حوار مع “مثقفين مصريين” : في شأن تحرير حلب و(بعض) آثاره السياسية والإستراتيجية

“معركة بين حربين” في الجولان : صواريخ محور المقاومة تصلي مجمعات عسكرية “إسرائيلية”
“قضاة الحديقة” داسوا تواقيع العرب والمسلمين على اتفاق “المحكمة الجنائية الدولية”؟
تحيةً إلى فُقراءِ فرنسا : “في أهمية التحليل النقدي للرأسمالية”

بعد اكتمال تحرير مدينة حلب، في الأسبوع الماضي، "اندلع" حوار بين عدد من "المثقفين" في مصر الشقيقة، لتفسير أو تحليل هذا التغير الإستراتيجي الكبير. عرض هؤلاء المواطنون آراءهم "الحلبية" تلك، وناقشوها، على إحدى صفحات مواقع التواصل، حيث شاركنا بالحوار في الصفحة نفسها. نفترض أن مبادرة هؤلاء "المثقفين" إلى إبداء الرأي في المسألة السورية، وبالذات، في معركة تحرير حلب من قوى التكفير الإرهابية، يحمل قيمة فكرية ـ سياسية معينة، ما حضنا على نشر المقتطفات الرئيسية من الحوار، دون ذكر الأسماء الصريحة لأي منهم.

من الذي انتصر؟
يقول السيد م. أن "الكل مهزوم .. في حلب ، لم ينتصر احد .. رفعت الأقلام وجفت الصحف". ويقول السيد ع. أن "الكل مصاب فى بلاد العرب، هذه حقيقة يجب ان نعترف بها، فيجب ان نستمر حزنا، فالضحايا عرب اولا وعرب اخيرا. والمستفيد هو عدو اولا وعدو اخير". أما السيدة ر. فإنها بعد أن تحيي "صوت العقل…"، تقول :  أنه "لا مجال للاحتفال بالانتصار".

يتخذ السيد م. موقفاً سياسياً متردداً. هناك مهزوم هو الجماعات الإرهابية والتحالف الأطلسي ـ "الخليجي" الذي يدعمهم. وهناك منتصر هو النظام وكل محور المقاومة. المهزومون خرجوا من الميدان، وأين في حلب، أهم مدينة سورية من بعد العاصمة دمشق. وقد رأينا ردود فعل مختلفة من التحالف، أهمها إعادة إدخال الدولة الإسلامية / داعش إلى تدمر، واغتيال السفير الروسي في أنقرة، وقرار أوباما تسليح "المعارضة السورية" بصواريخ مضادة للطائرات.

ونلفت السيد ع. مع التقدير والإحترام لعواطفه، إلى : أولاً، فإن "الضحايا" ليسوا كلهم عرب. هناك أقوام أجانب كثيرة (تركمان، ويغور، أتراك، شيشان، كازاخ، إضافة إلى مقاتلين أجانب من أميركا وأوروبا)، جاءت إلى المدن والبلدات السورية، ومنها مدينة حلب، تحت شعارات "جهادية"، وقد أصبحت تديرها كإمارات إسلامية في إدلب والرقة ودير الزور والباب و….

ثانياً، حتى إذا كانت كل هذه المجموعات الإرهابية التي خرجت من شرق حلب أو غيرها، سوريين عرب، فإن موقفهم السياسي الرجعي المعادي للدولة والمجتمع، يجعلهم أعداءً للشعب بكل معنى الكلمة. إلا إذا أردنا اعتبار الإرهابيين الذين يقتلون الجنود في مصر وسوريا والعراق والجزائر هم من الشعب، حتى وإن كانوا يحملون جنسية البلد. نوافق ع. على أن العدو هو المستفيد، إذا كان يعني بذلك "إسرائيل" والحلف الإمبريالي. وكذلك، النظام الوهابي الحاكم في الحجاز ونجد.

