السعودية ولعنة إعدام النمر؟

أميركا تدرس خفض تمثيلها في السعودية وتقليص علاقاتها معها
منير شفيق يكتب عن "الشيخ الريسوني وزيارة القدس" و"مرة أخرى مع الشيخ أحمد الريسوني"  
حسين مروة.. صاحب العمامة الحمراء

خاص ـ الحقول / تُقْبِلُ السعودية على أيامٍ صعبة. قرار إعدام الشيخ نمر النمر هو إعدام، بل انعدام للحكمة السياسية في النظام الحاكم في الرياض. كان الرجل صاحب كلمة وموقف وحسب. حكم “القضاء السعودي” يخاتل الرعايا في المملكة. يوهمهم بأنه لو تُركَ النمر بين “أشرار العوامية”[1]، سنيناً أخرى، لأتى على سلطان القبيلة الوهابية. هذا أمر لا يصدق. لأن العالم يعرف أن قبضة “الدولة السعودية” على “المجتمع السعودي” ثقيلة اقتصادياً، وفتاكة أمنياً، ومتسلطة أيديولوجياً.

بعض “ما جاء في نص الحكم على نمر النمر”[2]، صحيح. كان الرجل معارضاً سياسياً. كانت له نظرته وطموحه إلى الوطن ومستقبله. أما بقية “نص الحكم” عن تهديد النمر للحكم الملكي، وخطره على وحدة المجتمع، فمخاتلة. مؤسسات النظام السعودي وأجهزته هي التي تمارس التمييز البنيوي المذهبي بحق المسلمين الشيعة في المنطقة الشرقية وفي نجران وسواهما. هذا ليس سرّاّ. في مساجد الوهابية يخطب أحد “الوعاظ … [بالمصلين قائلاً لهم] هناك من الجن من هو شيعي خبيث ـ مثلاً ـ ومن هو سني. وهذا الأحمق مدرس في جامعة الملك سعود”[3].

ليس نظر أو رأي المعارض نمر النمر من يهدد النظام ووحدة المجتمع. النظام هو الذي يفعل ذلك. ربما بلغت مسامع النمر، كلمات التحدي التي أطلقها واعظ وهابي “آخر غرَّد في تويتر … يقول فيها : الرافضة، والليبرالية، العلمانية، والنصيرية ومن لف لفهم كفار. كلمات أرددها [في خطبتي] على منبر [صلاة] الجمعة منذ 9 سنوات، مت بغيظك”[4]. شجاعة النمر حملته أن يرد على مثل هؤلاء، ومن يرعاهم، طبعاً، في الحكم. جريمته أنه جرَّب تنظيم معارضة ضد التمييز المذهبي “الملكي” بحق فئة من رعايا الملك.

namrnamr
رفع المعاناة عن ضحايا التمييز في السعودية هو عمل وطني نبيل. الشيخ نمر النمر كان جزءاً من معارضة وطنية، فيها كل التيارات الإصلاحية “الكافرة”. النمر أحد رموز كتلة اجتماعية سعودية، تنشد تحرر المجتمع العربي من حكام وفقهاء البترودولار أتباع واشنطن ولندن وتل أبيب.

كنا تفاءلنا (بالخير) لمَّا سمعنا الإعلام السعودي، منادياً بـ”تعزيز اللحمة الوطنية، وزرع حب الوطن في نفوس الأطفال”[5]، بعد التفجيرات الإرهابية التي نفذها تكفيريون في بعض المساجد في السعودية. ثم … كانت أوهام.

بعد ثمانية أسابيع عما سمعنا، نفذ تكفيريون تفجيرات إرهابية في ضاحية بيروت الجنوبية، في حي برج البراجنة الفقير المكتظ. قتل سنة وشيعة ولبنانيون وسوريون وفلسطينيون. وأطفال ونساء وفتيان وفتيات. اختارت صحيفة “الحياة” السعودية “مانشيتاً” يشفي غليل الرياض، يقول : “انتحاريان يقتلان العشرات في معقل حزب الله”[6].

index1
محرر “الحياة” متين أيديولوجياً. لم يغفل عن أن تقريره معد لـ”النسخة الدولية”، وليس لـ”النسخة السعودية”، فترك الشماتة في “المانشيت”. أما في متن التقرير فأخذ بموقف الحكومة اللبنانية، الذي وصف ضحايا الإرهاب بـ”الشهداء”[7]. هذا هو “القضاء السعودي”. ينفذ حكم الإعدام بالمعارض السياسي مرتين : الإعدام الإجتماعي. ثم الإعدام الفيزيائي.

أليس هذا ما كان من أمر “القضاء السعودي” مع المعارض جهيمان العتيبي (تشرين الثاني، 1979). الذي لم يرفع السلاح إلا بعد مجادلات طويلة مع فقهاء الوهابية، طالباً إصلاح السياسة، وأن يقرنوا القول الشريف بالفعل الشريف. ولكن من دون جدوى.

