في مفهوم السيادة الوطنية اللبنانية وحقّ الردّ على العدوان "الإسرائيلي"

في مفهوم السيادة الوطنية اللبنانية وحقّ الردّ على العدوان "الإسرائيلي"

“الممر الهندي” : التهديد الأميركي لقطاع الطاقة العالمي و… “الفرصة” الروسية
وزير الخارجية الهنغاري يرد على انتقادات السفير الأمريكي لزياراته إلى روسيا
إميل لحود ماذا يتذكر… عن وقائع بدون "رتوش"؟

بعدما أعطت السلطات الدستورية في لبنان الشرعية الواقعية أو السياسية في الردّ على الاعتداء "الإسرائيلي"، حفاظاً على مقتضيات الدفاع عن الوطن من أي خطر أو قوة عسكرية عدائية، وسط نسج واقعة «الاعتداء» بمصاديق الحرب والعدوان ضد السيادة الوطنية، كان لزاماً على لبنان، استناداً الى المواثيق الدولية ومقدمة الدستور اللبناني، أن يردّ على الاعتداء المشكو منه، من خلال الوسائل المتاحة له نظرياً وعملياً.
غير أن هناك من يرى، ولو بأجندة سياسية معينة، وجوب حصر حق الدفاع عن النفس بمؤسسات الدولة بقصد إبعاد المقاومة عن دائرة المواجهة، بذريعة احترام سيادة الدولة وهيبتها، ضارباً عرض الحائط بكل عناصر الشرعية التي تحظى بها المقاومة، وتستقي منها الحق في مواجهة كل اعتداء أو عدوان يقع على الإقليم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال القواعد الدستورية والقانونية والبيانات الوزارية، علاوة على المواقف الصادرة عن المؤسسات السياسية ـ رئاسة الجمهورية والحكومة ـ التي تلاقيها قوة «المقاومة» وإمكاناتها كجزء أساسي من المجتمع اللبناني في منتصف الطريق، سواء في القدرة على الردع والدفاع عن النفس، أو في الرد على الكيان "الإسرائيلي" بوسيلة من الوسائل، انسجاماً مع مقومات السيادة وسائر العوامل التي توجب حماية البر أو البحر أو الجو من أي خطر يتهدد الأراضي اللبنانية هنا أو هناك.
ولعل من أبرز الإشكالات التي يؤخذ عليها دعاة «حصر الرد بمؤسسات الدولة» تجد أساسها في المنطق الحقوقي قبل السياسي، والتي تتمحور في النقاط الآتية:
ـ لما كانت السيادة، كركن من أركان الدولة، من خواص الشعب المكوّن من مجموع المواطنين، وأن الشعب هو من يمنح السيادة الى السلطات الدستورية عملاً بالفقرة «د» من مقدمة الدستور اللبناني، التي تنص على: «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية»، فإنه لا يجوز النظر الى السيادة بعين المؤسسات فقط، لأن، بحسب النص السالف ذكره، ثمة تمييزاً بين صاحب السيادة، وهو الشعب، وبين من يمارس السيادة، أي المؤسسات الدستورية، وخصوصاً في الحالة التي لا تستطيع المرجعيات المؤسساتية أن تمنع أي عمل من شأنه أن يوهن السيادة، حينئذ من واجب الشعب، كركن من أركان الدولة وصاحب السيادة، بهدف الدفاع عن أركان الدولة الأخرى، أن يقف الى جانب المؤسسات التي منح لها السلطة، فمن يفعل الكثير يفعل القليل، بحيث من يملك الحق في إعطاء الشرعية للسلطات يستطيع أن يوفر الإمكانات للحفاظ على السلطات نفسها، سواء في شكل لجان أو في شكل «مقاومة»، للحؤول دون انهيار «السيادة الوطنية».
ـ لما كان البيان الوزاري للحكومة، وهو السياسة العامة التي تنتهجها الدولة، والمقترن بمصادقة من السلطة التشريعية، قد أكد حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال "الإسرائيلي" وردّ اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة، فإنه لا يجوز انتهاج نهج الساكت عن اعتداء هنا أو هناك، والانقلاب على جزء من اللبنانيين الذين قرروا الرد على ما يقوّض كرامتهم وأمنهم ودستورهم وقوانينهم، من أجل تصفية حسابات سياسية أو تنفيذ التزامات خارجية، لأن حق الرد من الحقوق التي اقتضاها الدستور والبيان الوزاري، الى جانب السوابق التاريخية التي فرضت واقعاً مكرساً مفاده أن لا إمكانية من ترك لبنان بمنأى عن المقاومة في ظل الاحتلال الجزئي للإقليم اللبناني، وأطماع العدو "الإسرائيلي" بشأن مقدرات الوطن وخيراته.
ـ انضم لبنان، في عام 2008، الى «الميثاق العربي لحقوق الإنسان» بموجب القانون الرقم 1، الذي نصّ في الفقرة الرابعة من المادة الثانية على: «لكافة الشعوب الحق في مقاومة الاحتلال الاجنبي»، وبهذا النص فإن المقاومة من واجبات الشعب لا الجيش فقط، كذلك أعرب لبنان، بحكم مقدمة الدستور، عن التزامه بالمواثيق الدولية، والتي بدورها، في أكثر من صعيد، أكدت المقاومة وتقرير المصير، والدفاع عن النفس، وخصوصاً أنه ليس في القانون الدولي حق أشدّ رسوخاً من حقّ الدفاع عن النفس، ففيما توافقت دول العالم جميعاً على تحريم اللجوء إلى القوّة كوسيلة لحلّ النزاع بين الدول في ميثاق الأمم المتحدة، أقرّت استثناءً وحيداً وهو حال الدفاع المشروع عملاً بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على: «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة»، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالاً لحق الدفاع عن النفس تبلّغ إلى المجلس فوراً، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال في ما للمجلس ـ بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق ـ من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه».
ووضوح هذا النص، لناحية حق المقاومة والدفاع عن النفس ومرجعيته، لا يقبل أي تأويل أو تفسير. كما أن مقدمة الدستور اللبناني، كما سبق وذكرنا، تضمّنت أنّ «لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقوق الإنسان». وتجسّد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقوق والمجالات دون استثناء. وما يعنيه هذا الالتزام، بمقتضى هذه القواعد، حق اللبنانيين، في إطار من الأطر التي حددتها القوانين والبيانات الوزارية، في الدفاع عن الوطن ورد أي اعتداء.
لذلك، وبما أن المقاومة والدفاع عن النفس، والرد على أي اعتداء، ينسجم مع المنطق الحقوقي والسياسي، فمن المعيب بمكان أن تطرح فئة قليلة من اللبنانيين علامات استفهام على أمور بديهية تجاوزها النص والواقع.

جهاد اسماعيل، باحث في القانون الدستوري
نقلاً عن جريدة الأخبار، يوم الخميس 5 أيلول / سبتمبر، 2019