لا نعلم كيف رأت السيدة ر. أنه "لا مجال للاحتفال بالانتصار". لا مجال!. هل أنها تساوي بين الجيش العربي السوري، والإرهابيين؟. بين شهداء الجيش الأول للجمهورية العربية المتحدة وقتلى الجماعات التكفيرية الإرهابية!؟.

كيف باتت الأوزان الإقليمية؟
استنتج المواطن ش. إن "تحرير حلب يضاعف نسبياً الادوار الاقليمية لكل من مصر وتركيا. والصعوبة الان في الموصل. ويا ليت مصر تلاقي لها طريق. لكن السياسة الخارجية لا تنفصل عن الداخلية ….. يحتاج الموقف للضغط للتحرر من [دول] الخليج [العربي]. لكن من يحررنا من [الرئيس الأميركي دونالد] ترامب……؟".

لقد أصاب المواطن ش. باستخدامه مفهوم "التحرير". نعم، سوى ذلك، من التحليل والفهم لطبيعة معركة حلب ونتائجها، نكون حزانى على دحر "الإخوانيين"، و"القاعدة"، ومجموعات وهابية، ورعاع، كانوا يسيطرون على الجزء المحرر من المدينة. أما عن الأوزان والأدوار الإقليمية، فإنها تغيرت، طبعاً : تركيا تراجعت. السعودية تراجعت. وكذلك قطر.

مصر تعزز موقفها في المسألة السورية وفي ملفات إقليمية أخرى. بمعزل عن نظرتنا إلى حركة إدارة السياسة الخارجية في القاهرة. وحينما نقول تعزز، فهذا يعني أن الموقف المصري في الإقليم بات أقوى تجاه تركيا و"الخليج"، وكذلك تجاه إيران. موضوع تحرير الموصل، نعم، الأميركان، في العراق، أبطأوا الحركة العسكرية الميدانية، لأنهم ما زالوا يجربون دفع داعش نحو سوريا. يريدون الحفاظ على سيطرتهم على محور الحركة بين سوريا والعراق. أما ترامب فإنه نقاش آخر.

معركة حلب و"العولمة العسكرية"
يسأل المواطن م. المواطن ش. : "المشكلة يا صديقي ش. هي : هل تحررت حلب فعلاً ؟ .. او / هل تحررت المدينة وتم احتلال سوريا؟ .اما عن مصر فقد ارتضت البقاء على هامش الصفحة .. او هكذا اتصور". ويجيب صديقه ش. : "على الاقل ستعود المسألة محلية، وما تسميه الاحتلال، خَطِر، صحيح. لكن الروس وايران ارحم، وليسوا بعيدين عن البعث، وثمة شر ارحم من شر… ان كانت الشعوب مرشحة كلها للهلاك… واقترح يا صديقي م. تَدَخُّل القوى الوطنية المصرية لدى مقابلهم [نظرائهم] السوري، وانا اقترحت ذلك من فترة ووجدت صعوبات. لكنك شخصيا يمكن أن تعاود الطرح ,.. وللحديث بقية". ويرد المواطن م.: "أتمنى ذلك".

تجيء ملاحظة المواطن ش. أنه : "على الأقل ستعود المسألة محلية"، بمكانها بالضبط. أجل، مطلوب أن يبقى الصراع الإجتماعي ـ السياسي الداخلي في الإطار الوطني. إن ضعف الدولة في كل أقطار الوطن العربي، وفي العالم الثالث، يشجع الإمبرياليين والصهاينة، على تدويل هذا الصراع. إما بتفجير الإطار وتفكيك أو تفتيت الدولة، أو بالضغط المتواصل عليها من أجل تدويل الصراع.

إن نجاح الجيش العربي السوري وحلفائه في صد موجة العولمة العسكرية الكاسحة، عند أسوار حلب، يعزز التيار الأوراسي في النظام الدولي، الذي يضم مجموعة من الدول القومية المستقلة نسبياً، وبتفاوت (بريكسا، إيران، كوبا، فنزويللا، بوليفيا، مصر، الجزائر، فيلبين مؤخرا …) عن نظام الهيمنة الإمبريالي الأميركي، الذي ظهر عقب الحرب العالمية الثانية.

