… عندما حاولنا “إصلاح” رؤية “أكراد قسد”!

التحالف الأميركي ـ البريطاني يعود إلى “حرب الإرهاب” ضد “المنطقة” ؟
“آستانة ـ 4″ : ملامح السياسة الخارجية الأميركية الجديدة و”حزب الحرب”
السعودية : قمم مكة الثلاث ومأزق “انفصام القوة”؟

عاد "أكراد قسد" إلى الجمهورية العربية السورية. فروا إلى حضن دمشق. لأن لا مفر أمامهم سواه. صحيح، أن الروسي توسط، والإيراني شجع. ولكن إلى أين كان سيذهب هؤلاء، بعد رحيل جيش الإحتلال الأميركي والأطلسيين الغربيين من شمال شرق سوريا. التواصل الجغرافي مع "إسرائيل" مقطوع. "المنطقة الصديقة" لهم في شمال العراق، باتت شبه "كولوني تركية" يديرها آل برزاني. لقد ولوا وجههم شطر دمشق، مرغمين، لا حكمةً ولا دهاء.  

الذي رأى وحدات الجيش العربي السوري تدخل إلى مدن منبج وعين عيسى وعين العرب وتعيد السيطرة على الحسكة والقامشلي، يفهم أن "أكراد قسد" قد هربوا من أمام جيش الإحتلال التركي. لقد زعموا أن شمال وشرق سوريا هو مجرد "روج آفا" : "غرب كردستان". هو ناحية في "كردستان الكبرى". وعندما حضر الغزاة الأتراك، لم يثبت "القسديون" زعمهم. ألم تصورهم الدعاية الأطلسية و"الإسرائيلية" بأنهم مقاتلون ذوو شكيمة. أين الشكيمة. لقد تصرفت ميليشيا "أكراد قسد" بـ"وطنها" مثل قطاع طرق، سطوا على حمل ثقيل ثم تخلصوا منه لينفذوا بجلدهم.

مراسلنا: الجيش السوري يدخل عين العرب (كوباني)

مدت ميليشيا "أكراد قسد" يدها طيلة السنوات الماضية، على أجزاء عزيزة من الأراضي السيادية للشعب العربي السوري. عندما كان هذا الشعب في ذروة ثباته، وصبره في ميدان الحرب الإمبريالية التي شنت عليه. تنفيذ مخططات حلف شمال الأطلسي ـ "إسرائيل"، استوجب هدر الحقوق الوطنية التاريخية للسوريين. وهذا الهدر تجلى باستخدام كل أنواع وأدوات الحرب، لـ : تفتيت المجتمع السوري، تقسيم الأرض السورية وتدمير الدولة السورية. وقد شاركت هذه الميليشيا الرجعية في التنفيذ الخرابي، وكانت جزءاً من قوى وأدوات الحرب على سوريا، أسوة بالذَنَب التركي والذَنَب "الخليجي".

يعرب البعض عن خشية، صادقة أو كاذبة، على حقوق (وواجبات) الموَاطَنَة لكل السوريين، بغض النظر عن خصائصهم الدينية ومميزاتهم الثقافية. ويشيرون بالذات، إلى المتحدثين بالسريانية، الكردية، الشركسية، الأرمنية، التركية. لكن هذه الخشية في غير محلها. لأن مورفولوجيا/ مراحل تشكل الدولة الحديثة في سوريا، وخصوصاً الحفاظ على الإستقلال واعتماد برنامج التنمية الشاملة، قد ساهم في حفظ وحماية تلك الخصائص والمميزات.

