"السعودية الجديدة" والحرب … المقبلة؟ 

"السعودية الجديدة" والحرب … المقبلة؟ 

نادين لبكي في «كفرناحوم»: «محبوبة اللبنانيين» وعقدة المخلّص
الوساطة الفرنسية والتصعيد الإسرائيلي
العدوان “الاسرائيلي” على قطاع غزة (2021) حتى فجر اليوم الخامس

تتضخم نفقات تسلح المملكة العربية السعودية عاماً بعد آخر. قرأنا في تقرير "المعهد الدولي لأبحاث السلام" في السويد، أنها "حلت في المرتبة الرابعة عالمياً، من ناحية الإنفاق العسكري عام 2016"، بعدما "وقعت عقود تسلح بقيمة 63,7 مليار دولار". التقرير نشر في شهر نيسان / أبريل الماضي، قبيل شهر واحد من احتفاء الرياض بقدوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إليها في 19 أيار / مايو 2017، حيث أبرمت صفقة شراء أسلحة من واشنطن بقيمة 110 مليار دولار. 
في التحليل العام لارتفاع مؤشر الإنفاق العسكري السعودي وعوامل تضخمه، ترزح العقيدة القتالية للجيش والقوات المسلحة السعودية، تحت ركام العوامل السياسية "التقليدية" : خضوع النظام القبلي الحاكم لإمبريالية الولايات المتحدة. تدوير نسبة كبيرة من العائدات النفطية السعودية في الإنتاج الصناعي العسكري الأميركي. فساد الذمم المالية للأمراء ومديري الشركات المكلفين بتنفيذ عقود التسلح في الرياض وواشنطن.   
تُعرَّف العقيدة القتالية من تاريخ السعودية المعاصر. إذ أن جميع أعداء الولايات المتحدة ـ "إسرائيل"، في العرب والعالم، كانوا، دائماً، أعداء السعودية. وقد شنت الحروب عليهم، بالفعل. وكانت حروباً غير كلاسيكية، خاضها السعوديون مواربة، باستعمال نوعين من منظمات الإرهاب التكفيري:
ـ المنظمات المحلية، مثل "الجهاد القطبي" في مصر، و"الطليعة المقاتلة" في سوريا، والدولة الإسلامية في العراق، و"الجماعة الإسلامية المقاتلة" في الجزائر، وليبيا. قاتلت هذه المنظمات الإرهابية بأساليب حرب العصابات الصغيرة والكبيرة، بأموال وأسلحة من السعودية، لإرغام الدول المذكورة على الإنصياع لمطالب السياسة الخارجية السعودية التي تقررها وتديرها الولايات المتحدة ـ "إسرائيل".
ـ المنظمات العابرة للدول، مثل شبكات "القاعدة"، والدولة الإسلامية في العراق والشام. وهذه المنظمات ـ الشبكات الإرهابية، كانت أعقد تنظيماً وأوسع دوراً. فقد جندت إرهابيين من معظم دول العالم. وقد قاتلت بأساليب حرب العصابات الصغيرة والكبيرة أيضاً، بأموال وأسلحة من السعودية والولايات المتحدة ـ "إسرائيل". وذلك، لتهديد الأمن الأوراسي واختراقه في الصين وروسيا، والهند، وإيران، وصولاً إلى إندونيسيا، والفلبين. أو لضرب الأمن الإفريقي، وجعل كل هذه الدول مطواعة أو خاضعة للإرادة الأميركية ـ "الإسرائيلية".  

