الرئيس ميشال عون لـ"الأهرام" :التفاهم مع الرئيس السيسى بدأ قبل أن نلتقى بسبب خلفيتنا المشتركة

الرئيس ميشال عون لـ"الأهرام" :التفاهم مع الرئيس السيسى بدأ قبل أن نلتقى بسبب خلفيتنا المشتركة

الاقتراب المجدد للروس من إفريقيا : قراءة مختلفة
US-Led Coalition Admits It Has Killed 1300 Civilians in Syria and Iraq
Al-Nosra, pièce centrale de la guerre d’usure américaine en Syrie

قبل ساعات من وصوله القاهرة على رأس وفد كبير رفيع المستوي، تحدث الرئيس اللبنانى ميشيل عون إلى «الأهرام» فى مقابلة خاصة عن العلاقات الثنائية الراسخة بين مصر ولبنان، وعن الملفات الإقليمية التى يعتزم مناقشتها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي،

وكان الرئيس عون سريع البديهة عندما توجهت إليه بالسؤال عن محور العلاقات الثنائية فى محادثاته مع الرئيس السيسى فقال «أعتقد.. لن نتعذب بالحديث فيها. لأنها علاقات تقليدية وجيدة والحمد لله». وقد امتدت المقابلة مع الرئيس عون ساعة كاملة بعد أن كان مقررا له 35 دقيقة فقط،حسب بروتوكول المقابلات الصحفية، إلا أن الرئيس اللبنانى كان مرحبا بشدة بالحديث إلى الصحيفة الأولى فى مصر والعالم العربي، وحملت كلماته تقديرا كبيرا للرئيس السيسي، وقال إن التفاهم بينهما يسبق اللقاء بسبب خلفيتهما المشتركة فى إشارة إلى تاريخهما فى المؤسسة العسكرية فى البلدين. وتحدث الرئيس عون عن أجواء الزيارة التى تبدأ غدا، فقال إنه مهتم بتلبية دعوة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لزيارة الأزهر الشريف، إيمانا منه بما تعلمه فى الصغر من احترام لحرية العقيدة وحرية المعتقد، واحترام الحق فى الاختلاف. ولأن «عون» يدافع عن حق الاختلاف على مستوى العقائد المختلفة، فهو يرى الاختلاف فى الآراء والمواقف السياسية بين اللبنانيين أمرا طبيعيا، ويقول إن منهجه فى الحكم هو «عدم إلغاء أحد للآخر.. وأن الخلاف هو الاستثناء والتفاهم هو الباقي». العين التى ينظر بها ميشيل عون إلى أزمات لبنان والمنطقة العربية هى عين خبير وصاحب تجربة فى زمن صعب مرت به بلاده، وعندما تطرقت معه إلى الوضع فى سوريا قدم الرئيس اللبنانى إلى محدثه نسخة مكتوبة من حوار تليفزيونى أجراه بعد شهرين فقط من بدء المشكلة السورية (مايو 2011) يقول فيه: «إن تجربة لبنان قد سبقت تجربة الشعب السوري، ففى السبعينيات كانت تجربة اللبنانيين مؤلمة فى ضوء النتائج التى نتجت عنها». ومن واقع ما رآه فى الماضى والحاضر، يقول الرئيس عون إنه ينتظر «صوتا صارخا» ينطلق من الجامعة العربية يدعو الجميع إلى الهداية ويرى أن القمة العربية المقبلة يجب أن تتحرك فى اتجاه إحياء الجامعة «المشلولة» وتقليص دور الغرباء عن المنطقة فى التعامل مع أزماتها. وخلف مكتب الرئيس عون توجد لوحة لمقدمة الدستور اللبناني، وهى التى تنص على رفض توطين الفلسطينيين، وفى تلك النقطة يقول «إن لبنان يدافع عن عودة اللاجئين والاعتراف بالوطن الفلسطينى ومواجهة دعاوى التوطين». ويشير بلهجة صارمة إلى أن «عارا تاريخيا» سوف يلحق بالعرب لو نجحت إسرائيل فى إلغاء الهوية والأرض الفلسطينية وتفريغ الأماكن المقدسة من المسلمين والمسيحيين. وتصادف أن يكون الحوار فى اليوم الأول بعد المائة يوم الأولى للرئيس عون فى الحكم، وعندما تطرقنا قبل نهاية الحوار إلى ما عاينه من موقعه الرفيع فى 100 يوم تحدث عون بلا تردد عما رآه فقال «إن هناك صعوبات غير موجودة فى بلد آخر بسبب إرث يصعب تغييره يحتاج من وجهة نظره إلى تصحيح»، ويقول: «أنا من الإصلاحيين» الذين يريدون تصحيح طريقة الحكم وطريقة التعامل مع القضايا العامة من خلال تطبيق الدستور والقوانين. والعادات التى تسمح بتجاوز الدستور والقوانين لابد أن تتوقف.
قبل أن أترك مكتب الرئيس عون أهديته الصفحة الأولى من العدد الأول من صحيفة «الأهرام»، فكانت سعادته بها كبيرة جدا وأبدى تقديرا خاصا للصحيفة قائلا إنها «دليل» على عمق ما بين مصر ولبنان بالنظر إلى مؤسسيها اللبنانيين قبل 140 عاما. فإلى نص المقابلة:
◄ الأهرام: فخامة الرئيس .. ما هى القضايا التى على جدول أعمال مباحثاتكم مع الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال زيارتكم مصر؟

