قمة طهران ومستقبل التكامل الإقليمي مع تركيا؟

الغرب و”الإسلام السياسي” : لماذا اخترعت الإستخبارات الأميركية “النموذج التركي”؟
كيف نعيد تنظيم “الإخوان” إلى محور المقاومة والإستقلال! (الجزء الأول)
قمة اسطنبول : أردوغان يهدي نتنياهو اعترافاً “إسلامياً” بـ”إسرائيل”

مرونة الأتراك خلال التحضير لقمة طهران كانت خادعة. زرعوا انطباعاً لدى "شركائهم" الروس والإيرانيين، بأنهم تخلوا عن حماية "إمارات الإرهاب" في محافظة إدلب السورية. وإعلان الرئيس رجب أردوغان عن "البحث عن أصدقاء وحلفاء جدد" بعد تأزم علاقاته بالإدارة الأميركية، ساهم، كثيراً، في ذلك. 
كَشَفَت وقائع القمة (7 أيلول/ سبتمبر 2018) خطأ هذا الإنطباع. فالعَنَتَ التركي يحصن الإرهاب التكفيري في المحافظة. ومراوغة أردوغان في مسألة فصل أمن تركيا عن أمن الإرهابيين لم تنته. بكل ما فيها من تهديد قاطع للأمن الإقليمي العربي والروسي والإيراني.
أبرز العوامل البنيوية في الحرب الهجينة الإستنزافية ضد سوريا، كان وَصْلُ الأمن التركي بأمن "الإسلام السياسي" الإرهابي. اجتهد الروس والإيرانيون على تحييد هذا العامل. وهم يدركون أن مفتاح الفصل، كما الوصل، بين الأمن التركي وأمن الإرهاب التكفيري، معلق في رقبة أردوغان.
انضم الترك إلى "مسار أستانة" بشروط متعددة. تكاد إدلب، بالذات، أن تكون من أهمها. أنشئت "مناطق خفض التصعيد"، ونقاط المراقبة على أراضي سوريا، بعد قبول تركيا مهمة الفصل بين إرهابيي "الإسلام السياسي" وبين إرهابيي "المعارضة" الموالين لها هناك. 
لكن هذا هو أردوغان. وَعَدَ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني بحل "عقدة إدلب"، ثم حَنَث. ومن ثم حَنَث. ثم ناور على قمة طهران للتنصل من وعده. كان يَعِدُ، ثم يبلع "الصنارات" التجارية والمالية والإقتصادية والتقنية والأمنية الوفيرة، التي رمتها موسكو وطهران له، ثم يعود إليهما.
لم يكف عن المراوغة ولا عن الخداع. تحليل البيان الختامي ووقائع القمة شبه العلنية، قطع الشك بأن الخلافات، بل النزاع في محافظة إدلب، بين موسكو ـ طهران وبين أنقرة، يلامس حدود الخيارات الإقليمية ـ الدولية الكبرى لتركيا. 
المسؤولون الأتراك رشقوا القمة بتصريحات تؤكد الخلافات. ثم، هذا الصباح (9 أيلول / سبتمبر 2018)، قال أردوغان وهو عائد من القمة: "لدينا خلافات، ونحن نناقشها. ويمكن أن أجتمع مع بوتين مرة أخرى، بعد عودتي من ألمانيا، لتقريب وجهات النظر معه حول هذه الخلافات".
برأينا، لم تفشل قمة طهران في حل "الخلافات الإدلبية". وإنما ظَهَّرَت الخلافات الإستراتيجية على الخيارات الإستراتيجية حول تكامل الأمن الإقليمي. وسؤال الساعة من بعد هذه القمة، هو : تركيا "الإخوانية" إلى أين؟. ليس من إدلب، وما بعد إدلب. بل من سوريا إلى أين؟. 
ترى بعض الأوساط العربية والإقليمية المخلصة لمحور المقاومة الوطنية ضد عدوان الولايات المتحدة ـ "إسرائيل"، أن أردوغان سينتقل ومعه تركيا، من المحور الأطلسي إلى المحور الأوراسي. وأنه يجب الصبر عليه لحل "عقدة إدلب".
هناك اعتراض كبير على هذا الرأي. لن نناقشه تفصيلاً، الآن. ولكن نكتفي بالقول، أن على هذه الأوساط، مع كل الإحترام لها، أن تحسن التمييز بين الدول.
فالدول الوطنية التي تحكمها أنظمة حكم وطنية مستقلة، عن هيمنة الغرب الإمبريالي، مثل سوريا وإيران وروسيا وغيرها، هي نقيض الدول الوظيفية التي تديرها أنظمة حكم محلية خاضعة لهيمنة الغرب الإمبريالي، مثل تركيا "الإخوانية" أو غيرها.
‏بَذَّرَ أردوغان كل "مُنَحِ الوقت" التي قدمها إليه بوتين وروحاني، ليكون شريكاً إقليمياً في الحل السياسي للمسألة السورية. دخل مسار أستانة الأوراسي، ولم يخرج من مسار جنيف الأطلسي. رِجْلٌ في "الفلاحة" الأوراسية. ورِجْلٌ في "البور" الأطلسي. 
والنتيجة واضحة، الآن. تمشي تركيا في كل مسار برِجْلٍ واحدة. خلافات مع الأوراسيين وخلافات مع الأطلسيين. 
كيف سينجح أردوغان في "تقريب وجهات النظر مع بوتين"، ومع روحاني أيضاً، مع أنه لم يذكره في التصريح اليوم، إذا ظلت سياسته الإقليمية في سوريا مشروخة بين روسيا وإيران وبين خصوم و/ أو أعداء روسيا وإيران.
كيف سينجح أردوغان وفي يقينه أن قوى "الإسلام السياسي" الإرهابية المحتشدة في إدلب، وفي بعض بلاد الشام، ومصر وليبيا، والسعودية وبقية الوطن العربي، هي أحدى مكونات المناورة الإستراتيجية الكبرى التي يقوم بها الحكم التركي، في هذا المخاض المضطرب للنظام الدولي ـ الإقليمي. 
… … …
إنها الإنتهازية التركية، مجسدة بأردوغان، تهوي في حفرة المأزق التاريخي. 
… … … 

هيئة تحرير موقع الحقول
الأحد‏، 29‏ ذو الحجة‏، 1439، الموافق ‏09‏ أيلول‏، 2018