ألَّفت كل هذه المنظمات الجيش الوهابي غير النظامي، الذي قادته ولا زالت تقوده أجهزة الأمن والإستخبارات السعودية. الجيش السعودي نادراً ما خاض أو شارك في حروب كلاسيكية هامة. وكل مواطن عربي يعلم أن القوات المسلحة لملوك السعودية، قد أدبرت عن معارك العرب القومية في جبهات فلسطين المحتلة. لكن الدور الكلاسيكي للقوات النظامية السعودية برز بصورة ما، في ثلاث أحداث حربية، وقعت في العقدين الأخيرين :
ـ خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003، تولت هذه القوات فتح القواعد والمطارات والطرق السعودية أمام القوات الأميركية ـ البريطانية وحماية مؤخراتها في داخل السعودية وفي دول "التعاون الخليجي".   
ـ أثناء احتلال قوات "درع الجزيرة" البحرين عام 2013، قيل أن القوات السعودية هي التي تحملت العبء الرئيسي. لكنه كان لوجستياً بحتاً. لأن جميع القوات المتقابلة على مسرح العمليات كانت قوات صديقة. لم يكن هناك اي تهديد من جيوش معادية.   
ـ في الحرب الهجينة التي يشنها الحلف الأطلسي ـ "الخليجي" على الجمهورية العربية السورية منذ عام 2011، أرسلت القوات النظامية السعودية مستشارين عسكريين واستخباريين، لتكوين وتدريب وإدارة عمليات المجموعات الإرهابية ضد الجيش العربي السوري.    
نرى في نظرة بانورامية واسعة أن هذه الأعمال القتالية الكلاسيكية السعودية فرضتها المصالح الأميركية. لقد كرس محور واشنطن ـ تل أبيب جهوده لتصفية قضية فلسطين، وترميم نظام الهيمنة الإقليمية المتهالك، الذي شيده الأميركيون منذ الحرب العالمية الثانية. والسعوديين كانوا حاضرين دوماً في خدمة هذا المحور : أثناء عدوان "إسرائيل" في حرب عام 67. وبعد حرب تشرين الأول / أوكتوبر المجيدة في عام 1973. وفي غزو "إسرائيل" لبنان عام 1982، وترحيل منظمة التحرير الفلسطينية بعيداً عن خط المواجهة العربي ـ الصهيوني. ثم في مفاوضات مدريد عام 1991، وفي "اتفاق أوسلو" 1993. 
اطردت الخدمة السعودية بين يدي الأميركيين ـ "الإسرائيليين" عقب غزو العراق عام 2003، وعدوان "إسرائيل" على لبنان في عام 2006، وعلى فلسطين / قطاع غزة عام 2008 ـ 2009. ووصل الدور العسكري السعودي في دعم المشروع الأميركي الشرق أوسطي إلى ذروته مع اندلاع موجة الحروب الهجينة المعروفة باسم "الربيع العربي"، في مصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق وتهديدها الجزائر ولبنان.
الدليل الساطع على أن الدور السعودي في دعم المشروع الأميركي وصل إلى ذروته، تمثل بتحول السعودية إلى الحرب الكلاسيكية مجدداً، حيث انخرطت بقواها المباشرة في الحرب العدوانية على اليمن منذ عام 2015. إلا أن الحصار البحري السعودي ـ الأميركي المضروب على السواحل، والقصف الجوي السعودي ـ "الإسرائيلي" المكثف على المدن العامرة والقرى الآهلة، لم يكسر إرادة الشعب اليمني الباسل. 
ليس سراً أن الحكم القبلي السعودي، بقيادة الملك المنتظر محمد بن سلمان، جرب أن يضمن النصر في الحرب على اليمن، بقوات نظامية برية وجوية وبحرية أجنبية "استوردها" من الولايات المتحدة ـ "إسرائيل"، وبريطانيا وفرنسا، والإمارات وقطر (قبل تمزق خيمة "التعاون الخليجي") والسودان، وماليزيا، كما تم دمج منظمات الإرهاب التكفيري ضمن غرف عملياتها العدوانية. لكن الحصاد خيب آمال الحاكم السعودي الجديد.
مضت سنتان وأربعة أشهر والآلة العسكرية السعودية المتطورة تفتك باليمن، وتقتل أبناءه بنار الصواريخ والعطش والجوع ومرض الكوليرا وتخرب ديارهم. بيد أن صمود هذا الشعب العربي الأبي يتعزز ويقوى. وقد فشلت السعودية، رغم تزودها بالأسلحة الذكية من واشنطن ـ تل أبيب، ومن لندن وباريس، في إلحاق اليمن بـ"منطقة النفوذ" الإقليمي السعودي. واليوم، بات اليمن ثقباً استراتيجياً نازفاً من قلب القبيلة الثرية الحاكمة في الرياض، والآتي أسوأ.  
فإذا كان تحول السعودية نحو الحرب الكلاسيكية في اليمن، قد أوقعها والولايات المتحدة ـ "إسرائيل"، في شر مأزق، فلماذا لا تزال تشتري كل هذا السلاح المتطور من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا؟!.
الجواب جاء من واشنطن. 
في اليوم الأول لزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض (20 أيار / مايو الماضي)، وإعلان واشنطن عن عقد صفقة أسلحة مع السعودية بقيمة 110 مليار دولار، قال مسؤول أميركي في البيت الأبيض إن هذه الصفقة تشمل معدات دفاعية وخدمات صيانة وتهدف للتصدي "لتهديدات إيران"، و"دعم جهود المملكة في مكافحة الإرهاب". 
إذن، السعودية الجديدة لا زالت على العقيدة القتالية ذاتها. العقيدة التي تحتمها مصالح الولايات المتحدة الأميركية، لا تتراجع عنها، ولا تراجع نتائجها. والملك المنتظر الذي أوقع الجيش السعودي في حرب استنزاف طويلة على جبهة اليمن، سيورطه مجدداً في جبهات أخرى، يتوقع أن تكون … جبهات داخلية.    
مركز الحقول للدراسات والنشر
7 تموز / يوليو 2017