مسلسل “شوق”*: دعوة للنسيان وشوق إلى سوريا المعافاة

مسلسل “شوق”*: دعوة للنسيان وشوق إلى سوريا المعافاة

“هذيان فتاةٍ في العشرين” سردٌ رشيق تنقصه المتعة
عن "رحلة الاديبة نجوى زيدان الى منزل املي نصر الله"
الدراما السورية… باقية رغم كل التحديات

اجادت المخرجة ريم شربتجي في العمل الدرامي "شوق"- الذي عرض على شاشة سوريا دراما الفضائية في موسم رمضان 2017-  في تكثيف مشهد الحرب السورية الدائرة منذ سبع سنوات، وللمؤلف حازم سليمان الدور الكبير في لملمة هذا المشهد بكامل تفاصيله حتى ليبدو ان العمل الدرامي يتغلب على الواقع في صدقيته وحقيقته وحرفية روايته.
تخوننا الذاكرة في حياتنا اليومية فتغيب الكثير من الاحداث عن بالنا، في "شوق" جرعة زائدة تحقن ذاكرتنا.
رغم تمرسي في مشاهدة الدراما منذ الصغر و رغم صقلي لموهبة المشاهدة بعين الناقد التي اثمرت عملا اكاديميا نلت عليه اجازتي في الماجستير**، الا انني وجدت الدموع تغالبني امام مشاهد نابضة في دراما "شوق". خانتني خبرتي وتحليلاتي وكتاباتي واثباتي لنظرية الدراما كأداة في الحرب الناعمة، جعلت الكثير من الحكومات الغربية و الاقليمية ترصد لها الميزانيات، وودتني انساق خلف مشاعر انسانية وعاطفية بحته لا تأبه بالنظريات ولا بالسياسات ولا باستخدامات الدراما، بقدر ما تثبتها وتؤكد صحة رؤيتها ومقاربتها للاعمال الدرامية لاسيما السورية التي كانت ظاهرة مختلفة عن الدرامات العربية الاخرى سواء في مصر او لبنان او الخليج.   
اخذتنا حياتنا اليومية كما قلت بعيدا عما يجري في سوريا، واكثر من ذلك اقول ان الحروب الدائرة في بلادنا العربية هنا وهناك ومنذ فلسطين السليبة، جعلتنا ، يفوق التصورات، حرب من نوع جديد، انها حرب الحروب.
هنا تأتي الدراما لتصدمنا، لتوقظنا، لتهزنا من كتفينا ان استفيقوا من بلادة التكيف و من سطوة التعود، وهنا تكمن اهمية الثقافة المستمدة من الاعمال الفنية و الادبية و الابداعية.
شوق الشابة السورية التي تصاب بمرض فقدان الذاكرة او "النسيان المبكّر" هي المحور الذي ارسى عليه العمل ركائز مقاربته الدرامية لحقيقة ما يحدث في سوريا من بشاعة المشهد وتداعياته المأساوية حتى ليبدو ان الله تخلى عن حماية سوريا. والنسيان هنا يبدو انه الحل الانجع ليمضي المواطن السوري ما بعد الحرب حياته والا سوف تكون حياته مريرة وكابوسية اذا جاز التعبير اذا لم يفلح في نسيان هول ما جرى من اراقة دم ودمار وخراب نفسي و مادي ووحشية وجرائم واستباحات للكرامات والقيم.
هي شوق، نفسها، التي تنجب مولودتها وتسميها شام، رغم نسيانها التدريجي، تهب لنا ولادة المستقبل الذي فيه الكثير من الايحاء و الاستدعاء لسوريا الجديدة النظيفة  البريئة من كل ضغائن الحرب وشرورها تماما كهذه الطفلة. 
عذرا من كل الذين انكروا على شوق ان يسمى العمل الدرامي باسمها ( المعلقون على اليوتيوب)، الذين فضلوا الاستعاضة عنها بدور السبيّة لدى داعش الذي لعبته سوزان نجم الدين- رغم اهمية دورها وقوة ادائها ورغم ان المسلسل انتهى وهي ما تزال سبية لدى من يسمون انفسهم الدولة الاسلامية- عذرا، انا لا اتفق معهم ابدا.
لان الحبكة الدرامية القائمة على الشوق الى سوريا بدون حرب هي شوق الصبية التي تفقد ذاكرتها تدريجيا لتنسى موت والديها بعملية انتحارية وهي شوق والدة شام الطفلة التي سوف يقدر لها وتنجو من هذه الحرب الشعواء وتكبر خارج الخوف و وخارج الحرب وفظاعتها، التي طالت كل افراد عائلتها واقارب عائلتها سواء بالموت او الخطف او الهجرة. شام الوليدة هي الامل بالنجاة من اجل غد تعود فيه سوريا من الظلمات.
ان تيمة الحب التي يقاربها العمل من خلال اكثر من ثنائي، تمثّل الوصفة التي لن تتخلى عنها الدراما السورية وما تخلت عنها. الحب الذي يرى البعض انه ما عاد متوفرا في زمننا، المطلوب استرجاعه، المطلوب تفعيله مع جرعة عالية من الوفاء والاخلاص كما للحبيب ايضا للوطن. 
