وفاة محمد تامالت : صبيان “الثورة الملونة” وسلاح التلاعب السياسي

وفاة محمد تامالت : صبيان “الثورة الملونة” وسلاح التلاعب السياسي

إعدام المناضلة يمينة الشايب أو زليخة عدي وتوحش الإحتلال الفرنسي للجزائر
محند بيري : في الجزائر مطالب الشعب تلتقي ومطالب الجيش
عبد اللطيف رباح : الحلّ في الجزائر هو العودة إلى الدولة التنموية

يرتع صبيان “الثورة الملونة” على الشاشات. تُفرض “حكايات” كل منهم على الرأي العام العربي بقوة الميديا. مثلما يحدث، الآن، في الجزائر بشأن حادثة وفاة محمد تامالت. ينتهز أولئك الصبيان كل ظرف لإغداق “الثناء الديموقراطي” على الحكومة أو حجبه عنها في أي دولة من الدول العربية. بات هذا “الثناء” السلاح الأمضى لـ”التلاعب السياسي” الذي يتواطأ في ممارسته هؤلاء الأنفار المحليون مع مدربيهم ومشغليهم في دول الرأسماليات الأطلسية.

تدفع الدول الغربية المحركة لـ”المتلاعبين”، بهم، نحو تهديد وجود الدول العربية نفسها، لا شرعية الحكومات القائمة فيها وحسب. كما تقوض حركات التغيير الوطني الديموقراطي التي تعمل لتطوير البنى الدولتية ـ الإجتماعية العربية، وتنهك قواها وتهدر خبراتها، عبر إقحام الدور السياسي لنجوم “الثورة الملونة” في مسرح العمل الوطني لتخريبه بـ”التلاعب السياسي”.

طرأت “حكاية” محمد تامالت في الجزائر، قبل أن تختم فصول “حكاية” منظمات غير حكومية في مصر. اللافت بشأن تامالت، أنه كان يدير موقع “السياق العربي” من مقر إقامته في لندن، عاصمة الدولة الإمبريالية المعروفة بعدائها للعرب وبتأييد كيان الإحتلال الصهيوني المسمى “إسرائيل”. ويمكن بنظرة تحليلية، عامة، أن يلاحظ القارئ، طبيعة “المعركة” التي كان “يخوضها” موقع تامالت.

توفي تامالت في ظروف أوضحت الحكومة الجزائرية طبيعتها. لكن “الحقيقة” بشأن مصير صبيان “الثورات الملونة”، هي آخر ما يهم محركوهم في حلف شمال الأطلسي. منذ أيام ظهر مقال في صحيفة “لا ليبر” البلجيكية تحت عنوان “الجزائر بعد حلب”. وقد وقعه بيار دوفراني المدير التنفيذي لمركز “ما دارياغا ـ كوليج أوروبا”، والمدير العام الشرفي بمفوضية الاتحاد الأوروبي.

يتوقع دوفراني بأن يحدُث في الجزائر، إحدى دول جوار أوروبا، ما حدث في سوريا. لا نعلم إذا كان توقعه توجيهاً عملياً لصبيان “الثورة الملونة” في هذا البلد العربي، أم كشفاً عن مخطط شرير ضد الجزائر وشعبها الأبي. لكن الأكيد أن ما كتبه دوفراني يشير إلى فخ التلاعب السياسي المنصوب عند مقبرة تامالت. وللتوسع في هذا النقاش بسبب أهمية هذا الموضوع، نعيد نشر مقال : “قضية الصحافي محمد تامالت.. من المسؤول؟”، الذي نشرته الصحافية الجزائرية لينا كنوش، في جريدة السفير اللبنانية، يوم السبت 17 كانون الأول/ ديسمبر 2016 :

لاقت وفاة الصحافي الجزائري محمد تامالت الذي يحمل الجنسية البريطانية، في 11 كانون الأول الحالي، تركيزا إعلاميا دوليا مكثفا، وأسالت الكثير من الحبر في الصحف الجزائرية، كما أثارت غضبا شعبيا واسعا في البلاد خاصة أن وفاته جاءت خلال فترة اعتقاله.

اعتقل تامالت، مراسل صحيفة «الخبر» الجزائرية في لندن، في السابع والعشرين من حزيران بسبب نشره كلمة على صفحته الخاصة في «فيسبوك»، هاجم فيها المسؤولين السياسيين، الأمر الذي ترتب عليه إدانته في 4 تموز أمام محكمة سيدي محمد، بعقوبة السجن المشدد لعامين، ودفع غرامة 200 ألف دينار (1700 دولار)، وفقا للمادتين 144 و146 من قانون العقوبات، وذلك بتهمة «الإساءة لشخصية اعتبارية»، و «التعدي على شخص الرئيس».

وكان تامالت المقيم في لندن منذ عام 2002، قد أسس موقع «السياق العربي»، ودأب على توجيه نقد لاذع للسلطات الجزائرية، وكانت تعليقاته وقصائده الاستفزازية، تستهدف على وجه الخصوص شخصية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وجنرالات الجيش. وتعبيرا عن سخطه على الحكم الصادر ضده، بدأ تامالت إضرابا عن الطعام سبق إعلان السلطات وفاته خلال الشهر الحالي.

غير أن وفاته «المشبوهة» أثارت الشكوك في مسؤولية السلطات. وجرّاء هذا الجدل، خرج وزير العدل الجزائري الطيب لوح، سريعا ليغسل يد الدولة من أي تورط في قتل الصحافي، وليتحدث في بيان علني في 13 كانون الاول نافيا هذه الشكوك، ومشددا على أن «إدارة السجن نشرت بيانا واضحا جدا يتــناول كل المراحل منذ إدانة الصحافي»، وموضحا أن وزارته تنتــظر نتائـج التشريح.

