لقاء بن سلمان ـ ترامب وتأثيره على مستقبل المملكة العربية السعودية؟

السعودية في متاهة الحروب المزمنة؟
5300 موقع لمعادن السعودية
تقرير أميركي : بن نايف مريض، وبن سلمان سيصير ملك السعودية؟

يتصف لقاء الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الأميركي دونالد ترامب بأهمية شخصية. فالأمير الشاب يظن أنه قد عثر على المفتاح السحري للمأزق الإقتصادي ـ المالي الذي وقعت فيه السعودية. نتذكَّر أنه "شرح" في مقابلته الشهيرة مع مجلة "إيكونوميست" في آذار / مارس 2015، ما يُطْلِق عليه "رؤية 2030" التي ستدمج "اقتصاد النفط" في المملكة الوهابية بـ"اقتصاد الكازينو" الناشئ على يدي بن سلمان. خلاصة "الرؤية" أنه قرر خصخصة كل أو بعض أصول "شركة أرامكو"، وطرحها للبيع في أسواق الأسهم.

المسؤول الشاب على عجلة من أمره. تعترف تقارير الصحافة السعودية بأن نجل الملك، الذي يصارع أقرباءه على "عرش" الحكم القبلي، قد نَقَدَ ترامب، مسبقاً، ثمن هذا اللقاء. تكشف تلك التقارير عن أنه عقد مع الرئيس الأميركي "سلسلة تفاهمات هامة"، تتضمن "إطلاق استثمارات سعودية كبيرة في الولايات المتحدة". "فتح فرص للشركات الأميركية للدخول إلى السوق السعودية وفق رؤية المملكة 2030". وتنفيذ برنامج مشترك لمشاريع تطوير تقدر قيمتها بنحو 200 مليار دولار، خلال السنوات الأربع المقبلة".

حقق بن سلمان "حلمه" المنتظر بالحجِّ إلى واشنطن. ممثل "الجيل الثالث" في الحكم القبلي يسير على خطى أسلافه. يوقن محبوه ومبغضوه من أنسبائه، الذين يتنازعون، خلسة، "كرسي العرش"، بأن وجود "المملكة العربية السعودية"، كياناً ونظاماً وحكماً، موقوف على "حماية" الولايات المتحدة له. صورة لقاء بن سلمان ـ ترامب كانت ضرورية لإقناع أو ترهيب مبغضيه، بأنه كسب "معركة العرش" وعليهم التخلي عن منازعته المُلْك. لكن اللقاء لا يجيب عن السؤال المصيري المعلق في السعودية : "أين هذه الحماية"؟.

حصل ترامب على مراده من أقوى المرشحين لتولي عرش المملكة العربية السعودية : المعطيات الإحصائية عن أوضاع البنى التحتية وقطاعات التعليم والصحة والصناعة، لا تترك شكاً بتراجع قوة الإقتصاد الأميركي، بل تداعي بعض أسسه. تنمو القوى الإقتصادية للدول الأوراسية، ويستمر انزياح القوة في النظام الدولي نحو الشرق والجنوب في العالم. وكل دولار "ابتزه" ترامب من بن سلمان هو مكسب صاف لإدارته، يزيد سرعة دوران العجلات الإقتصادية الأميركية أمام أقطاب النظام العالمي الجدد.

واجه الحكم القبلي السعودي سؤال "الحماية" منذ بداية فوضى "الربيع العربي". في عام 2011 بالضبط، مع اندلاع حرب الإرهاب على سوريا. ثم في اليمن، بعدما أشعل حكام الرياض، وتحديداً الأمير محمد بن سلمان شخصياً، نار الحرب الظالمة ضده. قبل ذلك، كان النظام السعودي ركناً قوياً في منظومة الهيمنة الإقليمية الأميركية. وللتوضيح، فإن خريطة هذه المنظومة تشمل كل الحدود العربية في "اتفاق سايكس ـ بيكو"، إلى الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة، والحكم الأطلسي في تركيا، إضافة إلى الأسطول السادس الأميركي.     

