آمنة بنت المختار الموريتانية المتمردة .. مناضلة تناصر المرأة والضعفاء

آمنة بنت المختار الموريتانية المتمردة .. مناضلة تناصر المرأة والضعفاء

يوميات طوفان الأقصى …
المغرب ينتقل إلى “التطبيع الرياضي” مع الكيان الصهيوني
مصادر صحفية : تفاصيل اتفاق المصالحة الفلسطينية بين “فتح” و”حماس” في لبنان

حيثما تكون قلاقل، فتش عن تلك المرأة الجريئة، التي ليست ككل النساء في موريتانيا، كما يقول عنها أعداؤها وأصدقاؤها على حد سواء. امرأة تحب المواجهة، ولا تجد ذاتها إلا حين تتعرض أنثى من بنات جلدها للأذى أو للمضايقة أو للظلم، لا سيما إذا كان ظلما من ذوي القربى أو ظلما من الرجل في مجتمع لا تقف فيه النساء خلف الحجاب، ويسعين لانتزاع حقوقهن عنوة.

آمنة بنت المختار، التي وصفوها بأنها متمردة وخارجة على السلطة «الأبوية»، سلطة الأب (الرجل)، لديها في كل مرة قضية للتشاجر من أجلها. لا رغبة في الصدام، ولكن لأن لها مبادئ لا تحيد عن الدفاع عنها. تربت آمنة خلف دخان القنابل المسيلة للدموع. شاركت في كل المعارك التي عرفها الطيف السياسي الموريتاني بتلوّناته اليسارية المتعددة، وباتت سيرتها أقرب إلى فيلم طويل يجد في كل مرة عقدة مشوقة تزيد أحداثه جاذبية، منذ أن كانت تعيش أولى مراحل المراهقة وحتى اليوم.

في خمسينات القرن الماضي، وفي بيت أسرة عربية من القبائل ذات التقاليد العريقة في فنون الحرب، رأت آمنة النور بأحد أحياء العاصمة الموريتانية نواكشوط. كان المحيط الاجتماعي محافظا؛ فالأب لا يساوم على الخروج عن التقاليد. إنها «المرأة من بيتها إلى قبرها»، حسب مقولة البدوي الموريتاني حين رأى بنات قريته يتجهن إلى المدرسة، ويردن التحرر من قيود التقاليد الوثيقة في منتصف سبعينات القرن الماضي.

في محاولاتها الكثيرة لكسر تلك القيود، عاشت آمنة أياما سوداء مع أبيها. كان الضرب وتقييد الرجلين السمة البارزة التي تطبع تلك المرحلة، وذلك من أجل إعادتها إلى سكة وضعها الاجتماعي الذي لا يرحم. أظهرت آمنة ميلا مبكرا للمشاكسة، فها هي تعرف طردا مبكرا من مقاعد الدراسة ولم تكمل بعد ربيعها الحادي عشر، فتقف عند عتبة الثانوية دون أن يسمح لها الطاقم التربوي بولوج مقاعد الدراسة لأنها تعمل بالسياسة ولا تعير دروسها الاهتمام الكامل. كان ذلك في أوج صعود الحركات اليسارية وبينها حركة الكادحين أو الحزب الشيوعي الموريتاني. اتجهت بنت المختار إلى وجهتها المفضلة، فانخرطت في الحركة اليسارية (الكادحين) ورفعت شعارات مناصرة المرأة والوحدة الوطنية ومكافحة الرق. تحملت مسؤولية مواقفها تلك لتدخل السجن وتتعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، في وقت كانت فيه المرأة الموريتانية تعامل بالدلال وبمنأى عن غياهب السجون.

ظلت بنت المختار وفية لمواقفها السياسية المعارضة لنظام مؤسس البلاد المختار ولد داداه، والحكام العسكريين الذي تعاقبوا على مقاليد السلطة، حتى وقعت الأحداث الدامية بين موريتانيا وجارتها الجنوبية السنغال في عام 1989. انتقلت حينها المناضلة من مسارها السياسي إلى مسار حقوقي يتعاطف مع ضحايا الإرث الإنساني الذي كان السود ضحيته من خلال التصفية الجسدية وإجلائهم عن الأراضي التي يقطنون فيها، من خلال تأسيس منظمة لمؤازرة ضحايا القمع في موريتانيا سمتها «لجنة التضامن مع ضحايا القمع في موريتانيا». بدأت تطرح من خلال منظمتها الجديدة قضايا حقوقية تعنى بالوحدة الوطنية والمشاكل التي تعاني منها المرأة، التي من أبرزها الصعوبات التي تلاقيها النساء الأرامل جراء إعدام الآلاف من أزواجهن. لم ترق لنظام الرئيس الأسبق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، طرح هذه المواضيع على طاولة الحقوقيين، وبدأ يوجه لبنت المختار عصاه الغليظة حيث تم فصلها من عملها الذي كان مصدر رزقها والذي تعيل به 3 بنات وولدا.