 

الرئيس عون: بالتأكيد هناك من المشكلات فى المنطقة التى يجب بحثها خاصة أن لبنان أمضى عامين ونصف العام دون رئيس.. وبالطبع فإنه خلال المباحثات سيكون الحديث عن الأوضاع فى المنطقة وستتفرع منه موضوعات أخري. وبالنسبة للعلاقات الثنائية أعتقد أنه لن نتعذب بالحديث فيها. لأنها علاقات تقليدية وجيدة والحمدلله، ولا يوجد أى شيء (مشكلة) بيننا ومصر حاليا، لكى يتم حلها لأن العلاقات سليمة للغاية.

◄ الأهرام: بالنسبة للشق الاقتصادي.. هل سيكون هناك تعاون فى مجال إنتاج الغاز الطبيعى فى ضوء الاكتشافات الجديدة فى مصر ولبنان؟

الرئيس عون: جميع قطاعات التعاون مفتوحة للنقاش والوفد المرافق يضم وزراء يمكن أن يتحدثوا فى الموضوع تقنيا مع زملائهم المصريين. وموضوع التعاون يجب أن يكون – دائما – أكثر من زيارة رسمية فقط.

◄ الأهرام: بالتأكيد الأزمة السورية ستكون مطروحة على جدول الأعمال، كيف ترون الموقف المصرى فى التعامل مع الأزمة، وماهو تقديركم للموقف بالنسبة للخروج منها كدولة جوار لسوريا وعلاقات لبنان بها؟

الرئيس عون: اترك لنا شيئا لنقوله فى المباحثات (يضحك).

◄ الأهرام: على الأقل ما هى الخطوط العريضة لموقفكم؟

الرئيس عون: مما لا شك فيه أننا يجب أن نهدف من عملنا الدبلوماسى إلى الوصول إلى حل سياسى .. لأنه دائما المشكلات التى تتعلق بموضوعات داخلية يجب أن تنتهى بتسوية.. فلا أحد يستطيع أن يحذف قسما من شعبه فى حل سياسي. وقد كان عدم القدرة على حل الأزمة سلميا سببا فى الوصول إلى هذه المرحلة الحامية من التدمير فى الوطن إنسانيا وبنيانا. فهذه الأزمة تحتاج إلى حل سياسي.. وأنا كنت من أنصار هذا الحل منذ البداية بأن تنتهى القصة بالتفاوض واليوم – قبل لقائى معكم – طبعت نسخة مكتوبة من حوار تليفزيونى أدليت به فى مايو 2011 بعد شهرين فقط من بداية المشكلات فى سوريا. وقد جاء فيه (تجربتنا سبقت تجربة الشعب السورى فقد حصلت فى السبعينيات وكانت جد مؤلمة بالنسبة لنا نظرًا للنتائج التى انبثقت عنها). والعمل المسلح داخل البلاد يؤدى إلى الخراب حتى لو انتصر حامل السلاح، لأنه لو انتصر فهو يحتاج للكثير من الوقت لكى يعيد البلد إلى الحياة الطبيعية.. الحوار والإصلاحات المتدرجة تنقل البلد من مرحلة إلى أخري، ولكن لا نستطيع أن ننتقل بالبلد من مرحلة إلى أخرى دون التدرج. نستطيع أن نتعلم من الثورة الفرنسية، فقد احتاجت فرنسا مائة سنة لتعود إلى الحياة فيها طبيعتها بسبب المراحل التى مرت بها الثورة. لا أحد يرغب فى تجربة الدم، خصوصا إن كان هناك تجاوب من السلطات مع المطالب الوطنية، وفى سوريا حكم واقع يتطلع إلى مطالب الشعب ويعمل على تحقيقها.

