العولمة والديموقراطية وتعدد الأقطاب

مجلة “الجيش الإسرائيلي” تدعو لفتح جبهة ضد مصر
المغرب : اسـتهداف الحركة الطلابية المـستور تحت سيمفونية “العنف الجامعي”
الجزائر: العالم مقبل على تحولات استراتيجية كبيرة وما يحدث اليوم مجرد البداية

(الحقول) يملك وليام كولمان‏,‏ رئيس مركز كندا لأبحاث العولمة والسياسات العامة ومدير مركز العولمة بجامعة ماكماستر‏,‏ رؤية مميزة إلى ظاهرة العولمة وتأثيرها على الديموقراطية ونظام العلاقات الدولية، لا سيما سياسة أحادية القطب التي تعتمدها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة.

عصام سامي، التقى كولمان في تورنتو، بكندا، وأجرى معه هذا الحوار :‏

ونحن نقترب من نهاية عام‏2007,‏ كيف ترى العالم وما يجري فيه؟‏.‏

للاجابة عن هذا السؤال يجب أن نسأل أنفسنا سؤالين آخرين ‏:‏ ما هي الأشياء الجديدة التي تعد استمرارا للماضي؟‏..‏ وما هي الأشياء الجديدة المختلفة في العالم؟‏.. لنجب، أولا، عن السؤال الأول :‏ أعتقد أن هناك عددا من الأشياء في العالم لم تتغير كثيرا ‏..‏ البعض يفرقون بين ما قبل‏11‏ أيلول/سبتمبر ‏2001‏ وما بعده.‏ أحسب أن هذا التمييز غير صحيح‏,‏ لأنني أرى أن الكثير من الأمور التي تزعج العالم الآن، كانت موجودة من قبل، واستمرت‏,‏ ربما بطريقة مختلفة قليلا.‏ وفي هذا الإطار‏,‏ أعتقد أن دور الولايات المتحدة في العالم هو استمرار للماضي‏,‏ وإن كان في تراجع‏.‏

لقد ظهرت الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى وشكلت المؤسسات الدولية الكبرى مثل صندوق النقد والأمم المتحدة والبنك الدولي لخدمة مصالحها‏.‏ في الوقت نفسه‏,‏ بدأت، ولا تزال تؤسس قواعد عسكرية حول العالم‏.‏ ولكن مع مرور الزمن تم كبح القوة الأميركية بطريقة أو بأخرى,‏ وبات من الخطأ القول إن الولايات المتحدة هي القطب الأوحد في العالم‏. فالولايات المتحدة لا تزال مسيطرة الآن‏,‏ لكن روسيا لم تختف من الوجود‏,‏ وكذلك أوروبا‏, الصين واليابان‏.‏ البعض ممن يسمون المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ظنوا أن دولتهم هي القوة العظمى الوحيدة في العالم‏,‏ لكنني لا أسمي هؤلاء المحافظين الجدد‏,‏ وإنما أسميهم الاستعماريين الجدد، الذين يعتقدون أن باستطاعتهم السيطرة على مجريات الأمور في العالم‏. كان هذا التفكير المتغطرس هو الذي قاد الولايات المتحدة إلى العديد من السياسات الكارثية‏,‏ خاصة في الشرق الأوسط‏,‏ بما في ذلك الحرب علي أفغانستان والعراق‏.‏

إذن، ماذا نستشف من هذا كله؟

أهم ما يستشف من هذه التطورات أنها أظهرت محدودية قدرة الولايات المتحدة على مستويين‏ :‏ المستوى الأول، انه برغم القوة العسكرية الضخمة‏,‏ فإن واشنطن لا تستطيع أن تفرض ما تريد على العالم‏.‏ ولنا نموذج واضح في العراق‏,‏ حيث تحول الوضع إلى كارثة‏,‏ برغم دعم بريطانيا العظمى لها‏.‏ وسبب هذا الوضع الكارثي إلي حد كبير، هو ذلك التغطرس والتفكير الاستعماري‏.‏