أليس هذا ما كان من أمر “القضاء السعودي” مع المعارض السياسي المناضل ناصر السعيد الحائلي (17 كانون الأول 1979). لقد أراد السعيد تحرير الشعب العربي في الحجاز ونجد، وفي كل شبه الجزيرة العربية، من جور الحكم القبلي ـ المذهبي.

أليس هذا ما فعله “القضاء السعودي”، بداية، بآل الرشيد. صاروا أثراً بعد عين.

أليس “القضاء السعودي” قائم منذ خمسة واربعين عاماً على تنفيذ حكم الإعدام الإجتماعي بالرئيس جمال عبد الناصر. بعد أن فشلت محاولات أميركا و”إسرائيل” وبريطانيا وفرنسا والسعودية بتنفيذ الإعدام الفيزيائي به.

تتهرب الحكومة السعودية من مسؤوليتها السياسية والقانونية والأيديولوجية عن التمييز المذهبي والإرهاب التكفيري. وتتهرب من نتائجهما السياسية والقانونية والأيديولوجية أيضاً.

يُخمد “القضاء السعودي” معارضة الشيخ نمر النمر، لكنه لا يُصغي إلى صوت الرعايا في برية المملكة. يصرخ أحدهم، بحق، مخاطباً الحكم، بقوله : “تجدنا في حاجة ماسة إلى إطفاء شرارة الفكر الداعشي الذي بات يهدد وحدتنا وأمننا، وذلك عبر رحلة طويلة وجادة يشارك فيها الوطن كله ولا يتوقف حتى نعود إلى طبيعتنا التي ترفض التطرف…”[8].

لن يرد الحكم الوهابي على هذا الوطني السعودي “المسكين”. هذا الحكم الصَّلِف الذي يرفض مطالب النخب الوطنية في السعودية، وأبرزها “إصدار نظام [دستور / قانون] يجرم الطائفية، و[يسمح بـ] معاقبة دعاتها والمروجين لها، بعقوبات رادعة، بل ومتشددة، ومن ثم تطبيقها على أيِ كان، مهما كان موقعه الاجتماعي أو الديني. فالقضية لم تعد تحتمل أي تهاون أو مراعاة لهذا أو تقديراً لذاك”[9]. إذا كان النظام السعودي لا يُجرِّم الطائفية ولا المذهبية، فكيف لا يكون المعارض الشيخ نمر النمر قد أعدم مرتين.

لو أن الحمق والإنفعال ليسا سياسة سائدة في دوائر الحكم السعودي العليا، بديلاً عن الحكمة السياسية والبصيرة الإستراتيجية، لتوفر فيها “حكيم” ما، شجاع بما يكفي، لينقض جور “القضاء السعودي”. إعدام النمر يعني أن سياسة الحمق والإنفعال السعودية التي اقتصرت هزائمها على “الجبهات الخارجية” للنظام، حتى اليوم، قد بدأت تهز “الجبهة الداخلية” لنظام الحكم في الرياض.

index2
كانت أزمة النظام السعودي عميقة من قبل إعدام الشيخ النمر. تنخر الهشاشة “الجبهة الداخلية” : إنقسام قبيلة الحكم يزداد. الإستقطاب المذهبي في الدولة يرتفع. الأزمة المالية للحكومة تشتد. “التوجس” الإجتماعي المعيشي ينتشر[10].

ما من داع، هنا، لعرض مظاهر وعوامل هشاشة “الجبهات الخارجية” و”النظام العربي” ولا “التحالفات الإقليمية والدولية”، و”العلاقة” مع الولايات المتحدة. أبداً. لأن المعضلة الجوهرية هي افتقار الحاكم السعودي إلى التزام وكفاءة “المواطن الحقيقي [الذي] يعين الوطن على تجاوز أخطائه وعلى التماسك والتلاحم وهزيمة … الذين يتربصون به وبشبابه”[11].

من المرجح أن يصير إعدام النمر “فأل شؤم” أو لعنة على مستقبل المملكة العربية السعودية. هذا توقع بسيط. لكن تكفينا مقارنة افتتاحيات ومقالات الصحف السعودية التي صدرت صبيحة يومي 2 ـ 3 يناير / كانون الثاني 2016، حتى نشعر بأنه توقع جدي، وملموس. إلا إذا صدقنا بأن الـ”سعوديين يواجهون” أضرار سياسة الحمق والإنفعال “بالشعر والفكاهة”[12] دون سواهما. وهذه إهانة للشعب السعودي، وخصوصاً للنخب الإصلاحية المستنيرة فيه.

هذا أقل ما يمكن أن يقال، الآن، في تفسير حكم “القضاء السعودي” بإعدام قائد “أشرار العوامية”[13]. وللحديث بقية. ورحمة الله على الشيخ نمر النمر وعلى سائر شهداء العمل الوطني والقومي في السعودية.

COMMENTS