◄ الأهرام: تشهد المنطقة مسلسلا من الانقسامات العربية فى إطار مخططات التدمير والتقسيم والفوضى الخلاقة.. كيف ترى الدور المصرى فى مواجهة ذلك المخطط، خاصة أنها استطاعت إلى حد كبير تجاوز هذا المخطط فى 30 يونيو 2013؟

الرئيس عون: لدينا مشكلة مشتركة تبدو كأنها دائمة، وهى الإرهاب الذى يضرب فى كل مكان، ونخشى فى المستقبل أن يكون ضمن الوحدات العسكرية الظاهرة للإرهاب التى تقاتل تنظيما سريا ويشكل خلايا نائمة فى المجتمعات العربية ومجتمعات أخري.. فالإرهاب مرض خبيث ينام ثم يعود للاستفاقة فى مراحل معينة، خاصة إذا بقيت هناك دول تغذى هذا الإرهاب. لذلك علينا من الآن أن نحاربه مادام ظاهرا.. وقد تكون الحرب عليه حاليا – مهما تكن مدمرة – أسهل من المرحلة المقبلة إذا كان سيتابع حربه علينا بشكل سري.. وهذا الموضوع يحتاج متابعة ويتطلب تنسيقا بين الأجهزة الأمنية فى الدول العربية حتى يتم وضع حد لهذه الظاهرة.

◄ الأهرام: هل مواجهة الإرهاب مسئولية أمنية فقط.. أم مسئولية أجهزة ومؤسسات أخرى مثل المؤسسات الثقافية والدينية؟

الرئيس عون: وصلتنى دعوة من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب لزيارة الأزهر، وسوف ألبيها لأننا نهتم بذلك.. نحن فى لبنان نمر أحيانا بانقسامات سياسية ولكننا لم نمر يوما بأزمات تتعلق بالفكر الديني، لأننا بلد حوار، وتعلمنا منذ الصغر احترام حرية المعتقد والحق فى الاختلاف وحرية الرأي.. ولبنان يمكن أن يكون نموذجا للتعايش المشترك بعد مرحلة التعصب التى مر بها العالم.

◄ الأهرام: بعد عودتكم إلى لبنان عام 2005 اتخذتم موقفا بطيِّ صفحة الماضى (الخلاف مع سوريا) إلى أى مدى تثبت الأحداث التى تمر بها المنطقة منذ 2011 صواب رؤيتكم للحفاظ على لبنان؟

الرئيس عون: فى المرحلة الأولي: تعاونت مع كل التشكيلات السياسية الموجودة فى لبنان بالرغم من محاولات عزلى عن الحياة العامة.. ولكن يحق لها – إذا شئنا أن نكون متسامحين – أن تعزل، لكنهم لم يستطيعوا وهذا يعود إلى الدعم الشعبى الذى أتلقاه من جميع الشرائح اللبنانية.. ثم أقمت أول تفاهم مع حزب الله وهو (المقاومة) وكانت مستهدفة فى حينه بالقرار الدولى 1559 لأسباب كثيرة من بينها مقاومتها إسرائيل وأثبتت ذلك بعد عام.. وبفضل الدعم الذى وفرناه لها وتغطيتها سياسيا رفعنا عنها الاتهام بأنها مقاومة شيعية فقط.. فهى ليست شيعية بل هى وطنية مما أمن جانبا كبيرا من الشعب اللبنانى على أنه ليس متروكا فكان ذلك مصدرا للتهدئة. وفى المرحلة الثانية: مع تأجج الصراع فى العراق (بعد الغزو الأمريكى عام 2003) خشيت أن ينتقل هذا الصراع إلى لبنان، وكانت لى عدة مقابلات مع صحف خليجية، بالذات، نبهت فيها من انتقال شرارة الحرب المذهبية بين السنة والشيعة إلى لبنان، وأكدت أننا لن نسمح بانطلاق شرارة من لبنان لحرب سنية شيعية ولن نتلقى أى شرارة حرب سنية ــ شيعية ــ فى لبنان.. وبالطبع هذا من أجل الحفاظ على الاستقرار والسلام الوطنيين فى لبنان.. ولكن الأهواء السياسية تختلف تماما عن التمسك بالأمن الوطنى والسلامة الوطنية لذلك انقسم اللبنانيون فيما بعد بين من يحبذ الحل مع سوريا أوضد سوريا فى هذه الحرب، لكن بقى الجميع متمسكين بالاستقرار فى لبنان وهذا ما أنقذنا.. وأيضا عدم التكافؤ فى القوى ساعدنا.. كما أن القادر «ماديا» لا يريد أن تكون هناك مشكلات أمنية.. والآخرون فكروا فى أن المشكلات ليست فى مصلحة أحد.. وهكذا توصلنا إلى حل يقارب الهدنة نحاول أن نصنعه سلاما.