المستوى الثاني، داخلي‏..‏ وأنا أعتقد أن قضية العراق برمتها أظهرت أن هناك شيئا كان يعتمل داخل أميركا لفترة طويلة‏,‏ ذلك هو أن الديمقراطية الأميركية نفسها هشة وضعيفة‏,‏ على عكس ما يعتقد الكثيرون.‏ فهي ديمقراطية تحتجز الأسرى والمسجونين في أماكن مثل غوانتانامو، وبطريقة ترفضها القوانين الديمقراطية حتى التي كان معمولا بها منذ أكثر من ثمانية‏ قرون‏.‏ كل هذه القوانين ضرب بها عرض الحائط وباتت مرفوضة ولا يعمل بها تحت سمع وبصر الكونغرس الأميركي‏.‏ كل ذلك يحدث في دولة يذهب بالكاد، نصف عدد ناخبيها إلى الانتخابات الرئاسية‏,‏ والكل يعرف أن المرشح الحائز على المركز الثاني في انتخابات عام‏2000 (آل غور‏)‏ هو من كان يستحق الفوز بالرئاسة‏,‏ وهو الفائز الحقيقي‏.‏ وهي دولة فيها ثاني أكبر عدد من السجناء في العالم‏,‏ ومعظم هؤلاء من الأميركيين السود وذوي الأصول الإسبانية‏.‏

كيف تعمل هذه الديمقراطية؟

الشائع أن هذه أقوى ديمقراطية في العالم‏,‏ برغم أن نظامها السياسي يجعل من الممكن شراء أي شيء بالمال‏.‏ ففي هذه الديمقراطية لا يمكن لأحد أن يترشح لمنصب مهم سواء كان في مجلس الشيوخ أو النواب أو الرئاسة‏,‏ إلا إذا كان يضع يده علي الملايين من الدولارات‏.‏ هذا يعني أنه سواء كنت عضوا في الكونغرس أو كنت الرئيس مثلا‏,‏ فسيكون ولاؤك لأصحاب رأس المال الأغنياء الذين دعموك للفوز بالمنصب‏.‏ وليس هناك مثل أوضح على ذلك من إدارة الرئيس الحالي جورج بوش الابن‏,‏ حيث كان المستفيد الأكبر من قرار هذه الإدارة بخفض الضرائب‏,‏ هم أغنى الأغنياء وليس الفقراء‏.‏ لذلك عندما ننظر إلى حالة العالم الآن، نجد أن العولمة أزاحت الستار عن محدودية القوة الأميركية، وأثارت تساؤلات حول أيديولوجيتها‏.‏ وفي الكثير من الدول، حسب استطلاعات رأي حديثة، أصبحت نظرة الناس إلى الولايات المتحدة أكثر سلبية مما كانت عليه قبل ‏15‏ عاما‏,‏ وبدأ يتضح بقوة أننا لسنا في عالم أحادي القطب‏,‏ وأننا نتجه إلي عالم متعدد الأقطاب، فيه العديد من مراكز القوة والنفوذ‏.‏ وأنه بمرور الوقت يمكن أن نتوقع أن يتراجع نفوذ الولايات المتحدة مقارنة بالآخرين‏.‏ وهذا مرة أخرى لا يعني تجاهل القوة العسكرية الأميركية الجبارة‏,‏ حيث تفوق الميزانية العسكرية الأميركية عشرة أضعاف ميزانيات الدول العشر التالية لها مجتمعة‏,‏ لكن هناك حدودا للقوة الأميركية‏.‏