تقول آمنة إنها عانت الكثير على يد نظام الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، لدرجة أنها لجأت إلى استبدال اسمها الحقيقي وهو آمنة بنت أعل الذي أصبح على القائمة السوداء، إلى آمنة بنت المختار الذي هو اسم مستعار لكنه أصبح متداولا بين الناس. وتوضح بنت المختار أن السبب الداعي إلى تغيير اسمها كان أن اسمها الحقيقي معروف عند الأمن، وبالتالي لا تستطيع أن تتنقل ببطاقة تحمل ذلك الاسم إلا ووجدت مضايقات. فاضطرت للجوء إلى تلك الحيلة ونجحت فيها، «لأن الأمن يعرفون اسمي أكثر من شخصي».

ولما رأى النظام أن الضغوط لن تجدي نفعا في تليين مواقفها، عاد ثانية وأدخلها إلى السجن بعد أن تمت ملاحقتها في كل مكان حلت فيه، واعتقلت أخيرا في غامبيا حيث كانت تشارك في نشاط حقوقي طرحت فيه مسائل كانت تصنف محظورة عند النظام آنذاك.

وفي عام 1999 كانت محطتها الحقوقية الثالثة، تأسيسها منظمة «رابطة النساء معيلات الأسر» مع 75 امرأة من رفيقات دربها، إثر حادثة مؤثرة دفعتها إلى تأسيس منظمتها، حيث حضرت مع رفيقاتها محاكمة امرأة تزوجت من رجل تحت مظلة «الزواج العرفي»، ونتج عن عقد الزواج المزعوم أولاد، وتوفي الرجل ولم يترك أثرا لهذا العقد مما ترك المرأة في ضياع تام. ودفع ذلك الزوجة إلى رفع قضيتها أمام المحكمة، ولما لم يساعدها النطق بالحكم على نيل حقوقها، أصيبت بأزمة قلبية وتوفيت قبل وصولها إلى المستشفى. هذه الحادثة تركت أثرا عميقا في نفسية بنت المختار، وزادتها قناعة مفادها أن عدم الاهتمام بالمرأة والظلم الذي يمارس بحقها من طرف المجتمع، إضافة إلى التهميش في المجال السياسي والاقتصادي والفكري، هي من يقف وراء كل ما يحصل لها من متاعب، وبالتالي فقد قررت تأسيس «رابطة معيلات الأسر» من أجل مؤازرة النساء وتوجيههن والدفاع عن حقوقهن إضافة إلى توفير الحماية اللازمة للأم وأولادها.

عندما بدأت المنظمة (رابطة معيلات الأسر)، وهي محطتها الثانية في عملها الحقوقي الميداني، اعتمدت على مجهود ذاتي في السنوات الست الأولى (1999 – 2005) وكانت نتائج عمل هذه السنوات كبيرة، حيث أصبحت كل ولاية من ولايات البلاد البالغة 13 تتوفر على منسقية للمنظمة تقوم بتشخيص الوضع النسائي وما يعانينه من مشاكل، كما قامت بجهود لمحو الأمية وفتحت 2500 تعاونية في المواطن الأكثر هشاشة وفقرا. وقامت بتدشين مركزين لإيواء ضحايا العنف، أحدهما في نواكشوط، والآخر في «كيهيدي» جنوب شرقي موريتانيا، وهو من مدن الضفة التي وقعت فيها تجاوزات عرقية خلال مواجهات عام 1989، والآخر مركز يعنى بحقوق الإنسان ومقره نواكشوط.

وأصبحت بنت المختار رمزا للدفاع عن حقوق المرأة، وحينما يكون نشاط نسائي، تتصدر آمنة واجهته. وحين يفقد حقا، تكون آمنة حاملة اللواء حتى تعيد الحق إلى أهله، وذلك ما شهدت عليه وقائع عدة، منها أنها خاضت معركة شرسة مع القائمين على إعداد مدونة الأحوال الشخصية وتطويرها، حتى انتزعت مكاسب مهمة لحاضر المرأة ومستقبلها تجسد في نيل المرأة 20 في المائة من المشاركة السياسية، كانت من نتائجه تعيين بعض النساء على هرم الإدارة الإقليمية والتمثيل الدبلوماسي.