◄ الأهرام: خلال زيارتكم المملكة العربية السعودية.. وزيارتكم القادمة الجامعة العربية.. هل كانت مسألة اعتبار حزب الله منظمة إرهابية مطروحة؟

الرئيس عون: من جهتى لم أطرح هذا الموضوع.. لأن حزب الله فى لبنان هو شريحة كبيرة من الشعب اللبناني.. وهم سكان الجنوب، وهم ليسوا مرتزقة كما جاء المرتزقة إلى سوريا من مختلف البلدان.. هم لبنانيون يدافعون عن أرزاقهم وأملاكهم بالدرجة الأولى وبالطبع يتلقون العون من الآخرين.. فلا يمكن أن نكون مع إسرائيل ضد قسم من شعبنا.. وأرضنا هى التى يتم تخريبها.. وبالنسبة لى فإن البيت اللبنانى ليس شيعيا، والأرض اللبنانية ليست شيعية ولا سنية ولا مسيحية هى أرض لبنانية للجميع ولبنان للكل.. وكل منا لديه معتقده وهذه هى حرية الاعتقاد، ولكن كلنا متضامنون – على هذه الأرض – على أن نعيش متفاهمين معا.. وبالطبع الخطاب يأخذ أحيانا طابعا ناريا فى السياسة، ولكن لا تندلع النار.

◄ الأهرام: من واقع خبراتكم العسكرية والسياسية كيف ترى الخروج من حالة الانقسام العربى حاليا؟

الرئيس عون: هذا هو صلب المشكلة التى يجب التعامل معها حتى نستطيع أن ندخل فى مسار صلح أو على الأقل هدنة بين الدول العربية.. الوضع غامض فقد أصبح هناك تصارع مصالح بين الدول الكبرى ولَم يعد مع اللاعبين الصغار.. ولكن هناك مدخلا لهذا الموضوع هو أن نعرف ماذا يريد المتصارعون؟ .. إذا كانت نزعة إلى السيطرة فلن نستطيع أن نسير معها.. ولكن إذا كانت هناك مصالح فهى لكل الأطراف .. أن نجلس وندرس بعقلية الحكم وليس بعقلية المحازب (المؤيد) لهذا الطرف أو ذاك حتى نستطيع أن نصل إلى حل ووفاق.

◄ الأهرام: فى ضوء ذلك كيف ترون أولويات القمة العربية المقبلة؟

الرئيس عون: أول شيء هو العمل على إحياء جامعة الدول العربية.. فهى «مشلولة» ويجب إحياؤها وإذا انطلق منها صوت صارخ يدعو الجميع للهداية فإنه بالتأكيد سيلقى صدي، فالجميع متعبون.. وسيتقلص الدور الأجنبى غير العربى فى أى أزمة.. وعندها سيكون لصوت الجامعة العربية أهمية. وبالتأكيد لابد من وجود روح المبادرة، فوجودها أساسا كجامعة كان مبادرة عربية، فلابد أن تعمل الجامعة بالروح نفسها.. فهى لها قوانين لو تم احترامها ما كنّا وصلنا إلى حالة صدام.. وأنا متمسك بالمادة الثانية فى ميثاق الجامعة التى تحرم على أى دولة عربية التدخل فى شئون دولة عربية أخري.