معركة حلب ومصير النظام الإقليمي العربي
إن انتصار حلب يساعد في إعادة ضبط الصراع السوري ضمن الإطار الوطني، ولذلك، فهناك اساس للدعوات التي انطلقت للتفاوض وللتسوية ووقف إطلاق النار ألخ، بعد دحر الإرهابيين عن حلب. إننا آسفون على تجاهل مثقفين مصريين وغيرهم من العرب، وبعضهم من أصدقائنا، ارتباط الحرب على سوريا بانهيار النظام الإقليمي العربي، المعروف بـ"جامعة الدول العربية". وأنه بعد ست سنوات من هذه الحرب الرهيبة والمدمرة، ما زال هؤلاء المثقفون يجهلون بأن السبب الرئيسي لشن هذه الحرب، ليس مفاسد النظام السوري وموبقاته، وإنما إعادة تشكيل النظام الإقليمي تحت عنوان "الشرق اوسطية" المعروفة. كما أنه لو نجح الحلف الإمبريالي وأذنابه في تركيا والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، وفي "السعودية" بتحقيق هدفه، اي انهيار "الجمهورية العربية السورية"، لكان المشرق العربي، بما في ذلك مصر سيقع أسير حقبة طويلة جداً من العبودية السياسية للكولونياليين الجدد.

ونضيف إن موقف هؤلاء "المثقفين"، مثلاً، رد أ.س. على مواطنه ح. إذ يقول : "في سوريا يوجد فقط هزائم"، هو موقف هزيل. مثلما أنه رأي ضعيف، مشحون بالعواطف والأفكار المعادية لسوريا، التي تراكمت طيلة المرحلة السابقة للحرب عليها. ومثل هذا الموقف لا يستند على أي تحليل اجتماعي ـ تاريخي لنشأة وتطور (نوع معين من) الدولة (الجمهورية) العربية في مصر وسوريا والجزائر والعراق وليبيا واليمن، ولا يحترم تضحيات العرب وكفاحهم في مواجهة الصهيونية والإمبريالية لتعديل موازين القوى الإقليمية والدولية، والتأثير في منظومة العلاقات الدولية، على مدى التاريخ الحديث والتاريخ المعاصر.

احتلال أم تحالف؟
في شأن الحديث عن "احتلال سوريا" من جانب إيران وروسيا، فقد أوضحنا للمواطن ش. أن القائلين به منقسمون بين جهتين : التحالف الأطلسي وطبعاً، أتباعه "الخليجيون" والأتراك. وهؤلاء هم قوى الحرب العدوانية على سوريا. "المثقفون"، الذين أشرنا إليهم قبلاً، بمن فيهم المواطنة ش. التي رأت أن "حلب اتحررت علشان سوريا تضيع". إن هؤلاء المثقفين يجهلون أن منظومة الأمن الإقليمي الجديدة، قد ظهرت من قلب النار السورية. وهذه المنظومة التي تمتد خطوطها الدفاعية من شرق البحر المتوسط إلى قلب أوراسيا، هي التي وضعت "إسرائيل" في الفخ الإستراتيجي الراهن. وهي التي تفرض هذا العمل العسكري الميداني المشترك بين إيران وروسيا والمقاومة اللبنانية في الأراضي السيادية للدولة السورية، من خلف وأمام وعلى أجناب الجيش العربي السوري. كما أن هذه المنظومة هي التي تسمح للجيش الروسي باستخدام قواعد عسكرية سيادية للدولة الإيرانية لضرب مواقع الإرهابيين في سوريا.

إننا ندرك أكثر من كثير من المتباكين على حلب، وعلى كل سوريا، ولا أقصد أيّاً من السادة الأفاضل الواردة أسماؤهم في هذا الحوار، التغيرات الجوهرية التي طرأت على النظام السوري وعلى المجتمع السوري وعلى الدولة السورية خلال السنوات الست الماضية. ونحن ندعو إلى فهم واستيعاب هذه التغيرات حتى لا نمضي بنفس المواقف التي اتخذت عام 2011.

