ما بعد الحرب:إعادة تخيل النفوذ الأمريكي في “الشرق الأوسط الجديد”

“تدمير سوريا وتشريد شعبها من المسؤول؟”
برنامج “هدي قلبك” على OTV : مارسيل خضرا هل يقرأ في “كتاب” حبيب يونس؟
"سيلفي" للطائفية : ناصر القصيبي يسخر من الإنقسام الطائفي وأدواته

يوجه العديد من المحللين الانتقادات لإدارة”باراك أوباما” لعجزها عن تطوير سياسة خارجية تحمي المصالح الأمريكية،وتحافظ على علاقة الولايات المتحدة بحلفائها التقليديين في منطقة الشرق الأوسط في خضم التغيرات التي تشهدها المنطقة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.فقد كان للتطورات والتغيرات المتلاحقة التي تشهدها دول المنطقة تأثير في دولها ومصالح الدول الكبري،وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

في هذا الصدد، يأتي كتاب”ديفيد رود” الذي يقدم تحليلا ناقدا للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. فيسعى الكاتب إلى بيان أوجه القصور في أداء الإدارة الأمريكية في تنفيذ الخطوط العامة لسياساتها الخارجية، ويطرح رؤية جديدة للتعامل مع تغيرات في المنطقة،حتى تسترد الولايات المتحدة مكانتها ونفوذها.

سياسة المقاولات وغياب العنصر المدني
يري”رود” أن أبرز إشكاليات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تأتي من الداخل فيما يتعلق بالجانب التنفيذي،والآليات التي تستخدمها الإدارة في التعامل مع تحولات المنطقة. ولتوضيح ذلك، أفرد الكاتب جزءا كبيرا من الكتاب لبيان أوجه إخفاق الولايات المتحدة في العراق،وأفغانستان، وباكستان،منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وحتي الآن، كنموذج كاشف عن أسباب تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، وعدم قدرتها على حماية مصالحها.

فمع قدوم جورج بوش الابن إلى الرئاسة، تراجع تأثير المدنيين في تنفيذ السياسة الأمريكية إلى حد بعيد. وعلى الرغم من قيام الكونجرس بمضاعفة ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية USAID، فإنه قام في الوقت ذاته بتخفيض أعداد العاملين فيها بنسبة 30 بالمائة في الفترة من2001 إلي.2010 نتج عن ذلك أن أصبحت الولايات المتحدة تعتمد على المقاولين في تقديم المساعدات وتنفيذ السياسات. وحتي مع قدوم “أوباما” ومحاولته استعادة تأثير العنصر المدني في عمل المؤسسات الأمريكية المسئولة عن تنفيذ السياسة الخارجية، لم يستطع تحقيق هذه الغاية، نتيجة للنزاعات البيروقراطية الداخلية في الإدارة حول هذه القضية.

تعاظم دور المقاولين إلي حد أن أصبح نحو 30٪ ممن يعملون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية هم مقاولون تعاقدت معهم الإدارة الأمريكية، ويتولون مهام إجراء الاستجوابات، وتجنيد الجواسيس، والقبض على العناصر الإرهابية. ففي ذروة الحرب في العراق وأفغانستان، وصل عدد المقاولين المتعاقدين مع الحكومة الأمريكية إلى 46 ألف متعاقد، وهو الرقم الذي كثيرا ما فاق عدد الجنود الأمريكيين في كلا البلدين.

كبدت هذه السياسة الولايات المتحدة مبالغ طائلة، إذ إن تكلفة التعاقد مع المقاولين في الكثير من الأحيان كانت تزيد على تكلفة تشغيل الموظفين الحكوميين. فلقد دفعت الحكومة الأمريكية نحو 206 مليارات دولار لأشخاص تعاقدت معهم في أفغانستان والعراق من 2001 إلى2011، تبين أن ما بين 31 إلى 60 مليار دولار منها قد أهدرت.

ومن أمثلة الشركات التي حصلت على أموال باهظة من الإدارة هي شركة Dyn Corp،التي تعاقدت معها الولايات المتحدة لتدريب الشرطة العراقية، وأكاديمية تطوير التعليم،التي حصلت على مبالغطائلة من الحكومة الأمريكية،على الرغم من أنها منظمة غير هادفة للربح.

