تدمر السورية.. بلد لا يقهر

“الكارثة الإنسانية، سلاح إسرائيل في المرحلة الثالثة من الحرب” التي تشنها على غزة؟
هل يستحق آل غور جائزة نوبل ؟
“إسرائيل” : محاضرون يطالبون إدارة جامعة حيفا بإعادة الاعتبار إلى بحث رفضته ويُثبت ارتكاب مذبحة الطنطورة!

«إنهم لا يسعون لإرجاعنا عصور ما قبل التاريخ، بل يريدون حقا محو أي تاريخ لنا، هم يريدون قطع جذورنا بالماضي، ويهدفون إلى إبادة حاضرنا، وحجبنا عن أي مستقبل آت».. هم دون أدنى شك جماعات التكفير والإرهاب، التي ارتدت الجلباب القصير وأطلقت اللحى وأمسكت بالسواطير والسيوف، فهم لا يعلمون عن الإسلام الحنيف إلا تلك الصورة التي صورها لهم سادتهم في أروقة الاستخبارات الغربية، والتي يرغبون من خلالها في تشويه الإسلام ذاته.. لا ينسى احد دعواتهم الشاذة التي طالبت من قبل بهدم تمثال »أبو الهول« فعقولهم الجوفاء تراه صنم يعبد!، في حين أن حملة الإسلام حينما جاءوا إلى مصر لم يسعوا لهدم التمثال أو المساس بأي أثر تاريخي، فدواعش اليوم يزايدون على المسلمين الأوائل، بجهل وافتراء على الدين.. منذ أيام هاجمت »داعش« مدينة »تدمر« الأثرية السورية، وأرادت اقتلاعها من الوجود، بشرا وحجرا، فارتكبت المجازر بحق ساكنيها، وقتلت ما يزيد عن 400 سوري ما بين رجل وأمراه، طفل وشيخ، قتلت مرضى وأطباء وممرضات، وقطعت رقاب اسر بأكملها، ومنعوا الآلاف من مغادرة المدينة وفرضوا عليهم فكرا ظلاميا تكفيريا، لا لشئ غير أنهم أرادوا الإبادة.. ولم يسلم منهم الحجر، الحديث منه والأثري، فهدمت المنازل، ودمرت الآثار، فكان الهجوم الداعشي انتقاما من سورية الحضارة والتاريخ، ومن سورية المقاومة والعروبة، سورية التاريخ والحاضر.

وعلى الرغم من البيانات التي أطلقتها منظمة اليونسكو للتحذير من فناء »تدمر« الأثرية، إلا أن الغرب لم يحرك ساكنا، فهو المستفيد الأول بالقطع من هذا الدمار للتاريخ وللحاضر، وكانت اليونسكو على لسان مديرتها قد قالت »إن مدينة تدمر موقع تراث عالمي فريد في الصحراء وأي تدمير لها لن يكون جريمة حرب فحسب وإنما خسارة هائلة للبشرية أيضا«، ودعت مجلس الأمن إلي بحث المسألة وإطلاق نداء مشترك كي لا يتكرر ما حصل في مدينة نمرود ومتحف الموصل، لكنها دعوة دون جدوى.. ولمن لا يعلم »تدمر« فهي مدينة تقع وسط سورية شرق مدينة حمص عند معبر جبلي اضطراري على سفح جبل المنطار من سلسلة الجبال التدمرية على بعد 215 كم شمال شرق مدينة دمشق و150 كم جنوب غرب نهر الفرات، موقعها جعلها في الماضي استراحة رئيسية للقوافل التجارية بين العراق والشام، ومحطة مركزية للقوافل التجارية بين الخليج العربي وبلاد فارس والبحر الأبيض المتوسط، وجدت بها الحياة منذ العصر الحجري القديم و يوثق ذلك الأدوات الحجرية المكتشفة في جرف العجلة والثنية البيضا والدوّارة والكوم و بئر الهمل، وعثر في تدمر على أكثر من ثلاثة آلاف نص، بينها مئات النصوص المحررة بالتدمرية الآرامية والإغريقية التي كانت اللغة الرسمية للحكم الروماني في سورية، وهي تعني باللغة الأكادية «بلد المقاومين» وباللغة الآرامية «البلد الذي لا يقهر».. توهمت قوي الظلام الداعشي ومن وراءها من دول المؤامرة أن تنكسر سورية وترضخ قواها لبطش الإرهاب وعصاباته، غير أن مجازرهم وجرائمهم لا تزيد سورية إلا صمود وكبرياء وإصرار علي النصر.. إن محاولات طمس »تدمر« لا تقل عن إلقاء كتب العلم في بغداد بنهر دجلة علي يد التتار، ولا عن حرق مكتبة الإسكندرية وضياع ما بها من علوم مدونة، إنها محاولات تستعيد ما سبقها علي درب محو الهوية والإغراق في الظلام.. المجتمع الدولي ومؤسساته ومحافله الرسمية ومعاهداته واتفاقياته بما في ذلك اتفاقية لاهاي وملاحقها المتعددة ملزمة بالحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للإنسانية ومنه المواقع الأثرية المعتبرة من التراث العالمي في سورية، ولكنه مجتمع دولي لا حراك له.. كما إن استباحة دماء السوريين على أيدي تلك التنظيمات الإرهابية ما كانت لتحصل لولا التواطؤ والمشاركة والدعم من قبل قوى دولية وإقليمية معروفة تقدم أشكالا مختلفة من الدعم تتوزع بين المالي والإعلامي والسياسي، وكل هذا الإجرام الممنهج ما كان ليكون أو يستمر لو أن المجتمع الدولي اتخذ ما يجب عليه أن يتخذه في مواجهة ذلك الخطر الذي يتهدد المجتمعات الإنسانية، ولكنه مجتمع دولي أصر علي التواطؤ أو الصمت.. انها جرائمهم تكشف نواياها ومخططاتهم التي طالما حذرنا منها ونحذر، انهم يستهدفون تقسيمنا وطمس هويتنا الحضارية، ولان سورية ومصر لهما جذور حضارية تمتد عبر التاريخ، ولأنهما بشعبهما وجيوشهما شوكة في حلق الغرب والصهاينة والامريكان، فهما علي قوائم الاستهداف الغربي التأمري، ولكن مهما طال التآمر ستبقي سورية ومصر قلب العروبة ومهد التاريخ.

COMMENTS