وتقوم منظمة «معيلات الأسر» بحملة مغاربية حول «الإرث» بالتعاون مع الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، والجمعية الديمقراطية لنساء تونس إضافة إلى جمعية الأم والطفل الجزائرية، ولم يتخلف عن الحملة المغاربية إلا ليبيا «التي لا توجد فيها ديمقراطية ولا حقوق إنسان»، حسب تعبيرها.

وتقول بنت المختار إن حملتها حول «الإرث» وما ألحق به من الوصايا «تدعو فيها إلى مقاصد الشرع التي هي روح الشريعة، وأن هذا الباب يحتاج إلى مزيد من الاجتهاد، لأن النصوص الواردة فيه اجتهادية ومتجددة، ويجب ملاءمتها مع كل جديد». وتحاول آمنة تطبيق نظريتها على واقع الوصية للمرأة والتحذير من تنصيب وصي عليها، بالقول: «إن المرأة كانت في الزمن الماضي لا تقرأ ولا تكتب، وتحتاج إلى رجل أمين يساعدها في ضبط المال المورّث ويحسن رعايته وتدبيره. ولكن حال المرأة تغير وصارت مثل الرجل، بينما الوصي تغيرت أوصافه إذ كان أمينا، وفي الوقت الحالي أصبح مصدر تبديد للمال الموصى عليه، وبالتالي يجب أن نأخذ هذه المعطيات الجديدة بعين الاعتبار لتتولى المرأة حراسة ما تتوفر عليه من المال ولا نبقى أسارى لنصوص ربما لا تتلاءم مع واقعنا اليوم».

كما تنوي آمنة القيام بحملة دولية حول «الأسرة الإسلامية»، تهدف إلى تطوير الأسرة الإسلامية، بغض النظر عن العرق الذي تنتمي إليه، من منظور إسلامي خدمة للمجتمعات الإسلامية.

وتطالب آمنة بتغيير القوانين وملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية وتطبيقها. ولم تتوان بنت المختار في انتزاع كل مكسب من شأنه أن يرد للمرأة الموريتانية كرامتها ولو أدى ذلك إلى مواجهة العلماء الذين لا يسيرون معها على نفس المنهج. وتؤكد بنت المختار أن «النصوص الإسلامية الواردة في حق المرأة لو تم تطبيقها، لنالت المرأة الإسلامية حقوقا لم تنلها المرأة في الغرب».

ويقول الصحافي جمال محمد عمر، إن آمنة هي «نموذج للمناضلة الحقوقية الشاملة لجميع مجالات حقوق الإنسان، لأننا في السابق كنا نرى مناضلين في مجال محدد مثل مكافحة العبودية وقضايا الطفل، ومكافحة الرق، بينما معها الوضع يختلف». وأضاف أن «الميزة التي تمتاز بها بنت المختار أن نضالها جاء بشكل عفوي وليس نتيجة لرد فعل من التهميش والحرمان، إذ هي تنتمي للطبقة الوسطى من المجتمع وهي ميسورة، كما تمتاز بخروجها عن ربقة التقاليد التي تعيق العمل النضالي، إضافة إلى التفاني في عملها لدرجة الذوبان في سبيل خدمة الآخرين».

ورغم مشوار بنت المختار الطويل في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق المظلومين، فإنها لم تسلم من وصف البعض بدعم دعاة العنصرية والتفرقة التي يتهم البعض بها بيرام ولد عبيد رئيس «المبادرة من أجل الانعتاق» المثيرة للجدل، والمعنية بمكافحة الرق في موريتانيا، كما يقول القائمون عليها. وتقول بنت المختار إنها «تشاطر المبادرة في توجهها المكافح لممارسة الاسترقاق، لكنها لا تشاطرهم في الأسلوب الذي يقومون به في معالجة الظاهرة»، موضحة أن «جميع مكونات الشعب الموريتاني مدعوون لمكافحة الرق وآثاره، بيد أن الطريقة التي يعالج بها بيرام الظاهرة ليست هي الحل بل ربما تؤدي إلى نتائج عكسية»، مؤكدة أنه «لا ينبغي ترك معالجة ظاهرة الرق للفئة التي كانت تعاني منه فقط».

COMMENTS