معركة “نقابة المحررين” : الصراع على الأطلال

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الأربعاء 7 شباط، 2018
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الإثنين 11 أيار، 2020
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الأربعاء الأول من نيسان، 2020

 تستعد ​نقابة محرري الصحافة​ اللبنانية لانتخاب نقيب لها ومجلس نقابي جديد في السابع من الشهر القادم في أجواء معركة انتخابية مُحتدمة، بحيث تكثر الاتصالات بالناخبين لدعم أحد المرشحين. وحماوة المعركة أظهرها ايضاً تسريب أخبار عن دعم مرجعيات عالية لهذا المرشح او ذاك، ما يعني سَعي المرشحين الى الاستحصال على دعم مرجعيات سياسية او غيرها.
معركة نقابة المحررين: الصراع على الأطلال
مع العلم انّ قسماً من المحررين في الصحافة المكتوبة لم تتح لهم فرصة الانتساب الى النقابة بسبب الاعتباطية والزبائنية التي سادت هذه النقابة طوال العقود السابقة ما يحرمهم من التصويت، فيما قسم من الناخبين لا يمارسون المهنة. وهذا الوصف ليس قاسياً لأنه رأي أهل المهنة أنفسهم.

السؤال الذي يطرح نفسه: على ماذا هذه المعركة الانتخابية الحامية فيما ​نقابة المحررين​ ليست أكثر من وعاء فارغ لا يحتوي على شيء، هي أشبه بالاطلال وذلك منذ عقود وعقود؟ فهذه النقابة لم تنجح، أو بالأحرى لم تسع، الى بناء هيكلية نقابية سليمة وبقيت على قياس اشخاص، وغالباً في خدمتهم بدل أن تكون في خدمة المحررين وخدمة الصحافة.

لن نعود الى بعض تاريخ هذه النقابة المُخجل حين كانت انتخاباتها الداخلية تجري على «الطريقة السوفياتية»، بحيث ينجح مجلسها بنسبة 99%، وكانت ​الصحف اللبنانية​ تنقل وقائع هذه ​الانتخابات​ مُثنية على «الاجواء الديمقراطية» السائدة. ومن هذه الزاوية، فإنّ الصحافة اللبنانية تكون مشاركة في المسؤولية عمّا آلت اليه هذه النقابة من وضع عاجز.

انّ أحد اسباب انهيار الصحافة المكتوبة في لبنان هو غياب جهاز نقابي سليم يتابع وضع المؤسسات والعاملين فيها ويعمل على تحصينها واستشراف مستقبلها، اذ لم تنجح هذه النقابة في ان تكون على شاكلة النقابات المهنية الاخرى، كالمحامين والاطباء والمهندسين، التي تتابع تطور مهنتها وظروفها وتحتضن أعضاءها وتؤمّن لهم الضمانات الاجتماعية والراتب التقاعدي والحماية القانونية وغيرها من التقديمات. هذا ما لم تقم به ابداً نقابة المحررين، ما جعل أهل المهنة مضطرّين للعمل الى سنّ متقدمة، هذا اذا وجدوا عملاً.

فللنقابات دور هام على صعيد القطاع الذي تنشط فيه، وكان يمكن لنقابة المحررين، والتي تمثّل مهنيين يمثلون «السلطة الرابعة» ويشكلون سلطة رقابية على السلطة السياسية، أن تنشط على صعد عدة عَدا الدور الوطني العام، كمِثل حماية ​المؤسسات الاعلامية​ اللبنانية المتهاوية الواحدة تلو الأخرى. وكان يمكن لهذه النقابة ان تكون فاعلة على الصعد التالية:
– على الصعيد التشريعي والقانوني: لِسَنّ القوانين التي تتلاءم مع المهنة وتطورها، او تلك التي تؤمن الحماية لأعضائها على الصعد المختلفة، أو تضمن الحريات العامة لاسيما حرية الرأي والتعبير.
– على الصعيد الاجتماعي: تشكيل حلقة أمان وضمان لأعضائها، سواء في وجه أرباب العمل والمؤسسات أو في وجه السلطة.
– على صعيد رقابي: من خلال مجلس تأديبي للارتقاء بالمهنة والحفاظ على مصداقيتها وأخلاقياتها، وضمان تأدية دورها في ضمان السلم الاهلي.
– على صعيد مهني: لمواكبة التغييرات الحاصلة في ميادين الاعلام والاتصال، ودراسة نماذج اقتصادية جديدة لتمويل المؤسسات وتطويرها.
ما يميّز هذه المعركة الانتخابية اليوم أنّ الصحافة اللبنانية الورقية هي على حافة انهيار كبير، إذ سقط حتى الآن عدد كبير من المؤسسات الأكثر شهرة في ​العالم العربي​، كدار الصياد والسفير وغيرهما، وما زال السيف مسلطاً على رقاب المؤسسات الباقية. كذلك وضع المحررين اليوم، اذ انّ الكثيرين منهم بات عاطلاً عن العمل، وأوضاع الآخرين تتميز بالركاكة والظرفية.

انّ إرث لبنان الصحافي غني جداً، والصحافة اللبنانية صنعت طويلاً مجد لبنان، ولها الفضل الكبير على كل العالم العربي في ميادين كثيرة، ونقابة المحررين هي مؤتمنة على هذا التراث.

لذلك، فإن معركة نقابة المحررين هذه المرة يفترض ان تكون على أسس جدية، على أساس مشروع ينقذ ما بقيَ من صحافة ورقية، كي يستمر المحررون وتستمر نقابة المحررين.
الدكتور جورج صدقة، 30 تشرين الثاني/نوفمبر، 2018
المصدر : وكالات.