◄ الأهرام: فى إطار الوضع الإقليمى كيف ترون مستقبل العلاقات العربية مع إيران وتركيا؟

الرئيس عون: هذه الدول متجاورة، وهذه الدول يجب أن تحتفظ بعلاقات متميزة لأن هناك مصالح كثيرة مشتركة بين أى دولة ودولة أخرى مجاورة لها، أكثر مما بين أى دولة ودولة أخرى بعيدة عنها، وإذا وجد التفاهم تتميز العلاقات إما بالخير وإما بالشر.. ولأن الجغرافيا هى التى تتحكم بالسياسة، فلابد من حسن الجوار الذى يتعلق بالدرجة الأولى بالأمن والمصالح الاقتصادية، وأخرى مشتركة مثل المياه والأحواض النفطية الحدودية والاستثمار المتبادل وكلها أمور إيجابية.. فلا شيء محرم لحسن العلاقة سوى شن الحرب.

◄ الأهرام : هل يمكن أن يكون لبنان جسرا لتفاهم خليجى – إيرانى أو عربى – إيراني؟

الرئيس عون: ولمَ لا؟ .. فعلى الإنسان أن يحاول والمحاولة قد تنجح وقد لا تنجح .. لكن تبقى هناك راحة الضمير بدلا من أن يبقى الإنسان متفرجا.. وإذا لم نحاول فسيكون هناك الفشل الذريع دون أن يقدم الإنسان أساسا على المحاولة.. فالإقدام أفضل، فعلى الأقل يكون هناك شرف المحاولة.

◄ الأهرام: هناك تقديرات تشير إلى وجود ما يقارب مليون نازح سورى فى لبنان.. كيف تتعاملون مع هذا الأمر؟ وما هو المطلوب عربيا لدعم لبنان؟

الرئيس عون: أكثر شوية.. نحو مليون ونصف مليون نازح سوري.. هذا حمل كبير وآثاره واضحة فى لبنان اقتصادية وأمنية وسياسية، فالوضع بالفعل صعب جدا اليوم: وكـ «لبناني» ومن كل قلبى أقول إن الشعب اللبنانى «قديس».. فأنت لا تتصور كيف يتحمل هذا العبء من جراء هذه المشكلة. فالكثافة السكانية فى المدن فى لبنان كبيرة نحو 400 نسمة فى الكيلومتر المربع زادت إلى 600 نسمة بإضافة مليونى سورى وفلسطيني.. ومساحة لبنان صغيرة فلدينا أرض زراعية كلها مخيمات. من هذه النواحى إلى جانب أرضنا الجبلية ومشكلة الإسكان، بالإضافة إلى حدودنا مع إسرائيل حيث توجد القوات الدولية والحدود الشرقية التى ينتشر فيها الجيش اللبنانى وتحتاج إلى تأمين دائم والصدامات التى تحدث أحيانا مع المتسللين من منظمات إرهابية من الشمال الشرقى اللبناني.. مع ذلك كله استطعنا بحمد الله الحفاظ على سلامة الحدود وسلامة الأهالى بيقظة من أجهزة الإعلام ويقظة أجهزة المعلومات «الأجهزة الأمنية».

◄ الأهرام: من وقت لآخر تطرح مسألة توطين الفلسطينيين بالمخيمات فى لبنان.. وأخيرا كان هناك مشروع لتوطين فلسطينيى قطاع غزة فى سيناء فى عهد الإخوان.. كيف تنظرون إلى هذه الدعاوي؟

الرئيس عون: موقفنا أن ندافع عن عودة اللاجئين الفلسطينيين والاعتراف بالوطن الفلسطيني… قد يفكر البعض فى التوطين، ولكن موقفنا واضح ووضعناه فى مقدمة الدستور اللبنانى برفض التوطين فى لبنان، (مشيرا إلى لوحة خلف مقعد الرئيس تتضمن مقدمة الدستور).. وأنا فكرى السياسى حتى قبل أن – تعلن إسرائيل يهودية الدولة – هو أن إسرائيل تريد إلغاء الهوية والأرض الفلسطينية وتعتبر ما تبقى من الفلسطينيين فى فلسطين هم مجرد سكان وليسوا أصحاب أرض وأصحاب هوية. هذا خطر على العرب وعلى الإسلام نفسه.. هل يمكن أن نتصور الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى فلسطين دون مسلمين ومسيحيين؟.. هذا عار تاريخى يلحق بالعرب، بل بالبشرية جمعاء.. هل نتصور إلغاء أرض كان بها نشأة الأديان التى بشرت العالم.. فلسطين مثل مكة المكرمة . القدس بها كل المعالم المسيحية، ومنها انطلق الرسل الذين بشروا العالم.. فاليوم نحافظ تاريخيا على الحجر ونضعه الآثار- فى المتاحف للحفاظ عليها.. فهل نقبل أن نهدم حضارة بحجة التفتيش عن هيكل سليمان الذى لم يعثر عليه تاريخيا حتى يهدموا المسجد الأقصي.. وتساءل: ألا يَرى العرب أن إسرائيل تسعى إلى محو كل ما هو فلسطيني؟

