حلمي شعراوي يقرأ في كتاب ياش تاندون : “حرب التجارة، حرب الغرب ضد العالم”

الرأسمالية ودولة “العجز الديموقراطي” : دعوات إلى ثورة رابعة تجدد التفكير الدولتي في الغرب
الأغنية التراثية السورية وتعريفها
فن الرسم في فرنسا الاستعمارية

خاص ـ الحقول / «تاندون» يطرح شعار: «مطلوب أكثر من قارب فى المحيط ». ليست الحرب المسلحة هى الوحيدة التى تعيشها الإنسانية وخاصة مع الصراعات الأفريقية المتعددة الوجوه ، ولا حرب الإرهاب التى تنغمس فيها معظم القارات الآن . ذلك لأنه ثمة حربا أخرى هى حرب التجارة التى تقودها منظمتها العالمية ، والتى تمس حياة الشعوب فى الزراعة والصحة والمياه .

وها هو صديقنا الأستاذ الدكتور” ياش تاندون ” يصدر كتابه عن تلك الحرب القديمة الجديدة بعنوان ” التجارة : حرب الغرب ضد العالم

” Yash Tandon: Trade is war : West,s War against the World – OR Books- 2015.

وأنا أقدمه هنا للباحثين العرب بوجه خاص لأننا اعتدنا تقديم المفكرين فى الغالب من ميادين الفلسفة أو الأدب والسياسة …ويسرى ذلك بوفرة فى المجال الأفريقى، وحتى العالم الثالث .. مع أن الاقتصاد يجمع من المفكرين من يشاركون أكثر من غيرهم فى مسيرة تغيير العالم والنظام الوطنى أو العالمى . ولولا الاقتصاد السياسى الذى يضع أسماء مثل” سمير أمين” ، أو “مارتيا سين ” فى مصاف المفكرين السياسيين أو الاجتماعيين ، ما كنا سمعنا كثيرا – فى العالم العربى – عن هذه الأسماء ، التى تظل بالفعل بعيدة عن اليومى، رغم إنتاجهم الوفير بكل اللغات …!

هذا هو شأن صاحبنا أيضا الأستاذ الدكتور “ياش تاندون” Yash Tandon الذى أمضى أكثر من أربعين عاما الآن كاتبا ومحاورا فى قضايا أفريقيا والعالم الثالث، منذ كان مدرسا شابا فى أوغندا – جامعة ماكاريرى- وهو من أصل هندى، حتى صار أستاذا فى جامعة “دار السلام” بتنزانيا فى الستينيات ومستشارا دوليا ، ومتخصصا فى قضايا التفاوض الاقتصادى ، والأرض الزراعية ، ثم رئيسا لمركز “الجنوب” بسويسرا ، واستشاريا لحكومات ” زيمبابوى” ، ومجموعة شرقى افريقيا كما عمل أستاذا باكاديميات لندن ونيويورك” …وهو يتابع حركة العالم الثالث تجاه الشمال بالكتابة والمحاضرة ، وخاصة حول قضايا الديون ، والمساعدات الأجنبية التى يستغلها “الشمال” ضد شعوب الجنوب ، وخاصة عبر قواعد” منظمة التجارة العالمية ” .

آخر اجتهادات ” ياش تاندون ” فى هذا الصدد – بعد كتابه الهام عن ” نهاية المساعدات ” الأجنبية أو تشوه مصائرها – كان ما أرسله لى مؤخرا وهو كتاب “التجارة حرب : وبعنوان فرعى : حرب الغرب ضد العالم …” !Trade is war : The West,s War against The World والذى نشرته دار OR .

وتبادلنا الأمل أن يُنشر مترجما إلى العربية، لشعوره الشخصى أن المعركة تخص شعوب منطقتنا، مثلما هى رئيسية بوجه خاص بالنسبة للشعوب الأفريقية، وبقية شعوب الجنوب .

والكتاب يعبرعن خبرات “ياش تاندون” المباشرة مع بعض حكومات شرق أفريقيا، وزيمبابوى، مهتما بكشف آليات الحرب الضروس على مقدرات شعوب الجنوب، تحت شعارات مثل تنمية التجارة التبادلية، أو الشراكة، ثم تنتهى بقواعد للتجارة العالمية تتيح اختراق كل حدود الجنوب وجماركها، ولكنها تتيح أيضا حماية دول كبرى من أغنى دول العالم لمنتجاتها وزراعاتها، بصراحة تصل لحد “الوقاحة الدولية” إن صح التعبير . كما يمكن أن نرى بالنسبة للقطن والسكر، والكاكاو والبن …الخ

وهويلفت النظر إلى أنها ليست معركة التبادل التجارى فى هذا المجال ، وإلا نجحت مواقف الاكتفاء الذاتى ، أو فرض الحمايات الوطنية …الخ ، ولكنه يوجه إلى علاقة قواعد التجارة نفسها بقضايا الصحة والغذاء ، والمياه ، وما يسمى بمقابل مساعدات التنمية …أى أنها تتعلق بكل جوانب الحياة ، فى حرب ضروس ضد إمكانية شعوب العالم الثالث فى التنمية .

