“إلعنوا بوش” : وثيقة بالصورة والصوت

“إلعنوا بوش” : وثيقة بالصورة والصوت

الديموقراطية والحقيقة : “ويكيليكس” تفضح أسرار الحكم “الإخواني” في تركيا
نص البيان الختامي لمؤتمر الحوار الوطني السوري في مدينة سوتشي
الكويت : وزير المالية يوقف “اختراقاً إسرائيلياً” وتشكيل لجنة تحقيق

رأيت احذيتهم الصغيرة، قديمة الطراز، مبعثرة بين الركام، ورأيت فيما رأيت اخشابا واحجارا ونوافذ مشلّعة افترشت الارض
 انها احذيتهم الصغيرة التي امتزجت بدمائهم
 وكانت قديمة شبه بالية، لكنها كانت، على الاقل، تقيهم غبار الشوارع الفقيرة والمعدمة والمغبرة والقاسية على وطء اقدامهم الطرية
لا اعرف وجوهكم،
 لكنها ما من شك هي فاتنة وهي وجوه مفعمة بالطهر والدهشة
لم ار لكم اجساداً، اليس لكم  من اجساد؟ 
بلى، اجساد صغيرة تتقافز مشيا في المكان. هي اشلاء الآن.
تخيلوا معي تلك الاجساد المُجهدة بفعل الجوع والخوف، 
اجساد لأطفال عراقيين ابرياء: كانت لهم ابدان نحيلة تغرق في اسمال رثة
 ينتعلون الاحذية الصغيرة العتيقة
 وقد اختلطت مع اشلائهم المرمية هنا وهناك
 لم يستعدها احد بعد، هم لن يعودوا لالتقاطها وانتعالها من جديد
 قد  يمر بها طفل معوز ومشرد، فيحملها ببسمة فوز ورضا
 مضى  عليه شهر من الزمن وهو ينتعل الحفاء بعد اندثار بيته اثر ضربة جوية في الحي الملاصق
اليوم يوم سعده، حظي بمداس يقيه المسامير المتطايرة والزجاج المتناثر والرمول
 وتقيه الدماء التي لم تجف وما أمطرت فوق بغداد فيجرفها سيل وتختفي
ولدوا كي يموتوا!
هكذا اعلنتامرأة ذات حجاب اسود وقسمات قاسية تفيد عن وجع قديم- جديد
مرّت من هنا ورأت فيما يشبه خبرتها- كما رأيت انا تماما- اغراض اطفال فقالت: ان الذين قضوا هنا ذوات اجساد صغيرة 
ثم تحسّست بطنها تحت الملاءة فبدا منتفخاً: حبلى
ولسوف تلد طفلا كي يموت هنا في العراق الكبير
اجل! في العراق الكبير، الصغار ايضا يموتون بل يُقتلون قبل ان يدركوا كنه الوجود
 يكبر الكثيرون من امتنا ويقابلهم الموت في سنين متقدمة قبل ان يسألوا عن هذا الوجود!
ما حكمة البارىء ؟ ما الحاجة الى الخليقة؟ واسئلة لم اعد اذكرها لاني لم اسمعها ممن عاشوا قبلي
إتّكأت على حائط مهدّم
أومأ اليها عجوز من بعيد وهو مذعور، ان ابتعدي، سوف يهبط،
فمالت على الحائط اكثر، تتخذ وضعية مريحة، استندت اليهة غير آبهة،
عاود العجوز تحذيرها، رفعت يدها كأنها تسكته: لا عليك
ركضوا ذوات الابدان النحيلة المشردة باتجاهها،
جلسوا القرفصاء تحت قدميها العاريتين الا من سواد ومن رمادر
رداؤها طويل يلامس الارض في مشيها، 
تعلة اطرافه الوحول، البلل، الدماء
لا يهم،
انحنت كأنها تختفي بينهم او تختبىء بأجسادهم او تتدفأ بما بقي من دفء في ابدانهم الضامرة
غطت وجهها بكفين خشنتين وبكت وبكت وبكت
علا نحيبها وارتعد جسدها الكبير بين الاجساد الصغيرة المتكورة حولها
نسوة تجمهرن حولها 
رجال مروا بجانبها كدّرهم الضيق وهدّتهم الحرب فقالوا: لاحول ولا قوة الا بالله 
ثم تابعوا سيرهم
وحده العجوز لم يبارح، لم يحذ حذوهم، توجه نحولفيف النساء والاطفال، توجه نحوها،
يمسح دمعا عزيزا، يخاطبهن بصوت حثيث، ان العنوا بوش كل صباح، كل مساء، كل صلاة، كل موت،
 العنوه والعنوا ابوه والعنوا امه ومعهما الرجل الابيض وكل اجداده،
انتحبت اكثر فأكثر وبلهجتها العراقية البديعة كلام لم اسمعه جيدا،
لكني فهمت منه الحرقة والم الفقد والحيف 
الجرح لا يؤلم الا من به جرح،
ورددت طويلا: هنا ولدوا واشارت بإصبعها وهنا ماتوا،
هنا ناموا وقبل النوم ضحكوا ولعبوا ولم يغتسلوا
هنا بكوا جوعاً وهنا رضعوا ضرعا جافاً،
هنا سقطوا، وهنا غفوا الى الابد، هنا هنا مشيرة الى صدرها
امرأتان تولتا انهاضها مماغرقت فيه
امرأتان اكتحلت عيونهما بالهموم والقهر وبالمرار مما تذوقه هذه المرأة
مشين واختفين في الدرب المكدس بالبيوت المدمرة الفقيرة الاصل،
بعضها يختلط اثاثها البالي بحجارتها 
وحديد بنيانها الصدىء ينبت من جدرانها المتداعية
هي تسكن قرب مطار بغداد، في طفولتها كانت تطارد الطائرات بأجنحتها اللامعة تحت شموس حارقة
هدير الطائرات اليوم، مانع لأي متعة، 
انها تقذف الاجساد الصغيرة خارج الحياة
ـــــــــــــــــــ
ملحوظة : كان هذا النص مفقوداً، قبل أن أعثر عليه منذ أيام. لقد كتبته أثناء الغزو الأميركي للعراق، في عام 2003. وما ارتكبه من مجازر وجرائم بحق المواطنين العراقيين، لا سيما الأطفال. وقد وثقت بعضها، يومذاك، كاميرات القنوات التلفزيونية. 

نجوى زيدان، كاتبة وصحفية عربية من لبنان
14 شباط/فبراير، 2018