إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الإثنين 4 أيلول، 2017

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس، 21 تموز 2022
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الإثنين 4 تشرين الثاني، 2019
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 8 أيلول، 2022

«امتصاص» الأزمة، الذي بادرت إليه كلّ الأطراف، يدّل على أنّ الأمور في ما خصّ ملف الجرود آيلة إلى الهدوء، من دون أن يكون هناك قرار بفرط الحكومة، التي يبدو أنّ قرار وجودها أكبر بكثير من المعارك الداخلية. يبقى ملّف واحد، يوحي بأنّه سيكون عنواناً للأزمة السياسية والاقتصادية المقبلة، هو احتمال ردّ المجلس الدستوري قانون الضرائب التي أقرت بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب. لا يُعتبر ردّ قانون الضرائب «نزهة» ومن دون تبعات خطيرة. فقد ينعكس ردّ القانون ارتفاعاً هائلاً لعجز الموازنة، وزيادة في الاستدانة، مع إمكانية مطالبة البعض بتعليق العمل بقانون سلسلة الرتب والرواتب …
Related image
الأخبار
تهدئة ما بعد التحرير: هل يخرقها المجلس الدستوري؟
الأزمة المالية في لبنان (1): الليرة والمصارف في خطر

أصاب الشلل، الأسبوع الماضي، الحياة السياسية في لبنان. فبات الحدث الأبرز هو ردّ المجلس الدستوري قانون الضرائب، والحديث عن أنّ تبعات ذلك قد تكون سيئة على الاقتصاد. كما أنّه ضربٌ لأحد أهم إنجازات البرلمان اللبناني: فرض الضرائب على الشركات المالية والمصارف
أعطت عطلة عيد الأضحى «نَفَساً» للسياسيين، وللحكومة اللبنانية، حتّى تتجاوز أزمة ما بعد معركة تحرير الجرود 2. فغداة الاتفاق الذي أدّى إلى انتهاء معركتَي «فجر الجرود» و«إن عُدتم عُدنا»، وتحقيق هدفَي الهجوم المُتمثلين أولاً بكشف مصير جنود الجيش اللبناني الذين أسرهم «داعش» في آب 2014، وثانياً بإنهاء وجود التنظيم الإرهابي داخل الأراضي اللبنانية وفي المناطق السورية المُتاخمة للحدود مع لبنان، انقسم السياسيون في ما يُشبه الصراع في البلد أيّام ما كان يُعرف بـ 8 و14 آذار.
محور 8 آذار مزهوّ بالانتصار، ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل يُعلن أنّ «العسكريين استشهدوا عند السكوت والتقاعس عمّا حدث عام 2014، فلا لبعثرة الانتصار… من سمحوا بالإرهاب سابقاً فليسكتوا اليوم وليكفّروا عن خطاياهم بالمساعدة بحل موضوع النزوح». في حين أنّه على الجبهة الأخرى، لم يملّ أعضاء 14 آذار من محاولة الفصل بين الجيش اللبناني وحزب الله، وكأنّ كلّ طرف كان يخوض معركةً مُنفصلة عن الآخر، رغم أن الميدان أثبت العكس. حاول «ثوار الأرز» توهين ما أنجزته المقاومة اللبنانية من تحرير للأرض وتحقيق أهداف المعركة.
كلّ المؤشرات كانت تدّل على أنّ الأمور آيلة إلى تصعيد وتوتّر سياسيّين، إلى أن عقد الرئيس ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزف عون، مؤتمراً صحافياً في 30 آب، روى فيه قائد الجيش تفاصيل المرحلة الأخيرة من المعركة ضد داعش، فبدت روايته مطابقة لما سبق أن أعلنه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. أعاد قائد الجيش سرد تفاصيل نهاية المعركة، التي حقّقت هدفيها كما قال، وكيف أنّه لم يكن سيُغامر بالإطباق على الإرهابيين بتكبّد المزيد من الخسائر البشرية ومن دون كشف مصير الجنود. وعلى الرغم من أنّ الأطراف التي تدّعي الحرص على الجيش، ولا سيّما القوات اللبنانية، «تجاهلت» كلام العماد عون، مُصرة على النغمة عينها أنّ حزب الله يُمسك بقرار الدولة و«جرّ» الجيش إلى إنهاء معركة الجرود، إلا أنّ كلام العماد عون ساهم في تخفيف حدّة النقاش.
تلا ذلك، خطاب نصرالله خلال احتفال التحرير الثاني، الذي أضاء على تكليف حكومة سعد الحريري الجيش اللبناني القيام بمعركة تحرير الجرود، مُطمئناً إلى عدم إسقاط الحكومة، حتى بوجود ملفات خلافية كالتنسيق مع سوريا. بعد كلام نصرالله، جاءت مقابلة الحريري مع صحيفة «لو موند» الفرنسية بعد زيارة رسمية لباريس. إعلان رئيس الحكومة أنّ قرار إخراج عناصر «داعش» إلى ما بعد الحدود اللبنانية صَدر عن الرئيس عون وعنه، بدا ردّاً على فريقه السياسي، وتحديداً كتلة تيار المستقبل ورئيسها النائب فؤاد السنيورة.