لكن قبول هذه الدعوة يرتب المشاركة في المواجهة مع الأطلسيين و"التعاون الخليجي" وتركيا، ومع "إسرائيل"، الذين يريدون الحفاظ على موازين القوى عند عام 2011. فهذا التحالف الرجعي المدمر يملك مصلحة في ترويج ونشر مثل هذه الإدعاءات. أحد تلك المتغيرات، هو أن لسوريا، بل إن لكتلة سوريا ـ لبنان جملة حلفاء، يؤازرونهما وقت الشدة. إن حماية المصالح القومية بالتحالف وطلب الدعم بين دول صغرى ودول كبرى أو عظمى، هو أحد ديناميات السياسة الناجحة، في غابة العلاقات الدولية.

في حقيقة المأساة السورية
لقد أبدينا تأييدنا للمواطن ش. بدعوته "الوطنيين السوريين مهما كانت اتجاهاتهم العودة للبلاد ولملمة اهلهم من شوارع اوروبا وأمريكا". نعم، لأن واجبهم هو التصرف كوطنيين، وقوميين، لا كعملاء أو مطايا لأجهزة الإستخبارات الغربية والصهيونية والتركية، وكل "مجرمي" النظام الدولي. وحسبنا جميعاً أن نتذكر، عل الذكرى تنفع، كيف دمر أولئك "المجرمون" مصر بعد 67، واسروها بالإتفاقية. ثم دمروا لبنان عام 75 ـ 82، وأركعوا أو جروا منظمة التحرير خلفهم، واستمروا بتدميره حتى عام 89.

من بعد دفعوا العراق إلى أتون الحرب مع إيران، ثم إلى الكويت وما تلا ذلك من حصار وتدمير، قبل أن يأتي الغزو الأميركي الغربي في عام 2003 على العراق نفسه. وسبق غزو العراق، إحراق الجزائر لعشر سنوات بنار الإرهاب الإسلامي التي أضرم أوارها أولئك "المجرمون" أنفسهم. ثم عاد هؤلاء كرّة الغزو العسكري في لبنان عام 2006. قسموا السودان، ودمروا ليبيا، ودمروا سوريا، قبل أن يشعلوا الحرب في اليمن.

إن الإرهابيين الخارجين من حلب لم يكونوا جماعة واحدة. المسلحون، وبعضهم ضباط استخبارات أجنبية أو مسلحين أجانب، أو مجموعات تركمانية وشيشانية محسوبة على تركيا تحديداً، جرى سحبهم في الدفعات الأولى للحافلات التي خرجت من حلب. أما البقية من المسلحين فقد غادر أغلبهم إلى إدلب. بعضهم يبقى فيها، والبعض الآخر، ستسحبه تركيا لضمه إلى الميليشيا العسكرية (أمس، قال أردوغان أن اسمها "الجيش الحر". قبلاً، حمل المنتسبون إليها أسماء فصائلية مختلفة) التي شكلتها في الأراضي السورية التي احتلتها في قرب الحدود الشمالية.

أما المدنيون فمنهم من هو بالفعل من أسر المسلحين وغادر معهم. وهناك من رجع مباشرة إلى مناطق الحكومة السورية. ولكن هناك عائلات خرجت من شرق حلب إلى إدلب، وتريد العودة منها، الآن، إلى مناطق الحكومة. وليس من المعلوم هل أن هؤلاء أجبروا على الرحيل مع المسلحين، كدروع بشرية، أسوة بالجرحى والأسرى الذي أعيد اختطافهم مجدداً إلى إدلب. وللعلم أيضاً، فإن مناطق الجيش السوري لا تعرف أي تمييز مذهبي أو طائفي من أي شكل أو لون، وهذا أكيد.

هيئة تحرير موقع الحقول
‏‏الجمعة‏، 01‏ ربيع الثاني‏، 1438، الموافق ‏30‏ كانون الأول‏، 2016