أما "الخطر الإيراني" الذي يُطَبِّلُ به صحفيو وكتاب وأكاديميو البلاط السعودي، فلا يبدو جاثماً، حتى يثير سؤال "الحماية" الوجودي لدى حكام الرياض. مثلاً، في المقابلة المذكورة مع "إيكونوميست"، وهي تعود إلى عام 2015، أجاب بن سلمان، رداً على سؤال عن "احتمال نشوب حرب مباشرة بين" السعودية وإيران، قائلاً: "هذا أمر لا نتوقعه مطلقاً، ومن يدفع بهذا الاتجاه فهو ليس في كامل قواه العقلية؛ لأن الحرب بينهما تعني بداية كارثة كبرى في المنطقة، وسوف تنعكس بقوة على بقية العالم، وبالتأكيد لن نسمح بحدوث ذلك".

أتى لقاء بن سلمان ـ ترامب كـ"مشهد" مألوف في السلوك والوعي السياسي القبلي السعودي. يؤدي الحاكم الوهابي "فروض الطاعة" التي تقررها واشنطن، مقابل "الحماية" التي تمنحها لـ"عرشه". هذه "الصفقة الدائمة" تُعَرِّف كل تمردٍ مجتمعيٍ، داخلي، أو عربي، وتواجهه، مهما كان حجمه أو مداه، على نظام الحكم القبلي، بكونه تمرداً على مصالح الإمبريالية الأميركية. هنا بيت القصيد. فإن نمو قوة محور المقاومة المادية والمعنوية، وبأسه الشديد على فوضى "الربيع العربي"، صَدَّعَ منظومة الهيمنة الإقليمية الأميركية.

بوسعنا أن نقف على أبعاد هذا الصَّدع، الذي جعل ضمانة "الحماية" الأميركية للعرش السعودي هشّة ومحل تساؤل لدى أصحابه، من خلال معاينة التغيرات السياسية والإستراتيجية التالية :    

1. خروج سوريا من دائرة الخطر الإرهابي التكفيري الماحق الذي كان يتهددها مجتمعاً ودولة ونظام حكم لحظة بدء الحرب عليها في عام 2011. منذ اليوم الأول، قاد الحكم الرجعي السعودي، وحلفائه، عمليات التخريب العسكري والسياسي لكل تسوية سورية ـ سورية لاحت بوادرها في الأفق. تدرك السعودية، جيداً، أنه لا نهاية لهذه الحرب بغير الحل السياسي، مهما طال أجلها. وأن النظام السوري، الذي استماتت لإسقاطه بالأموال وبالإرهابيين وبالإعلام والأفكار السوداء، سيكون في صلب هذا الحل، الذي يحفظ استقلال سوريا ووحدتها وسيادتها. وقد "شاهدت" الرياض صليات الصواريخ السورية في "إسرائيل"، واسترداد تركيا إرهابيي "حي الوعر" في حمص، بينما لم تشف بعد من "صدمة" الموافقة الأميركية على حضور مؤتمر آستانة.  

2. عجز "إسرائيل" طيلة سني الحرب على سوريا عن كسر التوازن العسكري والإستراتيجي مع محور المقاومة في جبهة سوريا ـ لبنان. أخفقت كل المحاولات التي قامت بها أيُّما إخفاق. حتى "جيب غزة" المحاصر، حافظ على عهد المقاومة للعدوان الصهيوني، وأذل "جيش إسرائيل". قد لا يمنع هذا "العجز" قادة الكيان الصهيوني من المغامرة العسكرية على أي من جبهات الشمال أو الجنوب. هذا الإحتمال في حسبان محور المقاومة، وهو مستعد له. لكن "إسرائيل" تعلم جيداً، أن "العالم"، اليوم، تغّير عما كان عليه في عام 2006.                            

3. نهاية السيادة الأميركية ـ الأطلسية على البحر المتوسط، التي استمرت منذ الحرب العالمية الثانية حتى عام 2015. لقد ضيقت المبادرة العسكرية الروسية في سوريا، هوامش المناورة الإستراتيحية لدى كل خصوم النظام السوري ووضعتهم على "شفير الهاوية". بعدما ظنوا أن بوسعهم شن "حرب بالوكالة" طويلة الأجل ضد سوريا، تتابع حرائقها إلى أن يبلغوا أهدافهم. وسَّعَتْ هذه المبادرة طريق الحل السياسي، وجعلت نهاية الحرب واقعاً ممكناً، بمقدار ما كرست القطب الروسي "لاعباً" أساسياً في النظام الدولي "ما بعد الغرب".

