"الفوضى الخلاقة " تهدد بالحرب العالمية؟

الاقتراب المجدد للروس من إفريقيا : قراءة مختلفة
حلمي شعراوي يكتب عن "إفريقيا فى المواجهة الصينية ـ الأمريكية" 
محمد علي كلاي شيِّع إلى مدينة لويس فيل في "جنازة مسلمة" ومئات الآلاف ودَّعوه

"الفوضى الخلاقة" ، ذلك التعبير الذى سبق أن لخصت به وزيرة الخارجية الأمريكية" كونداليزا رايس" ، جوهر السياسة الأمريكية فى العقدين الأخيرين ، هو الذى ينتهى الآن عند تصريح " كيسنجر " متوقعا نشوب حرب عالمية جديدة قائلا : " من لم يسمع طنين طبولها فهو أطرش …"
لم نتساءل جيدا : لماذا كان ذلك كذلك ؟
فى تقديرى من واقع تأمل محدود يبدأ بدراستى الإفريقية ، وينتهى بتأمل الحالة العربية ، وغيرها من المناطق ، أنه منذ جلوس مسئولى الدول الأوربية على مائدة فى مؤتمر برلين 84/1885 – لتقسيم العالم ، عقب الحروب الأوربية نفسها طوال القرن التاسع عشر ، يحدث عقب كل حرب عالمية نوع من " الفوضى الخلاقة " يعيد فيها الغربيون النظر فى خريطة العالم ، في ضوء خرائط برلين ، ليصيغوا النظام العالمي بشكل جديد حتي لو قام أصحابه بمقاومات وطنية او ثورات كبري فعقب مؤتمر برلين وحتى الحرب العالمية الأولى ، وبانتهاء تلك الحرب ، بدأ تقسيم العالم على أساس كسر السيطرة العثمانية المنافسة، فى آسيا وإفريقيا ، بل والبلقان الأوربية ، ووقف إمكانيات نجاح الثورة البلشفية او الصينية فى آسيا ..الخ . وخرجوا من الحرب وقد استقرت فلسطين ضمن المشروع الصهيونى وفق وعد بلفور الشهير؛ ضمن تقسيم العالم العربى ، كما أخرجوا ألمانيا من عدد من المواقع فى الجنوب الإفريقى ، وأجبروا لينين " السوفييت " على توقيع معاهدة " بريست ليتوفسك " عام 1918 ، لتقسيم شرق وشمال أوربا …ثم أقاموا " عصبة الأمم " لتأطير كل ذلك " دوليا " مع وعود هنا وهنالك بالاستقلال والاستقرار ، اللذين لم يتحققا إلاّ الاستقرار للمصالح الأوربية .
وعقب الحرب العالمية الثانية شهدنا ظواهر أكبر وأخطر نتيجة " الفوضى " بعد الحرب ، إذ قسمت الهند لاقامة باكستان كدولة على أساس دينى ، كان يسمى " طائفى " فى امبراطورية الهند ! وذلك فى 14 أغسطس 1947 ، وقبل يوم واحد من إعلان استقلال الهند نفسها في 15 اغسطس! وفى نفس العام تأكد إقامة " دولة اسرائيل" على أساس دينى أيضا باسم الدولة اليهودية، لتعلن كدولة رسميا – مايو 1948 …وهو نفس العام الذى أعلن فيه الأوربيون فى الجنوب الإفريقى إقامة " دولة الأبارتيد " فى جنوب إفريقيا ، وجنوب غربى إفريقيا ( ناميبيا ) على أساس عنصرى ؛ شبه دينى أيضا ( الرسالة الحضارية للرجل الأبيض ) ، وجري غير ذلك من التقسيمات على المستوى العالمى ؛ نال المشرق العربى منها طرفا كبيرا ، فى غربه وشرقه . وانتهينا هنا بالاستقطاب العالمى فى حلفين كبيرين ، وإقامة الأمم المتحدة لتأطير ذلك أيضا بشكل مختلف نسبيا عن " عصبة الأمم " مع حزمة من الوعود الجديدة …