«امتصاص» الأزمة، الذي بادرت إليه كلّ الأطراف، يدّل على أنّ الأمور في ما خصّ ملف الجرود آيلة إلى الهدوء، من دون أن يكون هناك قرار بفرط الحكومة، التي يبدو أنّ قرار وجودها أكبر بكثير من المعارك الداخلية. انعكست التهدئة أيضاً على طلب الرئيس عون إجراء تحقيقات لمحاسبة المسؤولين عن جريمة خطف العسكريين في 2 آب 2014. فعلى الرغم من جدّية طرح عون، إلا أنّ آليات اتخاذ القرار في مجلسّي النواب والوزراء تمنع تحويل التحقيق إلى مادّة تفجير للبلد، في ظلّ وجود اقتناع بعدم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية للتحقيق بما حصل.
يبقى ملّف واحد، يوحي بأنّه سيكون عنواناً للأزمة السياسية والاقتصادية المقبلة، هو احتمال ردّ المجلس الدستوري قانون الضرائب التي أقرت بهدف تمويل سلسلة الرتب والرواتب.
لا يُعتبر ردّ قانون الضرائب «نزهة» ومن دون تبعات خطيرة. فقد ينعكس ردّ القانون ارتفاعاً هائلاً لعجز الموازنة، وزيادة في الاستدانة، تزامناً مع التصنيف السلبي للبنان من قبل بعض وكالات التصنيف الدولية. أما الانعكاس الثاني، فهو إمكانية مطالبة البعض بتعليق العمل بقانون سلسلة الرتب والرواتب، طالما أنّ الاتفاق داخل مجلس النواب كان قائماً على أن يُقّر مشروعا الضرائب والسلسلة بشكل متوازٍ.
في هذا الوقت، أنهى رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان التقرير حول مشروع موازنة الـ 2017. وقد جرى الحديث عن أنّه يشمل وفراً على الخزينة، بما يُعدّ بديلاً من الضرائب. مثلاً، سيُشطب 151 مليار ليرة من أصل 450 مليار ليرة، من قانون برنامج وزارة الاتصالات، و٤٠٠ مليار ليرة معظمها لجمعيات لا اعتمادات مرصودة لها. والبحث بخفض احتياطي الموازنة من ١٣٠٠ مليار ليرة الى ٨٠٠ مليار ليرة. لكن المشكلة في طرح «حلول» بديلة من الضرائب، تحت عنوان التوفير، هو احتمال فتح الباب لنسف قانون الضرائب، مع ما يعنيه ذلك من إلغاء مفاعيل القرار التاريخي الذي اتخذه مجلس النواب، لجهة فرض ضرائب إضافية على المصارف والشركات المالية والعقارية. فهل يفعلها المجلس الدستوري؟
الأزمة المالية في لبنان (1): الليرة والمصارف في خطر
«من المرجح أن لبنان يتجه نحو أزمة مالية خطرة ستتخذ شكل انخفاض في قيمة العملة الوطنية، والأخطر من ذلك أنها ستؤدي إلى زعزعة استقرار القطاع المصرفي». هذا ما تتوقعه ورقة متخصصة تحت عنوان: «الأزمة المالية في لبنان»، وضعها الاقتصادي توفيق كسبار، ونشرها «بيت المستقبل» بدعم من مؤسسة «كونراد آديناور»، وستناقش في حلقة مغلقة مع مجموعة من الخبراء والمعنيين، في 19 الشهر الجاري، في فندق سوفيتيل لوغبريال، الأشرفية. تهدف هذه الورقة إلى استعراض الأسباب الكامنة وراء هذا التوقع الحاد، واقتراح سياسات محدّدة وعملية تحول دون تحقيقه. إن عواقب هذه الأزمة المالية يمكن أن تكون مدمّرة على جميع المستويات، وتتخطى بشكل كبير عواقب الأزمة المالية التي شهدتها البلاد في منتصف ثمانينيات القرن الماضي إثر الانخفاض الكبير في قيمة الليرة. وستشمل هذه العواقب انخفاضاً حاداً في دخل معظم الأسر في البلاد وثرواتها، وزيادة حادة في حالات الإفلاس والبطالة، وضبابية واسعة النطاق حول المستقبل، في ظلّ حكومة مصعوقة وعاجزة، ما سيدفع بعشرات الآلاف إلى الهجرة، إضافة إلى اختلال التوازن الاجتماعي والسياسي الهشّ أصلاً. المدهش في الموضوع أن هذا الوضع القاتم لم يدفع الحكومات المتعاقبة منذ أوائل التسعينيات ولا البرلمان إلى مناقشة السياسات المالية من سياسة نقدية أو سياسة المالية العامة (وهذه الأخيرة على الأقل منذ عام 2005). تحتوي هذ الورقة على خمسة أبواب. يستعرض الباب الأول الأسباب التي آلت إلى الحالة المالية الراهنة، ويقدم الثاني تحليلاً للمؤشرات النقدية والمصرفية التي تظهر نشوء أزمة، فيما يفصّل الباب الثالث الأضرار الجانبية التي لحقت بالمصارف وبالاقتصاد جراء السياسات المالية المعتمدة. أما الباب الرابع، فيتناول السلوك المالي للحكومات خلال السنوات الأخيرة، والذي أسفر عن تفاقم الأسباب التي قد تؤدي إلى أزمة. ويقترح القسم الأخير اعتماد سياستين محددتين وقابلتين للتنفيذ، من شأنهما أن تحتويا إلى حدّ كبر الأزمة المتصاعدة وتوفرا المساحة الزمنية اللازمة لإجراء إصلاحات. تنشر «الأخبار» هذه الورقة على جزءين، اليوم وغداً، نظراً إلى ما تتضمنه من معطيات مهمة وشروح ضرورية لفهم مصادر الأزمة القائمة والسبل المتاحة للتعامل معها
