة على الأطلاق ، فاجتماع القمة في ظل غياب رؤوساء الدول العربية ، والتي تزرعت الأخيرة بعدم توافر الأمن وهو ما كشفت عنه أجهزة الاستخبارات، وأمور صحية أخرى، قد عكس مدى غياب الدور العربي في مواجهة التفتت وتقسيم المنطقة والتحديات التي يعج بها الشرق الأوسط كالحروب الأهلية الدائرة وتصاعد الإرهاب في معظم الدول العربية، والتي وصل العديد منها إلى مرحلة الدول الفاشلة، في ظل تصاعد السياسات الكبرى، والتنافس الإقليمي الدولي لتحقيق المصالح الكبرى دون النظر إلى تلك الشعوب المضطهدة، والكوارث الإنسانية المتفاقمة؛ من ثم لم تحتوي القمة على قرارات فعالة ومبادرات من شأنها تنهي الحرب والصراع الدائر في المنطقة ، خاصة مع انحصار قراراتها في التنديد، والدعوة الغير فعالة في إقامة قوة عربية مشتركة، والتي طرحت مراراً وتكرارًا في القمم السابقة والمؤتمرات، لاسيما القمة السابقة التي عقدت في القاهرة،  فغياب الرؤية والوحدة العربية وازدواجية المعايير والمصالح المتباينة والتبعية والضغوط الغربية في ظل نظام عربي وأفريقي مفتت ومنهك جراء الحروب قد عجَّل بفشل هذه القمة والقمم السابقة. وهو ما ظهر جلياً من غياب صانعي القرار العربي.

أيضاً لم تكن القمة العربية بمنأة عن المشهد الأفريقي والحرب الدائرة في القارة الأفريقية لاسيما الحروب الأهلية وتصاعد الإرهاب في ليبيا، والذي امتد أثاره إلى العديد من دول القارة، لاسيما نيجيريا والصومال وكينيا والجزائر ومالى وموريتانيا، فارتباط داعش ليبيا بالتنظيمات الارهابية في العديد من دول القارة، أدى لتفاقم التوتر الأمني وتزايد الحراك المسلح والعمليات الإرهابية، وهو مااستدعى التدخل الدولي في العديد من الدول لاسيما ليبيا ومالي، وبالتالي لم تتجه القمة الى تعزيز استراتيجيات فعالة لمواجهة الارهاب في ليبيا وتجفيف منابع الدعم لديه.

 إذن هناك عوامل تحكم الدول المشاركة في عدم اتخاذ مجموعة من السياسات الفعالة لتحجيم الإرهاب خاصة وأن هناك مصالح مشتركة للعديد من الدول العربية داخل ليبيا وهو ما عزز من تفاقم واستمرار تلك التنظيمات الإرهابية. حيث اقتصر هذا الأمر على دعوة وزير الخارجية المصري سامح شكري في افتتاح اجتماع وزراء الخارجية العرب نظيره الموريتاني إسلك ولد أحمد إزيد بيه الدول العربية إلى تنسيق أكبر “مع أفريقيا” للقضاء على آفة الإرهاب، وقال في هذا الشأن “يجب هزيمة الإرهاب، هذه أولوية”.  وهو ما دل على انحصار أعمال القمة على التنديد والدعوات لحلول سياسية وأمنية دون اتخاذ نهج سياسي محدد واستراتيجي مرتبط باتفاقيات ذات معايير وجدول زمني للتخلص من الأزمات التي يعج بها الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ليسدل ستار القمة على الفشل الذريع في عدم اتخاذ خطوات جادة لمواجهة التحديات الراهنة في ظل غياب عربي أفريقي .

وعلى الصعيد الدور المصري، بالرغم من التقارب المصري الموريتاني، إلا أن فعاليات القمة الأخيرة وأدائها في ظل الظروف العربية المضطربة كانت كفيله بغياب صناع القرار العرب، وهو ما أثار تكهنات حول مدى أهمية القمة من عدمها، خاصة وصف خبراء لها بأنها “قمة بلا قيمة”، إذ جعلها الأضعف، رفضُ المغرب استضافتها وغياب رؤساء عنها، وكانت الأنباء المصرية حول مخطط اغتيال السيسي أحد أهم العوامل في عدم مشاركته في القمة لاسيما بعد تراجع باقي الرؤوساء عن المشاركة للتداعيات الأمنية خاصة وأن موريتانيا تعاني من التدهور الأمني نتيجة تفشي التنظيمات الإرهابية في المنطقة، هذه التداعيات لها الدور في إبعاد النفوذ المصري عن القارة الأفريقية، وعدم التمثيل في العديد من الفاعليات التي من شأنها تعزز من التواجد المصري والعربي داخل القارة، فالقطيعة التي دامت قرابة عشر سنوات بعد محاولة اغتيال مبارك في أديس أبابا عام 1995 قد ألقت بظلالها السيئة على العلاقات المصرية الإثيوبية والأفريقية بشكل عام، ومن ثم فإن تكرار سيناريو الاغتيال في القارة مع الخوف من ردة فعل الإدارة المصرية في القطيعة لهو أسوأ السيناريوهات التي من الممكن أن تتخذ في ظل الأوضاع العربية والأفريقية المتدهورة.

 لذلك لابد من أخذ العديد من الاعتبارات في نجاح عقد أي قمة وهى

  1. تعزيز الارادة السياسية العربية نحو تفعيل قوة عربية مشتركة تكون تحت سلطة جامعة الدول العربية تهدف إلى حماية المنطقة العربية من خطر التنظيمات الإرهابية وتحجم التدخل الدولي في المنطقة وذلك من خلال القوى السياسية الدبلوماسية العربية المشتركة.
  2. عقد قمة عربية جديدة أكثر فاعلية بمشاركة رؤوساء المنطقة لبحث الأزمات التي يعج بها الشرق الأوسط يكون أولى اهتمامها تسوية الخلافات الناشبة بين الدول العربية والتي أدت إلى مزيد من التوترات على الصعيد الإقليمي والدولي، وتعدد الولاءات.
  3. محاربة الإرهاب في المنطقة من خلال تجفيف منابعه المتعددة وعلى رأسها تمويلات بعض الدول العربية من خلال إلزام تلك الدول بمنع تمويل تلك التنظيمات ماديا ولوجستيا وعسكريا وإلزامها بذلك، مع الاتجاه إلى تعزيز الشراكة العربية في تسوية الحروب الدائرة في المنطقة.

    رشا العشري، باحثة في شؤون الإرهاب والعلاقات الدولية، من جمهورية مصر العربية
    13 آب،أغسطس 2016

    يعتذر موقع الحقول عن التأخر في نشر هذا المقال، بسبب مشكلات فنية.