◄ الأهرام: هناك فى المنطقة العربية جدل حول سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، كيف تقيمون هذه المسألة وكيف ترون تداعياتها.. هل ستكون فى مصلحة المنطقة أم العكس؟

الرئيس عون: من الصعب التقدير مع ترامب .. فأنت لا تستطيع التمييز بين الخطاب الانتخابى الشعبوي، والحقيقة الأمريكية.. فوفقا لما يقوله يجب قلب أمريكا رأسا على عقب قبل أن «يقلبنا نحن».. لأن هذا الوضع الذى يريد أن يخلقه غير طبيعى والمخاوف فى أمريكا أكثر من المخاوف لدينا فى المنطقة… التى يمكن أن تكون عن لا وعي، لكن الضرر سيكون لديهم قبلنا.. لذلك يجب علينا عدم التسرع بالتأييد وعدم التسرع بالمعارضة، لأن التسرع بالتأييد يمكن أن يكون خطأ .. وكذلك التسرع بالمعارضة يمكن أن يكون خطأ أيضا.. وأرجحية أن تصيب أحدهما فهذه مقامرة..

◄ الأهرام: والأفضل من وجهة نظركم؟

الرئيس عون: الأفضل الترقب، وأن نعزز وحدتنا الداخلية الوطنية بقدر ما نستطيع وألا يكون ذلك مرتبطا بالسياسة الخارجية.

◄ الأهرام: فخامة الرئيس ينتظر لبنان استحقاق الانتخابات النيابية فى مايو المقبل.. ماذا لو لم يتم إقرار قانون جديد للانتخابات قبل مايو.. هل سيتم التجديد للبرلمان لفترة ثالثة؟

الرئيس عون: من الصعب عدم إقرار قانون مع وجود إرادة لذلك، لأن عدم إقرار قانون جديد يدفع البلد إلى المجهول، لأنه لا يجوز أن يكون هناك مجلس نواب منتخب يتم التمديد له مرتين ليبقى 12 عاما ، فهذه تعد ولاية ملكية وليست ولاية ديمقراطية تتجدد فيها الثقة على موعد محدد (كل 4 سنوات).. لذلك يجب أن يكون هناك قانون عادل. القانون الموجود «أكثره شنيع» كان صالحا نسبيا وقت إقرار الرئيس فؤاد شهاب له عام 1960 (قانون الستين). لأن المجتمع اللبنانى والكتل السياسية وقتها كانت مختلطة إسلامية مسيحية، وكانت هناك إمكانية لتغيير رأى المجموعة .. الْيَوْمَ هذا غير متوافر لأن القانون الجديد بعد الوصاية السورية ميز كثيرا وشكل مجموعة – مع قانون انتخاب متحيز – لا تستطيع تغيير طبيعتها .. ولَم يعد هناك تمثيل صحيح للشعب اللبناني. اليوم نريد التمثيل العادل، مثلما نصت عليه وثيقة اتفاق الطائف، يراعى التعايش المشترك وصحة التمثيل وفاعلية هذا التمثيل.. صحة التمثيل والعدالة فى صحة التمثيل هى أن يتمثل الشعب اللبنانى بكامله، لأنه بكل طائفة يوجد بها أكثرية وأقلية. وفى نظام الأكثرية يتم سحق الأقليات فى قلب كل طائفة .. ولكن النظام النسبى يسمح بتمثيل الأقلية، ويكون تكوين البرلمان هو صورة طبق الأصل من الشعب اللبنانى بأقليته وأكثريته، وهكذا تتشكل المعارضة والموالاة من الكل وهذا يؤدى إلى الاستقرار السياسي. وأذكر أنه فى عام 1970 – عندما أراد البعض عودة الرئيس شهاب للرئاسة – وجه شهاب خطاب استقالة قال فيه: إن قانون الانتخاب (الستين) قانون سيئ ولن أستطيع تغييره.. ولَم يجدد لنفسه ولاية رئاسية جديدة. ولذلك نحن نجتهد من أجل أن يكون لدينا قانون انتخاب يحترم قواعد العيش المشترك ويسمح بصحة التمثيل لجميع شرائح الشعب اللبنانى وفاعلية هذا التمثيل.