الفائدة السخيّة غير مبرّرة
في خريف عام 1992، بعد تسعة أشهر من الانخفاض الحاد الذي لحق بسعر الليرة، بلغ أكثر من ثلثَي قيمتها مقابل الدولار الأميركي، قرّرت الحكومة اللبنانية الجديدة آنذاك أن تعيد الاستقرار إلى الليرة من خلال تثبيت سعر صرفها مقابل الدولار الأميركي. إثر ذلك، تحسن سعر صرف الليرة تدريجاً ليصل في كانون الأول عام 1997 إلى 1507.5 ليرة مقابل الدولار، ولا يزال حتى يومنا هذا مستقراً على هذا السعر. وبصرف النظر عن صحة سياسة تثبيت سعر الصرف بالنسبة إلى اقتصاد صغير ومفتوح مثل الاقتصاد اللبناني، فإن هذا التدبير دفع بمصرف لبنان إلى التركيز على هدف واحد رئيس، وهو تجميع احتياطي كبير من النقد الأجنبي (فوركس/ العملات الأجنبية)، غالباً على شكل أموال بالدولار الأميركي يودعها لدى مصارف أجنبية رئيسة حمايةً لسعر الصرف الثابت، وهذا ما يقوم به مصرف لبنان فعلياً منذ اعتماد هذه السياسة.
غير أن المشكلة الجوهرية لا تكمن في هذه السياسة بحدّ ذاتها، بل في أسعار الفائدة السخية وغير المبرّرة التي يدفعها مصرف لبنان إلى المصارف المحلية مقابل ودائعها لديه. أدى ذلك إلى قيام المصارف بسحب احتياطاتها من النقد الأجنبي، والتي عادةً ما تكون بالدولار، من المصارف المراسلة في الخارج وإيداعها لدى مصرف لبنان، فارتفع حجم هذه الأخيرة من متوسط 3 مليارات دولار خلال الفترة بين 1997 و2000 إلى ما بين 52 ملياراً و 55 مليار دولار منتصف عام 2017. ويمثل ذلك ارتفاعاً في ودائع المصارف لدى مصرف لبنان نسبة إلى إجمالي ودائع عملائها بالعملات الأجنبية من 13% إلى نحو 50%. بعبارة أخرى، تقوم المصارف المحلية حالياً بإعادة إيداع لدى مصرف لبنان نحو نصف الودائع الي تتلقاها بالعملات الأجنبية من القطاع الخاص غير المقيم والمقيم. وعليه، أصبحت الميزانيات العمومية للمصارف التجارية ووضعها المالي مرتبطين بشكل متزايد مع الوضع المالي لمصرف لبنان.
وفقاً لما يؤكده صندوق النقد الدولي (2016) لا يتمّ تحديد أسعار الفائدة في لبنان على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية وجميع شهادات الإيداع الصادرة عن مصرف لبنان بحسب مؤشرات السوق، بل يمكنها أن تظلّ من دون أي تغير لسنوات عدة، فيما التداول في السوق الثانوية هو عملياً غير موجود. إن أسعار الفائدة، أو على نحوٍ أدق هوامشها نسبة إلى المعدلات المرجعية الدولية، يحدّدها مصرف لبنان إلى حد كبير. وعلى هذا النحو، منذ بداية هذا القرن على الأقل، رسّخت سياسة مصرف لبنان أسعار الفائدة في البلاد على معدلات مرتفعة، في وقت لم يكن فيه هذا الأمر ضرورياً.
إن كرم مصرف لبنان في تحديد أسعار الفائدة التي يدفعها للمصارف على إيداعاتها هو السبب الذي حدا به إلى التصرف على النحو الذي استعرضناه أعلاه. ولتوضيح ذلك، دعونا نتأمل في سعر الفائدة التي يدفعها مصرف لبنان للمصارف المحلية مقابل ودائعها بالدولار. بشکل غير معتاد بالنسبة إلى مصرف مرکزي، لا ينشر مصرف لبنان بیانات عن حجم هذه الودائع أو عن أسعار الفائدة التي یدفعها. واستناداً إلى التواصل مع مسؤولين كبار في المصارف، كما إلى مختلف البيانات المنشورة حول أسعار الفائدة، فإن التقدير المتحفظ لمتوسط سعر الفائدة العام الذي دفعه مصرف لبنان خلال السنوات الخمس الأخيرة 2016 – 2011 على ودائع المصارف المحلية بالدولار بلغ على الأقل 5.5%.
