مقوِّمات الإصلاح الاقتصادي في لبنان (1/2)

البيان الختامي للمؤتمر الخامس لـ"الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال"
“جريمة في رام الله” : السلطة الفلسطينية تصادر رواية عبّاد يحيى وتستدعيه والناشر للتحقيق!
الوحدة المالية توسع الفجوة الطبقية في الإتحاد الأوروبي : التضامن العمالي يواجه تحديات صعبة؟

يشكو الإقتصاد اللبناني من أزمات بنيوية حادة، تنعكس على مختلف جوانب الحياة الإجتماعية والسياسية. وقد طرحت مشاريع إصلاحية كثيرة، اعتمدت رؤى سياسية وفكرية متغايرة، من دون أن تفلح في حل هذه الأزمات حتى الآن. في هذا المقال يعرض جورج قرم رؤية نقدية للسياسات التي تنتج الأزمات الإقتصادية.

لماذا الإصلاح الاقتصادي؟

إنَّ إصلاح النمط التنموي اللبناني برمَّته هوالمطلوب حالياً لأسباب عديدة نذكر منها بشكل خاص ما يلي:

إنَّ أداء الاقتصاداللبناني التقليدي المعتمد على الريع العقاري والمالي بشكل حصري، قد أدَّى إلىتشوُّهات اقتصادية ومالية ونقدية، بالإضافة إلى تركيز غير مسبوق للثروات لدى فئةقليلة من اللبنانيين ومزيد من التراجع في مستويات المعيشة لدى فئات واسعة من الشعباللبناني ومزيد من التفاوت بين المناطق اللبنانية.

إنَّ هذا الوضع الاقتصاديوالاجتماعي والمالي غير السليم أدّى بدوره إلى اشتداد شراسة النظام الطائفي من حيثسيطرته على توزيع الريوع والمغانم عبر شبكات الفساد والإفساد، ما عزز مكانة الزعماءالطائفيين ولجوء المواطنين إليهم لتأمين حاجاتهم من الرعاية الاجتماعية وفرص العمل،سواء من الدولة وأجهزتها، أو من المؤسسات التربوية والخيرية المرتبطة بالبنيةالطائفية، أو طلب الوساطة لإيجاد فرصة عمل سواء في القطاع الخاص أو القطاعالعام.

إنَّ لبنان بحاجة إلى إقامة نظام دفاعي لبناني يؤمِّن الحفاظ علىالسيادة اللبنانية بشكل جدي تجاه الصديق وتجاه العدو، يعتمد على مبدأ التكامل بينالجيش النظامي ومنظمة شعبية مقاوِمة تدافع عن الحدود. وهذا يتطلَّب موارد ماليةإضافية كبيرة، ما يكوِّن سبباً إضافياً لإعادة نظر شاملة في النمط التنموي اللبنانيالمقيّد والفكر الاقتصادي التقليدي المنتشِر لدى الفعاليات الاقتصادية والسياسيةعلى السواء الذي يحول دون إقامة الدولة القوية أمنياً ودفاعياً.

في هذه المقالةالمقتضبة سنبيّن أنَّ الإصلاح الاقتصادي والمالي والاجتماعي يرتبط ارتباطاً وثيقاًبإعادة النظر في النمط التنموي اللبناني المتّبع منذ الاستقلال.

لمحة سريعة عنالنمط التنموي اللبناني

تشير كل الدراسات الأكاديمية الجدِّية إلى أنَّ هذاالنمط التنموي الذي اعتمد بشكل حصري على قطاع خدمات التجارة والوساطة وبعض الخدماتالمالية ذات القيمة المضافة المتدنية لم يؤمِّن رفاهية الشعب اللبناني وفرص العملالكافية، كما لم يؤمِّن التطور المتكافئ بين المناطق اللبنانية المختلفة.

ورغمالجهود المبذولة خلال العهد الشهابي لإرساء قواعد اقتصادية أكثر متانة وتطوير البنىالمؤسساتية الاقتصادية والنقدية والاجتماعية والتربوية، فإنَّ النموذج التنمويالضيِّق المعمول به بقي مهيمناً، بل تمَّ تقويته منذ التسعينيات من القرن الماضي فيظل سياسات إعادة الإعمار.

لذلك بقيت القدرات الإنتاجية اللبنانية مكبوتة وغيرمستغلّة، ما سبَّب نزفاً خطيراً من الكفاءات البشرية إلى خارج لبنان وإلى تراكممديونية هائلة على أكتاف القطاع العام والقطاع الخاص على السواء، في ظل انتفاخ خطيرللقطاع العقاري والمالي في بيروت وجبل لبنان على حساب المناطق الأخرى والقطاعاتالإنتاجية، وكذلك في ظل تركُّز الثروة العقارية في أيدي بعض المقاولين من الأثرياءاللبنانيين والعرب، رغم القيود القانونية السائدة على تملُّك الأجانب.
وهذا مايفسِّر إلى حد بعيد ظاهرة تراكم المديونية الهائلة للدولة التي كانت أحد المصادرالرئيسية لإثراء البعض على حساب سلامة الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، وقدأصبح لبنان أسير هذه المديونية في سياسته الداخلية والخارجية ومتَّكلاً أكثر فأكثرعلى مصادر تمويل خارجية.

نستعرض هنا أهَم المبادئ الواجب تطبيقها في المجالاتالاقتصادية والنقدية والاجتماعية للتغلُّب على الحالة التي نحن فيها في كل هذهالمجالات.

مقوِّمات البرنامج الإصلاحي:

1ـ في الشؤون الماليةوالنقدية

أ ـ بالنسبة إلى الديْن العام

إدخال نظام تسقيف لخدمة الديْنالعام بحيث لا تتعدَّى هذه الخدمة 35 في المئة من إيرادات الدولة وتشجيع المصارف فيمزيد من تنويع نشاطاتها داخل لبنان وخارجه لتخفيف اتكالها على الاكتتاب والمتاجرةبسندات الخزينة أو اليوروبند بالدولار التي تصدرها الدولة لتحقيق أرباحها.

بـ بالنسبة إلى النظام النقدي

يجب إصلاح هذا النظام بشكل تدريجي بحيث نتخلَّصمن الوضع الشاذ الذي نحن فيه، حيث نستعمل، بشكل غير متكافىء، العملة الوطنيةوالدولار الأميركي في التعاملات الداخلية، وحيث أصبحت المصارف اللبنانية هي التيتمدّ المصرف المركزي بالسيولة بالدولار من أجل الحفاظ على الاحتياطات من العملةالأجنبية التي، بالتالي، لا يعكس حجمها الوضع المالي والنقدي الصحيح.

وهذاالإصلاح النقدي لا يمكن أن يتم بنجاح إلا في ظل ثورة إنتاجية شاملة في البلاد بحيثيُخفّض إلى درجة كبيرة العجز الهائل في الميزان التجاري الذي أصبحنا نعاني منه بشكللا مثيل له في تاريخ لبنان الاقتصادي، ما يهدِّد باستمرار سلامة الوضع النقديوإمكان تأمين انتظام دفع الجزء من خدمة الدين العام (50 %) المحرر بالدولارالأميركي

COMMENTS