كيف ترى حركة العولمة في ضوء متغيرات ثورة المعلومات والاتصالات؟

الذي لا يلتفت إليه أحد هو أن ثورة المعلومات والاتصالات غيرت طبيعة الكثير من الأشياء فيما يتعلق بالعلاقات بين البشر‏,‏ وتجلى ذلك في موضوع الهجرة بصفة خاصة‏.‏ لقد سمحت سهولة الاتصالات بجميع أشكالها للناس بالتواصل بلا انقطاع وبوتيرة أسرع، ما سهل زيادة الروابط الاقتصادية والاعتماد المتبادل بين الناس في أماكن متباعدة‏.‏

في السابق وحتى أوائل الستينيات من القرن الماضي، كانت النسبة الأكبر من المهاجرين إلى أميركا الشمالية‏,‏ خاصة كندا‏,‏ تأتي بنسبة ‏95 %‏ تقريبا من أوروبا,‏ أما مع بداية الألفية الجديدة‏,‏ فإن المهاجرين من أوروبا لا يزيدون على ‏20 %,‏ بينما يأتي نحو ‏60 %‏ من آسيا‏,‏ و‏20 %‏ من مناطق أخرى متفرقة‏.‏ السبب وراء ذلك هو سهولة الانتقال والسفر‏.‏ ومن خلال إنترنت يمكن للمهاجر أن يبقي على اتصال مع أهله على الدوام‏,‏ ما يجعله يحافظ على ثقافته‏,‏ بل إن التسهيلات التي أحدثتها ثورة الاتصالات جعلت باستطاعة المهاجرين من أي مكان، أن ينقلوا معهم ثقافتهم وينشئوا وطنا مصغرا في المهجر، يشبه كثيرا موطنهم الأصلي‏.

العولمة لم تلغ الثقافات‏,‏ بل على العكس عمقت التمسك بها‏.‏ وهنا يأتي الاعتقاد الخاطئ لدى البعض الذين يتصورون أن العولمة تجعل العالم قرية صغيرة، وتصهر الناس في بوتقة واحدة‏,‏ ربما بدا في وقت من الأوقات أن العولمة قادرة على صياغة ثقافة عالمية واحدة‏,‏ لكن ما لدينا الآن يسير في الاتجاه المعاكس‏..‏ ما فعلته العولمة هو أنها جعلت الناس أكثر وعيا باختلافاتهم‏,‏ لأن هذه الاختلافات باتت أكثر وضوحا‏.‏ هناك نقطة أخرى، وهي أن تَمَسُّك كل طائفة بثقافتها ومحاولتهم إظهارها والاحتفاء بها، يمكن أن ينتج عنه نوع من التوتر أو لنقل قلة التسامح بين الثقافات وتزايد رفض الآخر‏.‏

لكن هل العولمة تتراجع كظاهرة؟

المسألة حقا معقدة‏..‏ نعم هناك تحركات ضد العولمة‏,‏ لكنها تنخرط في العولمة وتستخدم آلياتها‏.‏ وبحسب تعبير باحث تونسي زميل‏,‏ لم يكن هناك من قبل إسلام معولم‏,‏ بمعنى أنه كانت هناك اختلافات بين بلد إسلامي وآخر‏,‏ ولكن الآن هناك ما يمكن تسميته إسلاما عالميا نتج عن استخدام وسائل الاتصال الحديثة‏,‏ خاصة إنترنت‏,‏ في ترويج نظرة تختلف، حسب رأيه، عما نشأ عليه في تونس‏.‏ ولا ينطبق ذلك على الإسلام فقط‏,‏ بل على بقية الأديان أيضا‏,‏ وهناك جماعات تنشر أفكارها بالتركيز على الأصولية والاختلافات، محاولة محاربة العولمة بنفس أسلحتها أو أدواتها‏.‏ ومن الخطأ الاعتقاد بأن هذه الجماعات تمثل عودة إلى الماضي‏.‏ الحقيقة، أنها جماعات عصرية للغاية، بسبب الطريقة التي يعرضون بها الدين ويروجونه، والوسائل التي يستخدمونها‏.
الأربعاء 31 تشرين الأول / أوكتوبر، 2007، نقلاً عن الأهرام

COMMENTS