هذا المعدّل يمنح المصارف المحلية هامشاً، أو «مدى»، يفوق بنحو 5% سعر الفائدة على إيداعات الدولار الأميركي لمدة ستة أشهر والذي تحدده مرجعية ليبور (سعر الفائدة السائد على الدولار بين بنوك لندن). إن سعر ليبور يُعتبر المعدّل المرجعي الدولي الأكثر استخداماً لتحديد سعر الفائدة على هذه الودائع ويعتمده مصرف لبنان في تحديد أسعاره. وتوضيحاً للقارئ الذي لا يتمتع بخبرة مالية، عادة ما يتمّ تقييم أهمية هذه الهوامش على الودائع بين البنوك بحسب "نقاط أساس" محدّدة، بحيث تساوي نسبة 1% 100 نقطة أساس. وبعبارة أخرى، كان مصرف لبنان يدفع للمصارف المحلية، لقاء ودائعها، هامشاً يبلغ نحو 500 نقطة أساس، بدلاً من 10 أو على الأكثر 100 نقطة أساس، زيادةً على ليبور. وبغضّ النظر عن أي أخطاء في التقديرات، تُعتبر سياسة سعر الفائدة لدى مصرف لبنان بالغة السخاء، مهما كان المعيار، وخاصة في ظلّ استمرار انخفاض أسعار الفائدة في الأسواق الدولية، ما يحول دون وجود بدائل للمودعين تؤمن لهم عائدات مرتفعة.
إن سخاء مصرف لبنان في أسعار الفائدة الممنوحة للمصارف المحلية امتد ليشمل صكوكه المالية بالعملة المحلية، ولا سيّما شهادات الإيداع بالليرة اللبنانية أو الودائع الأخرى التي تحمل عادة فترات استحقاق طويلة الأجل تبلغ 15 سنة أو أكثر. وكدليل آخر، تظهر بيانات متوافرة أن متوسط أسعار الفائدة على شهادات الإيداع القائمة الصادرة عن مصرف لبنان خلال السنوات الـ 14 الأخيرة، أي منذ عام 2003، بلغ 9.5%، ما أدى إلى هامش أو «مدى» بنسبة 6.5%، أو 650 نقطة أساس، مقارنة بمعدل مرجعي طويل الأجل مثل سندات الخزينة الأميركية لمدة 10 سنوات.
منذ مطلع هذا القرن، لم يكن مصرف لبنان بحاجة إلى تقديم أسعار فائدة عالية بهدف جذب الأموال بالدولار الأميركي، لأنه ولحسن حظ لبنان، كانت الأسواق المالية الدولية، ولا تزال حتى الآن، تتميّز بتقديم أسعار فائدة منخفضة في ظلّ ما يسمى بيئة "القمع المالي". حتى إن أسعار الفائدة على العملات الرئيسة باتت في بعض المراكز المالية مثل ألمانيا وسويسرا سلبية بالنسبة إلى الودائع القصيرة الأجل. لذلك لم يكن مصرف لبنان مضطراً إلى تقديم هوامش مرتفعة مع محدودية البدائل للمودعين بالدولار الأميركي. وكان بإمكانه جذب الحجم نفسه من الودائع بالدولار لو قدّم مثلاً هامشاً يراوح بين 2.0% و2.5% بدل هامش الـ 5.5% الذي قدّمه بين 2011 و2016.
لماذا الحديث عن أزمة؟ خسائر مصرف لبنان تتزايد
الأزمة هي نقطة تحوّل تؤدي إلى تغيرات سلبية كبيرة في وضع معينّ. ويمكن المرءَ أن يصف الوضع الاقتصادي الحالي في لبنان بأنه يحمل في طياته أسباب نشوء أزمة، من المرجَّح إذا ما اندلعت أن تتحوّل إلى أزمة مالية مستفحلة، ترافقها تداعيات سلبية تطاول قيمة العملة الوطنية والقطاع المصرفي عامة، علماً أن تأثير هذه التداعيات على القطاع المصرفي هو الأكثر خطورة.
إن أسباب الأزمة الراهنة هي نتاج سياسة معتمدة وليست نتاج ظروف، بمعنى أنها نتاج مشترك للسياسات النقدية التي اعتمدها مصرف لبنان على مدى طويل، إضافة إلى سياسات المالية العامة للحكومات اللبنانية المتعاقبة والمسؤولة عملياً عن وضع الموازنات العامة، وبشكل خاص تحديد النفقات الحكومية.
أ – مؤشرات الأزمة
إن التفاصيل الفنية التي استعرضناها في الباب السابق ضرورية لتفسير المسار الذي أفضى بلبنان إلى الوقوع في الأزمة الراهنة.