4. تفشي الثقوب في بنيان "الجدار الأطلسي" في تركيا. لا نريد القراءة في وقائع الميدان. سنكتفي بما ذكره أحد "الخبراء" الأتراك الذي كان من أول المبشرين بـ"النموذج التركي" في الدول العربية، أي "حكم تحالف العسكر والإخوان". قال : إن أردوغان يصفي الكتلة الأطلسية في الجيش التركي، وأن كتلة أوراسية تصعد فيه الآن. ورأى أن الحل السياسي للمسألة الكردية انتهى، والنزاع العسكري بين الأتراك والأكراد بات مفتوحاً. ثم ختم بأن تركيا ـ بلاده ـ تسير نحو الفوضى والحرب الأهلية. قال ذلك في عاصمة عربية منذ شهر ونيف.  

5. صمود القوى السياسية المستقلة في اليمن أمام دمار الحرب العدوانية التي شنتها السعودية على شعبه الأبيّْ. هذا تطور اجتماعي ــ استراتيجي. أولاً، لأن موقع هذا البلد العربي، الأصيل، يضغط على خطوط التجارة الدولية والممرات البحرية "الدولية" في شمال غرب المحيط الهندي وجنوب البحر الأحمر. مثلما يضغط على قلب شبه الجزيرة العربية، حيث تقع مملكة آل سعود. ثانياً، لأن اليمنيين الذين عارضوا بأغلبية كبيرة، "الحل السعودي" لأزمة النظام السياسي في بلادهم، يصححون اتجاه التاريخ، بإصرارهم على تحرير صنعاء من أغلال التبعية للرياض. ثالثاً، لأن صبر اليمنيين وثباتهم على مقاومة العدوان السعودي، الذي تدعمه أميركا ـ "إسرائيل" بقوة، أوقع محمد بن سلمان وبطانته المنافقة في شر أعمالهم القذرة. لقد صارت الحرب السعودية على اليمن مستنقعاً غير ذي قرار يهلك موارد السعودية، ويبددها. وصاحب القرار السعودي نفسه، أي الأمير بن سلمان، كان يدرك نتائج جريمته في اليمن. فقد رد على مراسل "إيكونوميست" حينما سأله، في المقابلة المشار إليها : "كم ستستغرق هذه العملية (الحرب على اليمن) من وقت؟، قائلاً : "لا يمكن لأحد بأن يتوقع مثل هذا الأمر في الحروب، من أكبر قائد إلى أصغر قائد، لا أحد يستطيع توقع ذلك".            

والسؤال "أين الحماية" الأميركية لعرش الملك سلمان وابنه الوريث، في ظل هذه المتغيرات الهائلة. وما قيمة نتائج لقاء بن سلمان ـ ترامب. فإذا كان الرئيس الأميركي مهتماً بإعادة ترميم القوة القومية الأميركية، على الصعيدين العسكري والمدني، فإن "نَتْفَ" خزائن السعودية و"تفريغ جيوب" السعوديين، يصبح مصلحة حيوية أميركية. ومن بعد لقائهما في واشنطن، من الجلي، أن ترامب سيشجع بن سلمان على أن يمضي في "حملاته العسكرية" الخائبة ضد سوريا (آخرها في حي جوبر ودرعا البلد) واليمن ومواطن عربية أخرى. اما قياد المملكة نفسها، فيظل مثل وجودها، بيد الرئيس ترامب وإدارته، التي قررت ـ على ما يبدو ـ أن مستقبل السعودية سيظل معلقاً بين خياري الإبتزاز لتوفير "الحماية" لأصحاب "العرش" القبلي أو إلقاء المملكة في فوضى التهلكة.

هيئة تحرير موقع الحقول
‏‏الثلاثاء‏، 23‏ جمادى الثانية‏، 1438، الموافق ‏21‏ آذار‏، 2017