◄ الأهرام: كيف أقنعتم حزب الله بقبول عودة الرئيس سعد الحريرى لرئاسة الحكومة؟

الرئيس عون : أقنعتهما بسؤال طرحته على كل من السيدين سعد الحريرى وحسن نصرالله وهو : هل تريد أن تلغى الآخر؟..والاثنان أجابا بـ «لا» .. وأجبت أنا بأنى لا أريد أيضا إلغاء أحد.. لذلك يجب أن نتكلم مع بَعضنا البعض.. وهكذا كان.. وطبعا ذلك ضمن حدود سياسية لا تؤذى الآخر.

◄ الأهرام: فى ضوء التقارب الكبير مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع.. كيف يكون هذا التقارب والاتفاق مفيدا للبنان.. فى ضوء توجهاتكم بعدم إلغاء أحد للآخر؟

الرئيس عون: انطلاقا من هذا التفاهم الجامع الذى لا يفرق.. وجاء نتيجة أن الأحداث التى شهدتها لبنان وزعت الطوائف فأصبحت هناك كتلة سنية تمثل الأغلبية الساحقة من السنة، وكتلة شيعية تمثل الأغلبية الساحقة من الشيعة.. بينما المسيحيون أحزاب متصارعة على الانتخابات بين بعضها البعض، ووفق هذا الصراع لم تكن هناك كتل مسيحية مؤثرة .. وجاءت انتخابات الرئاسة التى خلقت الحاجة لنكون كتلة واحدة. وهذا محا خلاف 30 سنة سابقة، فتم الترحيب به، حيث كان الصراع دمويا فى الثمانينيات من القرن الماضي. وأنهينا بالاتفاق مرحلة كانت سيئة بين المسيحيين، وتوحدوا حتى نستطيع أن نقول هذه إرادة المسيحيين فى لبنان.

◄ الأهرام: هناك اعتقاد بوجود جفوة بينكم وبين رئيس مجلس النواب السيد نبيه برى بسبب موقفكم الرافض التمديد لمجلس النواب.. فما مدى صحة ذلك؟

الرئيس عون: تقريبا لا توجد خلافات.. أحيانا هناك وجهات نظر تختلف وهذا طبيعى فى الحياة الديمقراطية، لأنه لا أحد ملزم مدى الحياة بالآخر. فأحيانا هناك تفاهم، وأحيانا هناك خلاف فى الرأى ونحتكم عند الاختلاف لمجلس النواب أو مجلس الوزراء.. فالخلاف غير دائم وهو الاستثناء.. أما التفاهم فهو الباقي.

◄ الأهرام : الْيَوْمَ هو الأول بعد المائة يوم الأولى لكم فى الرئاسة.. كيف تراها؟

الرئيس عون: بالتأكيد هنا فى لبنان صعوبات غير موجودة فى دول أخرى سببها إرث معين من الصعب تغييره.. إرث أصبح تقليديا يحتاج إلى تصحيح، وأنا من الإصلاحيين الذين يريدون تصحيح طريقة الحكم وطريقة التعامل مع القضايا العامة من خلال تطبيق الدستور والقوانين. والعادات التى تسمح بتجاوز الدستور والقوانين لابد أن تتوقف وكل شيء بإذن الله سيسير بطريقة جيدة.

◄ الأهرام : سيادتكم والرئيس السيسى من خلفية عسكرية هل ذلك يخلق كيمياء وتفاهما من وجهة نظركم؟

الرئيس عون: بالتأكيد ذلك يخلق صراحة وصداقة لأننا كعسكريين نسلك الطريق الأقصر للتفاهم.. أما الدبلوماسية فطريقها طويل.. ولها تعابير لا تقال وعلينا الحذر منها. وأعتقد أننا بدأنا تفاهما قبل أن نلتقي.

◄ الأهرام : شكرًا لكم فخامة الرئيس.. وأهلا بكم فى بلدكم الثانى مصر.

الأهرام، الأحد 12 فبراير / شباط 2017