باختصار، يشير الجدول رقم 1 إلى أن صافي الاحتياطي النقدي لدى مصرف لبنان سالب، أي إن التزاماته بالعملات الأجنبية تفوق منذ عام 2016 أصول احتياطاته بالعملات الأجنبية، حتى بعد احتساب أصول الذهب. تجدر الإشارة إلى أن التزامات مصرف لبنان لا تستحق كلها على الفور، بل إن جزءاً كبيراً منها يشمل ديوناً طويلة الأجل تستحق خلال سنوات لاحقة. ومع ذلك، يشهد الوضع المالي لمصرف لبنان تدهوراً منذ أكثر من عقد من الزمن، وبلغ منذ عام 2015 مستوىً غير اعتياديّ مع تحول صافي الاحتياطي النقدي لديه إلى سالب، ما يعتبر وفقاً لكل المعاير مؤشراً على خلل في الوضع المالي واستقراره.
تستوجب هذه البيانات التوقف عندها. كما أسلفنا سابقاً، لا ينشر مصرف لبنان بيانات حول الودائع التي يتلقاها من المصارف والتي تأخذ شكل شهادات إيداع بالدولار الأميركي أو ودائع مختلفة قصيرة وطويلة الأجل، ولا حول أسعار الفائدة التي يقدّمها على هذه الودائع. وعليه، وجب التنبيه إلى أن مبلغ الـ 41.4 مليار دولار الوارد في نهاية عام 2015 في الجدول رقم 1 مأخوذ مباشرةً من البيانات المنشورة في تقرير لصندوق النقد الدولي (2016). وعلاوة علی ذلك، إن التقديرات اللاحقة لعامي ٢٠١٦ و ٢٠١٧ في الجدول رقم 1 أيضاً، تستند إلى دليل قوي مآله أن مصرف لبنان أصدر بين نهاية عام 2015 و 2016، دیناً إضافیاً قدره 12.8 ملیار دولار على شكل شهادات إيداع بالدولار الأميركي.
إن الوضع المالي لمصرف لبنان هو إلى حدّ كبير نتيجة تراكمية لسياساته منذ عام 2005 على الأقل، وخاصة سياسة أسعار الفائدة السخية التي يقدّمها إلى المصارف كما أشرنا إليه أعلاه، والتي أدت إلى تزايد خسائره، إذ إن المبالغ التي يجمعها من المصارف المحلية يعيد إيداعها لدى المصارف الدولية بأسعار فائدة أقلّ بكثير، وعادةً ما تقارب أسعار فائدة ليبور. وهذه الخسائر المستمرة هي وراء توقف مصرف لبنان منذ عام 2003 عن نشر تقريره السنوي. وعادة، ومنذ نشره لأول مرة عام 1964، كان التقرير السنوي الإلزامي يتضمّن بياناً حول أرباح المصرف وخسائره. وهكذا، فإن جميع عمليات مصرف لبنان مع المصارف المحلية، وخصوصاً العمليات بالدولار الأميركي وتسعيرها والخسائر الناتجة منها، تجري بسرية ولا تُنشر أو تُكشف للجمهور.
أحد مؤشرات الأزمة، الذي قد يكون أکثر أهمية من الوضع المالي لمصرف لبنان، هو تأثر سياسة أسعار الفائدة علی هيكل الميزانية العمومية للمصارف. فكما يشير الجدول رقم 1، فإن 60% من إجمالي موجودات المصارف هي حالياً ائتمان للقطاع العام على شكل سندات خزينة للحكومة وودائعها لدى مصرف لبنان. ولإدراك مدى ارتفاع هذه النسبة بشكل غير اعتيادي، ما علينا سوى مقارنتها بمتوسط بلغ 35% فقط خلال التسعينيات من القرن الماضي. وبالتالي، إن الوضع المالي للمصارف قد أُضعف بسبب ارتباطه المتين بمصرف لبنان وبالحكومة. وينبغي أيضاً مقارنة الوضع الحالي بما كان سائداً منتصف الثمانينيات من القرن الماضي قبل أول انخفاض قوي في سعر الليرة، حين كانت مستحقات المصارف على القطاع العام قليلة نسبياً بمتوسط 17% فقط من إجمالي أصولها، ما مكّنها من الصمود أمام صدمة انخفاض قيمة الليرة، وتوافر أساس مصرفي متين جعلها لاحقاً قادرة على التعافي.
ب – «الهندسة المالية» لمصرف لبنان
بلغت سياسة أسعار الفائدة لدى مصرف لبنان وعلاقاته مع المصارف المحلية ذروتها في ما يُسمى عملية «الهندسة المالية»، التي جرت في صيف عام 2016، والتي كانت عملية كبيرة لجهة حجم المبالغ التي جرى التداول بها وتأثيرها في المصارف، كما تُظهر التداعيات المكلفة لسياسات مصرف لبنان وخطورة الوضع الحالي. لم يكن من المفترض أن تخرج هذه العملية إلى العلن، لكن إحدى الصحف المحلية (الأخبار) كشفت عنها. وفي ما يلي عرض موجز للمبادئ الرئيسة لهذه العملية، يستند أساساً إلى تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي ومقابلة أجراها حاكم مصرف لبنان مع صحيفة محلية (الأوريان لوجور).