وحتى فى المجال التجارى البحت ، يستعين “تاندون” بما يكتبه مفكر أفريقى آخر مثل ” كارلوس لوبيز” ( من غينيا بيساو) والذى يتولى الأمانة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأفريقيا ( أديس أبابا) حيث يرى أن التجارة البينية بين دول الجنوب ، وإن زادت إلى نسبة 57% عام 2012 عن 42% عام 1995 ، فإنها لا تبلغ أكثر من نصف تجارة الصين العالمية، ولا تزيد عن 4,7 ترليون دولار، بيما التجارة العالمية تصل إلى 18 ترليون بفضل هيمة “الشمال” على هذه التجارة …لكن “كارلوس لوبيز” يبدو متفائلا بدخول مجموعة “بريكس” مجتمعة لهذه الحلبة من السباق ، بينمايضع ” تاندون” كثيرا من المحاذير حول هذا التفاؤل …بل وأن ” تاندون” يجادل تفاؤلا آخر لرئيسة صندوق النقد الدولى ” كريستين لاجارد” ( فبراير 2014) حول ما تسببه الدول الكبرى من إفقار لشعوب الجنوب بسبب مركزية القرار الرأسمالى ، وترى ضرورة ان تدفع تحديات القرن الواحد والعشرين إلى نوع من الاصلاح و التعددية فى النظام الرأسمالى العالمى مما يخفف من وطاة هذه السياسات الغربية .

وهنا يرى “تاندون” – مثل صديقه “سمير أمين” ، أن الرأسمالية تمضى إلى طريق مسدود ، ولن تسمح بتعددية المراكز الراسمالية بالذات رغم مشاهدتها حركة الصين ومجموعة “بريكس” أمامها …( يشبه عالم الراسمالية بمركب كبير يهرب منه المقهورون في قوارب تصغر او تكبر ..)

ويبدو أن “ياش تاندون” يتفاءل من أن اعتماد مركز العولمة الغربى فى الولايات المتحدة على القوة العسكرية فقط ، لا يمكن أن يحقق تقدما “إصلاحيا” على نحو ما ترى ” كريستين لاجارد” ، لأن الولايات المتحدة تقيم رأسماليتها على أساس قوتها العسكرية ، وليست الاقتصادية بالأساس . أو أن انتاجها العسكرى هو محور القوة والتجارة فى آن ، إذ يبلغ انفاقها العسكرى 682 مليار دولار ، بما يزيد على إنفاق أكبر عشر دول فى العالم عام 2012 والذى يقف عند 652 مليار دولار ! ( بما فيها روسيا والصين ودول الاتحاد الأوربى الكبرى والسعودية والهند واليابان …!) .

من أجل ذلك يرصد ” ياش تاندون” أشكال إجبار الدول الصغيرة على الطاعة ، وتساعده الأمثلة الأفريقية ، من تغيرات الحكم فى الصومال ، إلى التفاوض مع جنوب أفريقيا لتصفية حكم “موجابى” فى زيمبابوى ، إلى فرض شروط الشراكة ” ومساعدات التنمية ” فى غرب وشرقى أفريقيا ، باتفاقيات متعددة الوجوه .

وفى أكثر من موقع فى الكتاب يذكر “تاندون” تجربته الخاصة فى الحضور كاستشارى مع بعض الوفود الأفريقية فى مفاوضات ” منظمة التجارة الدولية ” WTO فيورد كيف كان يجرى الاتفاق مع دول كبيرة وصغيرة من بلدان الجنوب على رفض بعض القواعد المفروضة فى اتفاق منظمة التجارة العالمية …وبعد الاتفاق على الرفض ، لاحظ “تاندون” أن الدول الغربية الكبرى تستدعى بعض المندوبين الأفارقة وغيرهم فى غرف تشاور خاصة تعرف بالغرف الخضراء Green Rooms فيخرجون منها موافقين على الاقتراحات القهرية للدول الغربية ! ( جعلتنى إشارات “تاندون” هذه أتصورها مثل “غرف الفئران ” التى نرعب بها الأطفال ، وإذ بهذه الفئران هى فعلا ” مفردات مساعدات التنمية ” التى توهمنا بها الدول الكبرى !.

يفرد “تاندون” فصولا فى كتابه لأوجه المقاومة ، ودور المجتمع المدنى فى تعطيل بعض الاتفاقيات ، وظهور بوادر قوة عند بعض مجموعات الجنوب وخاصة “بريكس” ، لكنه يسجل التحذير الدائم من قوة توحد “الشمال” ( رغم بداية ضعفه) ، مقابل استمرار ضعف كتلة الجنوب ، وقد سجل تاندون قلقه الشديد باسم المجتمع المدني الدولي المحيط به حول المؤتمرالوزاري العاشر لمنظمة التجارة العالمية في نيروبي (كينيا ) في 19 ديسمبر 2015 ، وفي اول فقرة من بيان التجمع المقاوم علي أبواب المؤتمر يقول :”ان عملية “الغرفة الخضراء” تستبعد افريقيا وتهمشها من فوق أرضها ، ويفرض ما يخلق البطالة الواسعة ويضر بحياة الملايين، ويحول المواطنين إلى لاجئين في بلدانهم ويحطم السيادة الغذائية والحيوية .. …الخ “مؤكدا علي ضرورة تحالف افريقيا والهند ضد سياسات ” الامبراطورية ” …. وهنا يتجه امله في نجاح محاولة الجنوب لفرض مراكز متعددة لتنموية جديدة حتى وإن بدأت رأسمالية …لأننا ” فى حاجة إلى : ” أكثر من قارب فى المحيط ” على حد تعبيره ، مقابل سفينة الرأسمالية المكتسحة …

COMMENTS