في "شوق" نقاش حاد ومكثّف وشفّاف حول الحرب، الذي لا يخلو من الهنّات في بعض المقاربات التي جاءت سطحية كأن يُقال ان الحرب اضرّت بالسوريين اجمع الغني والفقير والعادي و السياسي، منتهى السذاجة او اذا صفينا النيات لعلها تنم عن رغبة ذاتية لدى الكاتب في المساواة بين السوريين. الا انني في لبنان ارى بأم العين السوري الفقير اين يعيش وكيف يعيش ولا اتحدث هنا عن فئة المتسولين في الشوارع. وارى ايضا السوريين الاغنياء التقيهم في اهم المطاعم و المحال التجارية و المولات. هناك من وصل الى السلطة بفعل الحرب وهناك من اثرى من وراء الحرب و التهريب و الاتجار بالمخدرات و بهجرة البحار والاتجار بالاعضاء البشرية و الاسلحة و المواد الغذائية  والادوية وببيع القاصرات الى شيوخ الخليج، علما ان العمل اضاء على هذه الفئة مما يناقض المساواة في الضرر من الحرب، ولنا في لبنان تجربة مع امراء الحرب.
السوريون لم يكونوا ضحايا متساووين في الحرب كما لم يكونوا مسؤولين متساووين عما حصل في بلادهم من اخطاء وإضرار وفساد وإفساد للمجتمع و للوطن والمواطن، دون إغفال ما قُدّر لسوريا من مؤامرات عالمية اصبحت مفضوحة.
ان الاسماء الكبيرة من الفنانين السوريين الذين شاركوا في المسلسل، اضفت مصداقية كبيرة على العمل، وقدمت فرصة لوجوه جديدة ان تثبت نفسها امام كل من منى واصف وباسم ياخور وسوزان نجم الدين.
تصدى "شوق" للتداخل السوري – اللبناني، الذي لا يمكن ان تلغيه سياسات النأي بالنفس، فالمجتمع اللبناني غاطس في الحرب السورية بحكم عوامل عدة: الفضاء والعمق الجغرافي المتعاكس وقضايا التاريخ المشترك وعلاقات القرابة والنسب واللغة والمصالح وحركة الواقع الموضوعي والذاتي معا واكثر واكثر.
اضاء هذا العمل الدرامي الذي لم يحظ بفضائية عربية سوى سوريا دراما، الا ان تطبيق اليوتيوب كان منفذا الى الملايين من المشاهدين الذين علقوا عليه و تفاعلوا كثيرا مع حلقاته. اضاء على اهمية وسائل التواصل الاجتماعي في الحرب الدائرة، لعل هذه الابتكارات تأكدت النظريات حولها في سوريا وما سمي بالثورة السورية التي كانت حلما للكثيرين من السوريين الذين رأوا في المطالبة بالاصلاح والسلمية افقا لسوريا افضل، فجاءت قوى ظلامية وانتقامية و تآمرية من الخارج والداخل لتسرق احلامهم، ايقن من انتسب الى الجيش الحر ان قراره ليس في يده بل بيد امير داعشي نصّبته احدى الدول المجاورة.
وثّق المسلسل لظاهرة السبي التي ترافقت مع الاعلان عن داعش، من خلال سيرة خيرة نساء سوريا من طبيبات ومعلمات وطالبات جامعيات اللواتي اختطفن واغتصبن و عذبن وقتلن وتمت المتاجرة بهن وبيعهن وانزال الحد ببعضهن.
تفوّق هذا العمل الدرامي الجريء في تظهير وفضح تسلح اثرياء الحرب بالعمل الخيري والانساني كواجهة لاهداف اخرى منها المال والتهريب ودعم العصابات المسلحة والتآمر معها ضد الدولة والمجتمع. وايضا الوصول الى السلطة. كانت الخديعة الكبرى في استغلال نزوح الناس ووجعهم وخوفهم وجوعهم من اجل الابقاء على المجتمع بحالة حرب وجني الثمار بالوصول الى اعلى المناصب في الدولة.
الخوف كل الخوف ما زال في الفساد المستشري في السلطة، اذ تصعب مقاومته او التصدي له في الحرب، لان الانشغال الاكبر بميادين القتال و الجبهات المفتوحة في طول البلاد وعرضها. لم يبخل "شوق" في تعرية بعض من المسؤولين الشركاء لطبقة رجال الاعمال في نهب الدولة  واضعاف اقتصادها وايصال الفاسدين الى مواقع القرار، على حساب الميدان الضامن للدولة وبقائها.
الدراما السورية تخوض معركتها ايضا ولن تخسر رغم تغييبها عن الفضائيات العربية ومقاطعتها بعدم شراء انتاجاتها كما حصل هذا العام حتى اضطر احد الموزعين ان يقدم احد المسلسلات مجانا مقابل العرض فقط، ورغم منافسة الدراما المصرية والتركية.
إن الأعمال الجدية ستجد لها المنافذ كما على اليوتيوب مع "شوف دراما". ويبقى على صناع الدراما ان يصمدوا وان لا يتنازلوا عن خصوصية الدراما السورية، وفي المقابل هناك دائما الحلول التي يجب على المعنيين والمستفيدين من نشر الدراما السورية المبادرة الى اطلاقها كإيجاد منصّات جديدة تطل منها الاعمال السورية، التي لم تستطع اي دراما عربية ان تحل محلها رغم مقاطعة السوق العربية لها لاسيما الخليجية ويبدو ان اللبنانية تلحق بها بعدما اتجهت احدى اهم شركات الاعلانات لانتاج الدراما اللبنانية اودعمها من خلال الاعلانات التي حجبتها عن اعمال سورية.  وكما قال احد المنتجين الشمس تحجبها الغيوم لكنها لا تلبث ان تزول.

نجوى زيدان، كاتبة وباحثة عربية من لبنان
أوائل أيلول / سبتمبر 2017
* من تأليف حازم سليمان- اخراج رشا شربتجي- انتاج شركة ايمار الشام للانتاج الفني.
** بحث بعنوان "المحددات السياسية في الدراما السورية- دراسة تحليلية نقدية ما بين 2010-2014" – الجامعة اللبنانية – 2016.