بين شهري حزيران وآب من عام 2016، أجرى مصرف لبنان عمليتين، وعلى الرغم من أنهما تمتا بشكل متوازٍ، إلا أنهما مرتبطتان مباشرة. وكان الهدف المعلن لهاتين العمليتين دعم أو «تعزيز الميزانية العمومية للمصارف»، وجلب أموال جديدة إلى مصرف لبنان عبر المصارف. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن الهدف الأخير غير مبرر لأن احتياطي مصرف لبنان من الدولار الأميركي كان لسنوات يزداد بإطراد، وإن کان یأتي أساساً من الودائع المتزایدة للمصارف لديه، وکان عملياً مستقراً قبل هذا الإجراء. يبقى أن الهدف الأكثر ترجيحاً وراء هذه العملية، والذي لم يعلن عنه، هو تعزيز رأس مال ما لا يقلّ عن اثنين من المصارف الكبرى فقدا مبالغ كبيرة في استثمارات أجرياها في تركيا ومصر، وصلت مجتمعة إلى أكثر من مليار دولار.
في العملية الأولى، جلبت المصارف المشاركة إلى مصرف لبنان أرصدة جديدة بلغت نحو 5 مليارات دولار، مقابل شراء شهادات إيداع بالدولار الأميركي صادرة عنه وسندات خزينة بالدولار كانت في محفظته، واعتمد مصرف لبنان في هذه الصفقة سعر الفائدة المرتفع الذي يقدمه عادة. أما العملية الثانية الموازية، فقد أعطت حوافز كبيرة للمصارف من خلال تطبيق مصرف لبنان نسبة حسم بلغت صفراً على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية وعلى صكوك مالية صادرة عنه تحتفظ بها المصارف. وإضافةً إلى حصول المصارف على كامل القيمة المالية لهذه العملية والتي تضمنت «مكافأة» الحسم بنسبة صفر في المئة، دفع مصرف لبنان للمصارف «مكافأة» إضافية أو «عمولة» بلغت نصف قيمة الفائدة التي كان من الممكن أن تحصل المصارف عليها مستقبلاً لو أنها أبقت على هذه الصكوك بالليرة اللبنانية في محفظتها حتى استحقاقها. واعتبرنا هذا الأمر «مكافأة» لأن هذه الصكوك جرى حسمها وتالياً لا ينبغي أن يُدفع لحاملها أي فوائد «مستقبلية» إضافية.
بلغ إجمالي الحوافز نحو 5 مليارات دولار، دُفعت كاملة ومقدماً بالليرة اللبنانية كما أكّد حاكم مصرف لبنان في مقابلته. وهي تمثل «مكافأة» أو «عمولة» إجمالية للمصارف تعادل نحو 100% من المبالغ التي أودعتها المصارف بالدولار الأميركي لدى مصرف لبنان. حتى صندوق النقد الدولي وجد صعوبة في إخفاء تفاجئه من هذه العملية، مشيراً إلى أن «تطبيق نسبة حسم بلغت صفراً على سندات الخزينة وشهادات الإيداع يشبه تمويل عملية تعزيز رأس المال (دون الحصول بالمقابل على أي حصة؛ بلغت وفقاً لتقديرات فريق الصندوق ما يعادل 10% من إجمالى الناتج المحلي)، ما ساعد على تعزيز القاعدة الرأسماليّة للمصارف». لذلك، وكما أكّد صندوق النقد الدولي، ضخّ مصرف لبنان من خلال هذه العملية أكثر من 5 مليارات دولار في رأسمال المصارف، ليس من خلال القروض ولا مقابل حصة في رأسمال المصارف كما تقتضي الممارسة التقليدية، ولكنها جرت من دون أي مسوغ لتؤمن فقط أرباحاً صافية لعدد قليل من المصارف.

إذا كان الهدف من هذه العملية تقديم الدعم المالي للمصارف، تجدر الإشارة إلى أنه في الحالات التي تحتاج فيها المصارف إلى المساعدة من المصرف المركزي، (علماً أن أي مصرف في لبنان لم يتقدّم بطلب مساعدة كهذه)، فآلية القيام بذلك محددة بشكل دقيق. في خطوة أولى، يباشر مصرف لبنان بالطلب من المساهمين في المصرف تزويد رأس المال بالسيولة. وفي حال تعذُّر ذلك، يجوز للمصرف المركزي أن يقدّم إلى المصرف المعني قرضاً مقابل ضمانات، كما فعل مصرف لبنان سابقاً، وخاصة في الثمانينيات من القرن الماضي لبضعة بنوك مقابل رهونات عقارية. وإذا تعذّر ذلك أيضاً، يلجأ المصرف المركزي إلى حلّ أخر يتمثّل بضخ النقد في المصرف ولكن مقابل حصوله على حصة في رأسماله. هذا ما فعلته المصارف المركزية في الولايات المتحدة وبريطانيا خلال الأزمة المالية التي اندلعت منذ نحو عشر سنوات. وهذا أيضاً ما كان سيقوم به أي مصرف مركزي. لكن مصرف لبنان زوّد عدداً قليلاً من المصارف بالأموال من دون أي مقابل، بلغت ما لا يقلّ عن نحو 5 مليارات دولار، أي ما يعادل 10% من إجمالي الناتج المحلي أو 30% من إجمالي رأس المال المصرفي قبل العملية.