يمكن أن نرد أيضاً، بأن السياق الدولتي لسوريا الحديثة، كان مفتوحاً أمام ذوي تلك الخصائص والمميزات. وعلى سبيل المثل، كان رئيس الأركان ووزير الدفاع السوري "تركمانياً". ومفتي الجمهورية "كردياً". لقد حاولنا، بالفعل، "إصلاح" رؤية ممثلي "أكراد قسد" خلال جلسات حوار عقدت بيننا في بيروت عام2017. وخلالها، ذَكَّرناهم بهكذا حقائق تاريخية معاصرة، بل راهنة. وقلنا أنه إذا كان هناك مظلومية كردية في تركيا، تبرر مواجهاتهم مع حكومة أنقرة، فإن الأمر في سوريا مختلف كلياً. لقد آوت سوريا، دولة ومجتمعاً، الأكراد، مثلما آوت الأرمن والشركس، وكذلك اللاجئين والنازحين العرب من الجزائر وفلسطين ولبنان والعراق. وهذا تقليد إمبراطوري بيزنطي وعربي. ولكن الذي تعلق عقله بـ"اللوبي الإسرائيلي" في واشنطن لن يلتفت إلى نصيحة تأتيه من حريصين على المصالح الوطنية لكل السوريين، وكذلك للعرب والأكراد. 

بعد كل ذلك، تأتي، اليوم، تفسيرات قادة "أكراد قسد" للإتفاق الذي عقدوه مع الحكومة السورية برعاية روسيا. تفسيرات تنطوي على تذلل أحمق للولايات المتحدة والدول الغربية. نفهم منها، أنهم يجربون تطبيق الإتفاق "بالمفرق"، على إيقاع الوسوسات السياسية التي تردهم من واشنطن ولندن وباريس. لا يزال "أكراد قسد" مشبعين بوهم التدخل الخارجي الغربي ـ "الإسرائيلي". لا يريدون أن يصدقوا أن هذه العواصم استهلكتهم و"لفظتهم"، من أجل مصالحها. سؤال "قائدهم" للأميركيين عن "الأخلاق" سخيف. وهو على الأرجح، "ضَحِكٌ على لحى" مرؤوسيه.         

لا نريد تحليل مستقبل ميليشيا "أكراد قسد" وما إذا بوسعهم أن يعودوا جزءاً من أكراد سوريا. الإجابة على هذا السؤال مرهونة بعوامل كثيرة. أولاً، لأنهم خانوا الوطن وتعرضوا للدولة. ثانياً، لأنهم قسموا أكراد سوريا، وقد لا يقبل هؤلاء بمنح "أكراد قسد" حقوق المواطنة بعد كل الجرائم السياسية والأمنية التي ارتكبوها. لقد نفذت ميليشيا "قسد" هندسات ديموغرافية، ضد المواطنين العرب في كل المناطق التي احتلها الأميركيون والأطلسيون، في شمال وشرق سوريا، وجعلوا من هذه الميليشيا أداة محلية لإدارة المناطق السورية المحتلة. والأسوأ، أنهم سهلوا وجود شبكات العدو "الإسرائيلي" في تلك المناطق.

يلاحق "أكراد قسد" عار الجبن والتخاذل في الدفاع عن أنفسهم أمام الأتراك، ناهيك عن حماية "وطنهم" المزعوم. كيف ننسى أنهم رفضوا تسليم مدينة عفرين بريف حلب، إلى الجيش العربي السوري، ثم تركوها لقمة سائغة تسقط بفمِ أردوغان (عام 2017)؟. يقولون الآن، أن على الجيش الإنتشار عند الحدود مع تركيا، وأنهم سيبقون على "الإدارة الذاتية" التي شيدوها في المدن والأرياف السورية بحماية الإحتلال الأميركي ودعمه. وهذا قولٌ ليس مهماً. 

ليقل "أكراد قسد" ما يريدون. قولهم ليس مهماً، لأننا تعلمنا من تاريخ حركات المقاومة الوطنية في بلادنا أن فلول العملاء ترحل مع الإحتلال الأجنبي.

ميليشيا "قسد" ليست استثاء.

 

هيئة تحرير موقع الحقول
الخميس‏، 18‏ صفر‏، 1441، الموافق ‏17‏ تشرين الأول‏، 2019