وبدلا من تهدئة التوترات، أثار هذا البيان سيلا من تعليقات، لاسيما من قبل بعض حاملي الأجندات، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبة بـ «تحقيق شفاف في ظروف اعتقال الصحافي وملابسات وفاته».

غير أنه، لا ينبغي لهذه المشاعر المفهومة التي أثارتها هذه المأساة، أن تسمح بتحويل الحادث إلى «عرض مشهدي» لحشد الرأي العام الجزائري والدولي من قبل المنظمات والإعلام الغربي، فعلى العكس، ينبغي أن تفرض اختبارا موضوعيا للسياق وضرورة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتجنب تحويل الحادث إلى أداة لمصلحة شبكات أجنبية مهتمة.

وعلى الرغم من أن الموت «المشبوه» لتامالت هو أول حالة من نوعها التي تواجهها الجزائر منذ الاستقلال، هناك قضايا أخرى كشفت عن واقع عدالة ذات سرعتين في الجزائر. فهناك قضية الصحافي عبد الحي عبد السميع التي أثارت حالا من الالتباس العام تجاه العدالة الجزائرية، إذ اعتقل هذا الأخير في آب عام 2013 بتهمة التورط في تهريب مدير النشر والضابط السابق في الاستخبارات السرية الجزائرية، هشام عبود، إلى تونس، الذي كان على استعداد لنشر معلومات سرية عن الحالة الصحية للرئيس بوتفليقه. وعلى الرغم من الحالة الصحية المتدهورة لعبد السميع، لمرضه بالسكر، وإضرابه عن الطعام، ظلت العديد من مطالب إطلاق سراحه المؤقت، في الأدراج ومن دون أي خطوات للأمام، ولم يطلق سراحه إلا في ايلول عام 2015 بعد عامين من السجن.

الأخطر من ذلك يكمن في حالة الصحافي السابق في جريدة «الوطن» عبد الحي بلياردوح، الذي أنهى حياته منتحرا، بعد 3 شهور من تعرضه للاعتداء العنيف من قبل رئيس غرفة التجارة والصناعة في نمامشا (ولاية تبسه) سعد جاربوسي بعدما ادعى الصحافي في تقرير له بأن جاربوسي قد اعتقل من قبل بسبب علاقاته المالية السرية مع الإسلاميين. وعلى الرغم من ذلك، حصل جاربوسي ومشاركوه في الحادث على البراءة في النهاية.

فبركة قضية
الخلل في النظام القضائي الجزائري يبدو حقيقيا ولا يمكن إنكاره: فمن الممكن أن ينتهي حال صحافيين يجرون تحقيقات في دوائر فساد وثراء خلف القضبان، بينما هناك فساد رجال أعمال، وشخصيات تقيم شبكات من المحسوبية داخل السلطة، وإسلاميون يمجدون الإرهاب علانية – على غرار عبد الفتاح حمداش في دولة عاشت 10 أعوام في حرب أهلية – يمكنهم الإفلات من المحاكمة في لا مبالاة تامة من السلطات العامة.

بالتأكيد، حققت الجزائر تطورا كبيرا في مجال حرية الصحافة، فمراجعة الدستور التي أجريت في شباط عام 2015، أعطت بالفعل بعض المساحة، من خلال إلغاء عقوبة السجن في ما يتعلق بجرائم الصحافة. وعلى الرغم من أن القانون الذي ينص على «احترام الثوابت والقيم الدينية والأخلاقية والثقافية للشعب»، لا يزال أداة في يد السلطة لمعاقبة جنائيا أي كلام أو رسوم كاريكاتورية أو معلومات يتم اعتبارها افترائية، إلا أنه من السذاجة الاعتقاد أيضا أن منظمات مثل «هيومن رايتس ووتش» و «العفو الدولية» – التي تطالب اليوم «بتحقيق مستقل ومعمق وشفاف في ملابسات وفات تامالت»- تعمل باستقلالية كاملة.

ينبغي التذكير أنه خلف خطاب هذه المنظمات الذي تتبناه، والدائر حول حماية الضحايا من الاستبدادية وفشل المؤسسات العامة، يتجسد شكل آخر من أشكال تدخل القوى الأجنبية، وتظل هذه المنظمات أداة «إنسانية» تفضل عودة الاستعمار الجديد. وفي سياق ما بعد «الربيع العربي»، ربما ينتاب الجزائر الخوف من نشاط بعض المنظمات الذي ينظر اليه كمحاولة لإثارة الاضطرابات.

لا ينبغي أن يقود الدفاع عن حرية الصحافة في الجزائر، إلى خدمة مصالح المنظمات التي تحاول ان تستخدم مثل هذه الحالات كمحاولة لزعزعة الاستقرار في دولة تتمتع بسيادة منذ عام 1962، التي أثبتت العديد من التجارب على مر التاريخ أن من بين التوجهات الاستراتيجية الكبرى لهذه المنظمات هو نشر هذه الحالة من عدم الاستقرار. هذا السيناريو يجد تبريره العقلاني لدى الجزائر التي باتت تؤدي دورا إقليميا كبيرا وتطرح نفسها كدولة لا يمكن تجاهلها.

مركز الحقول للدراسات والنشر
23 كانون الأول / ديسمبر 2016