إذا كان هدف مصرف لبنان من عملية «الهندسة المالية» زيادة موجوداته بالدولار الأميركي، فجلّ ما حصل عليه منذ إطلاق هذه العملية في منتصف عام 2016 هو 5 مليارات دولار، تكلّف مقابلها ما يعادل 5 مليارات دولار دُفعت بالليرة اللبنانية. ومهما كان معيار التقييم المعتمد، فإن كلفة هذه العملية وتداعياتها لا توازي إطلاقاً أي هدف كان مصرف لبنان يسعى إلى تحقيقه. كذلك إن العملية بقيت من دون مساءلة، في حين أن حجم الكلفة ووقعها على مصرف لبنان نفسه، والقطاع العام، والاقتصاد ككل، كبيران بشكل غير مسبوق.
* حائز شهادة دكتوراه في الاقتصاد، من جامعة ساسكس، المملكة المتحدة. شغل منصب كبير مستشاري وزير المالية في لبنان، وعمل مستشاراً في صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة، ومصرفياً في نيويورك وبروكسل وبيروت.
محاضر في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف. في الآونة الأخيرة، قدم خدمات استشارية للمفوضية الأوروبية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول مختلف المجالات الاقتصادية والقضايا الاجتماعية في لبنان والمنطقة. صدر له عام 2004 كتاب تحت عنوان: "اقتصاد لبنان السياسي 1948-2002: في حدود الليبرالية الاقتصادية"، دار بريل للنشر، ليدن وبوسطن. عام 2005، صدر الكتاب باللغة العربية عن دار النهار، بيروت.
يعمل حالياً على كتاب يتناول فيه العمل في سياق الفشل الاقتصادي والسياسي للدول العربية.
المستقبل 
الزيارة حصدت 3 مؤتمرات لدعم الاستثمار والجيش.. وعودة النازحين
الحريري يحيي «باريس 4» مع ماكرون

لم يكن التكريم الذي حظي به رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في قصر الإليزيه مجرّد حفاوة بروتوكولية اقتصرت على استقبال حارّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومؤتمر صحافي مشترك، كما جرى مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ وإنما عَكَس نجاحاً للزيارة بكل أهدافها، وقد حصدت دفعاً فرنسياً لعقد ثلاثة مؤتمرات: الأول لدعم الاستثمار في لبنان وقد أشار إليه بعض معاوني ماكرون باسم «باريس 4»، والثاني يُعنى بالنازحين السوريين، والثالث «روما 2» لمجموعة الدعم الدولية للبنان والمخصّص لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية.
والمعلوم أن مؤتمر «باريس 3» عُقد العام 2007 برئاسة الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، وشارك فيه 35 دولة بالإضافة إلى عدد كبير من المؤسسات المالية الدولية ومنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وجرى خلاله إقرار خطة إصلاحية تُنفَّذ خلال خمسة أعوام تتضمن مساعدات مالية ومنحاً وقروضاً بشروط 
ميسّرة وعروضاً للتمويل والإسهام في تنفيذ مشروعات محدّدة. ويأتي إحياء الرئيس الحريري لمؤتمر «باريس 4» وإطلاقه مع الرئيس ماكرون، بعد عشر سنوات من الركود المالي.
وإذا كان مؤتمر «باريس 4» ومؤتمر «روما 2» سيُعقدان في النصف الأول من العام 2018، كما قال الرئيس الفرنسي، فإن مؤتمر النازحين يحتاج إلى اتصالات شرعت الديبلوماسية الفرنسية بإجرائها لتحديد موعد انعقاده وجدول أعماله والخطط الآيلة إلى عودة النازحين السوريين إلى بلادهم.
وأوضح مصدر في الوفد اللبناني إلى باريس لـ»المستقبل» أن هذا المؤتمر سيضم ممثلين عن كل دول النزوح بالإضافة إلى الدول الكبرى والمؤسسات الدولية القادرة على توفير الظروف اللازمة لـ»عودة آمنة» للنازحين.
أضاف ان عقد هذا المؤتمر جاء بناء على اقتراح لبناني وفرنسا تلقّفت هذا الاقتراح والتزمت بالسعي إلى تحقيقه بالتكامل مع حل سياسي في سوريا، وأكد أن أهمية هذا المؤتمر تكمن في أنه يعني كل الدول المضيفة للنازحين لأن الأزمة ليست لبنانية وحسب وإنما تعني دولاً أخرى عديدة، ما يفترض إطاراً أكبر للحلّ يرعاه المجتمع الدولي.