والآن نعيش حربا شبه عالمية فى أنحاء مختلفة من العالم ، لا يمكن معها الاخذ بالتحليل الجزئي للظاهرة العالمية ! وها هو عراب السياسة الأوربية " هنرى كيسنجر " يفسر " الفوضى الخلاقة " الجارية الآن ! بأنها مقدمات حرب عالمية قائمة أو قادمة …وفى نظرة " كيسنجر رؤية لما يجرى من استقطاب على المستوى العالمى ، لا يختلف عن فترة الحرب الباردة ، وما يجرى مع كوريا الشمالية في نظره ليس أكثر من تمركز الاستقطاب ، بل وأظنه يرى أن الاستقطابات فى الشرق الأوسط ، وتقدم الوضع الروسى ، وما يتردد عن ضعف حضور أو مقاومة الولايات المتحدة لهذا الاستقطاب سيحول الفوضى فى لحظة ما إلى حرب ضروس لتأكيد كلِّ لوجوده …
لا يتجاهل هذا التحليل كله عنصرين : الأول : أن الاشكال السابقة للهيمنة والاستبداد الدولى ، واجهت بين الحربين نهوضا ملحوظا لقوى الاستقلال الوطني، مما هو معروف فى مختلف المواقع … والثانى : أنه بعد الحرب الثانية اشتد فعلا ساعد دول التحرر الوطني ، واستطاعت بقدر ما أن توقف الاستبداد المطلق بسياسات التحرر الوطني و عدم الانحياز ….الخ أما هذه " الحرب الثالثة " التى نعيش أجواءها ، فنشهد فيها تطورات جديدة مع تعدد مراكز المنافسة والصراع ، إلى تعدد أوجه المقاومة ..
ولست بحاجة إلى ايضاح أن طموحات الصين الاقتصادية تتفوق على الطموح السياسى للروس ، وتختلف عن نوع من حيوية ملحوظة عند بريطانيا ، وفرنسا بوجه خاص ، وقد كتب الكثيرعن مهارة ودبلوماسية الرئيس الفرنسى " ماكرون" بما يستحق المتابعة . أما عن المقاومة ، فهى قائمة ، فى وسط آسيا ، أو الشريط الجنوبى للعالم الآن ممثلا فى تنظيم مثل " بريكس " ضاما البرازيل – جنوب إفريقيا – الهند – الصين – روسيا ، وهى أكبر الدول الصاعدة فى القارات الثلاث …
ويبقى السؤال المحرج التالى : أين موقع " العالم العربى " بلاه تعبير " الوطن العربى " ؟. هل ينتهى واقعه الآن إلى مزيد من نتائج " الفوضى الخلاقة " بتعميق تفتته عقب الحرب العالمية الدائرة بالمصطنع من الاسباب الدينية او الطائفية؟ أم ننتهى إلى انحياز تابع لهذا التكتل العالمى او ذاك بين القوى الكبرى ليصير استقطابا لا استقلالا…؟ طلبا للاستقرار ؟
ثمة اشارات متعددة تصدر من أنحاء العالم العربى عن ميل للاستقرار فى إطار التبعية ، يجب الانتباه لها لأنها تحمل ايضا ادعاءات الاستقلالية بتشكيل تحالفات صورية جديدة أو استعراض دولتى محدود الأثر حتى تتبلور الأدوار الحقيقية لبعض الطموحات …
لا بد أن ندرس فى العالم العربى ، معنى الخرائط الجديدة ، لنتخذ المواقف التى تتسق مع الروح الاستقلالية ، الحقيقية، لوقف اثار" الفوضى الخلاقة " التى تؤدى إلى دق طبول حرب عالمية جديدة …
وفي تقديري ان كثيرا من الدول الافريقية تسعي لتحديد اختياراتها الي حد ما رغم معوق السياسات الغربية التي باتت تسعي للقارة بعيدا عن مشاكل الشرق الاوسط. ولننظر للمؤتمرات الرئاسية المشتركة ودور الاتحاد الاوربي وتطور دور الاتحاد الافريقي بحثا عن نمط لسلوك سياسي ….خلاق بحق كان يمكن القول في ظروف افضل للقوى الشعبية والديمقراطية ان تقوم هي باعادة التعبئة من اجل البدء ولو من باندونج شعبية جدىدة …..
حلمي شعراوي، مفكر وكاتب ومناضل عربي من مصر
السبت 10 كانون الأول/ ديسمبر، 2017
نشرت على فايسبوك ـ صفحة أفريقانيون، يوم 11 كانون الأول/ديسمبر، 2017، 10:09