الولايات المتحدة ودول “الربيع العربي”
يرى الكاتب أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أرادت الولايات المتحدة أن تتبني استراتيجية،الغرض منها إعادة ترسيم المنطقة،وتمديد قواعد نفوذها فيها. إلا أن تغيرات الأوضاع، خاصة بعد أحداث الربيع العربي، جاءت بما لا يخدم المصالح الأمريكية، بحيث حدت من تأثير الولايات المتحدة في المنطقة، خاصة أنها لم تعد تمتلك لا الأموال ولا الشرعية التي تمكنها من أن تلعب دورا محوريا في دول المنطقة التي تشهد تحولات وتغييرات طارئة ومتلاحقة.

وعلى الجانب الآخر، يرى”رود” أن تركيا هي الدولة النموذج في الشرق الأوسط، وأنها استطاعت في السنوات الأخيرة أن تتغلغل في العالم العربي، استنادا إلى شعبية رئيس وزرائها”أردوغان”، والأدوات الثقافية التي تأتي في مقدمتها الدراما التركية. يضاف إلي ذلك أن تركيا استطاعت أن تتبني رؤية معتدلة، ومفاهيم معاصرة للإسلام، ومزجت بينها وبين القيم الغربية، وهو ما جعل منها نموذجا تتطلع المجتمعات العربية لمحاكاته.

ففي رأى”رود”، ليس صحيحا أن الدول العربية ترفض القيم الغريبة، وهو ما أظهرته ثورات الربيع العربي، التي طالبت فيها الشعوب العربية بالحقوق،والحريات السياسية والاجتماعية، وتطبيق الديمقراطية.إلا أن الشعوب العربية تأبي أن تُفرض عليها هذه القيم من الخارج. ونتيجة لتزايد اعتماد الولايات المتحدة على الأداة العسكرية في التعامل مع المنطقة، أصبحت المجتمعات العربية متوجسة من نوايا الإدارة الأمريكية، ورافضة لتدخلها في شئونها الداخلية.

ولكن”رود” أكد أن تراجع المكانة الأمريكية لا يعني انتفاء فرص عودة النفوذ، خاصة بعد ما ترتب على الربيع العربي من تغيرات جعلت دول التحول في المنطقة بحاجة للمساعدة الأمريكية، حتى تتخطى ما تواجهه من أزمات. فمصر،على سبيل المثال، تعاني مشاكل اقتصادية طاحنة، تجعلها في حاجة ملحة للاستثمارات الأمريكية، حتي تتمكن من النهوض بالاقتصاد القومي. وكذلك الحال بالنسبة لتونس وليبيا وغيرهما من الدول التي تشهد من التغيرات ما يجعل الدعم الأمريكي متطلبا رئيسيا للتحول الديمقراطي. فهذه الدول بحاجة إلى طريق ثالث بعيدا عن التشدد الديني،وسيطرة المؤسسات العسكرية، تستطيع الولايات المتحدة أن تلعب دورا رئيسيا فيه.

رؤية إصلاحية
أوصى الكاتب بضرورة إجراء العديد من الإصلاحات والمراجعات للسياسة الخارجية الأمريكية، حتى تتمكن الولايات المتحدة من استرداد نفوذها في الشرق الأوسط. وتتمثل أهم التوصيات التي قدمها رود في الآتي:

أولا- ضرورة الاعتماد على القوة الناعمة والأداة الاقتصادية بدلا من العسكرية في التعامل مع دول المنطقة، وذلك عن طريق ضخ استثمارات أمريكية ضخمة،خاصة في دول التحول، ودعم المؤسسات التعليمية والقطاع الخاص، حتي تتمكن هذه الدول من تحقيق نمو اقتصادي،واستقرار اجتماعي.

ثانيا- لابد أن تدرك الإدارة أن السلاح الأكثر فاعلية في مواجهة الجهاديين والمتطرفين ليس السلاح العسكري، وإنما هو التحالف مع القوي الإسلامية الوسطية التي تؤمن بالقيم الديمقراطية،واحترام حقوق الإنسان. فعلى الرغم من أن”رود” لم ير في جماعة الإخوان في مصر، وحزب النهضة في تونس، الحليف الأمثل للولايات المتحدة، فإنه يري أن التحالف معهم ودعمهم هو ضرورة، حتى تتمكن الولايات المتحدة من مواجهة الإرهاب والقوى المتطرفة.

ثالثا- ضرورة زيادة العنصر المدني في تنفيذ السياسة الأمريكية،والاعتماد على الدبلوماسيين وليس المقاولين، لأن الاعتماد على المقاولين على حساب المدنيين في تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية هو السبب الرئيسي في فشل الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق،وتراجع نفوذها في المنطقة.

نوران شفيق، معيدة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، صحافية متخصصة في قضايا “الشرق الأوسط”

COMMENTS