وكان الرئيس ماكرون أجرى مع الرئيس الحريري محادثات مطوّلة تناولت وضع المنطقة وتداعيات ملف النازحين وسبل مساعدة لبنان لمواجهة هذه الأزمة والنهوض باقتصاده. وكشف الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي مشترك عقده مع رئيس الحكومة اللبنانية أنه تقرّر عقد مؤتمرَين في فرنسا «خلال النصف الأول من العام المقبل لدعم الاقتصاد اللبناني وبحث مسألة النازحين السوريين».
وقال ماكرون للحريري: «أؤكد لكم دولة الرئيس أن فرنسا ستستمر بالطبع بالوقوف إلى جانب لبنان وسنتابع هذا التعاون خلال زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس اللبناني ميشال عون إلى باريس خلال أسابيع». 
وأشاد الرئيس الفرنسي بالتحوّلات التي شهدها لبنان منذ انتخاب العماد عون رئيساً وصولاً إلى الانتخابات النيابية العتيدة ودور الأجهزة الأمنية في مكافحة الإرهاب.
أما الرئيس الحريري فأكد من جهته «ان النهج الذي سنتبعه في ملف النازحين هو نهج علمي حول سبل حلّ المشكلة والعمل على إيجاد حلول حقيقية بالنسبة إلى مؤتمر المستثمرين ومؤتمر عودة النازحين».
ماكرون : مؤتمرين في فرنسا لدعم الاقتصاد اللبناني
الحريري: الجيش لعب الدور الأكبر في تحرير الجرود
شدد رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري على ضرورة تعزيز العلاقات بين لبنان وفرنسا في كل المجالات وخصوصاً الفرنكوفونية. وأشار الى أن موضوع النازحين السوريين «يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد اللبناني وعلى الامن والبيئة أيضاً وتحدياً لكل القطاعات»، موضحاً أن «النهج الذي سنتبعه الآن هو نهج علمي حول سبل حل هذه المشكلة والعمل على ايجاد حلول حقيقية بالنسبة الى مؤتمر المستثمرين ومؤتمر عودة اللاجئين، وهذه الفرص سوف تسمح لنا بحل هذ المشكلات». وأكد أن «الجيش اللبناني هو من لعب الدور الاكبر في تحرير منطقة الجرود»، كاشفاً أنه ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون هما من سمحا لمسلحي «داعش» بعبور الحدود، «ولكن نقلهم بالحافلات الى شرق سوريا كان بقرار من حزب الله والسوريين». ولفت الى أن «دعم الجيش يؤدي الى تقوية الدولة ومؤسساتها وتمكينه من مكافحة الارهاب الذي يهدد دولاً عديدة»، آملاً «أن يحقق المؤتمر المزمع عقده في ايطاليا لدعم الجيش اللبناني هدفه بالحصول على المساعدات المطلوبة». واعتبر أن «اللبنانيين يرغبون في استمرار التوافق وانتظام عمل المؤسسات لأن في ذلك مصلحة للجميع».
أجرى الرئيس الحريري محادثات مطولة مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تناولت آخر تطورات الاوضاع في المنطقة وانعكاسات الأزمة السورية على لبنان وخصوصاً ما يتعلق منها بتداعيات النازحين السوريين وسبل مساعدة لبنان لمواجهة هذه الأزمة والنهوض بالاقتصاد اللبناني. وكشف الرئيس الفرنسي بعد المحادثات أنه تقرر عقد مؤتمرين في فرنسا خلال الفصل الاول من العام المقبل، الاول لدعم الاقتصاد اللبناني والثاني لبحث مسألة النازحين السوريين.
وكان الرئيس الحريري وصل عند الساعة الحادية عشرة الا ربعاً من قبل ظهر الجمعة بالتوقيت المحلي الى قصر الاليزيه حيث استقبله عند المدخل الرئيسي الرئيس ماكرون. وبعد أن أدت له التحية ثلة من حرس الشرف عقدت خلوة بينهما استمرت أربعين دقيقة ثم عقد اجتماع موسع حضره عن الجانب اللبناني القائم بأعمال السفارة اللبنانية في فرنسا غدي خوري ونادر الحريري ومستشار الرئيس الحريري للشؤون الأوروبية بازيل يارد، وعن الجانب الفرنسي كبار مستشاري الرئيس ماكرون ومساعديه.
لقاء صحافي
بعد انتهاء المحادثات، عقد لقاء صحافي ألقى خلاله الرئيس الفرنسي كلمة قال فيها: «أود قبل كل شيء أن أشكر رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على زيارته لباريس، وقد التقيت أيضاً عدداً من أعضاء الوفد اللبناني، وتبادلنا الحديث لبعض الوقت. كما أود أن أشكره على المناقشات والمباحثات المثمرة التي أجريناها. وكنا قد التقينا في بيروت في كانون الثاني الماضي في اطار حملة الانتخابات الرئاسية الفرنسية، ولم أنس اللقاء الحار الذي خصني به، وأود أن أشكره بشكل خاص على ذلك اليوم. ان استقبالي رئيس الوزراء اللبناني اليوم في باريس، يرمز الى هذه العلاقة القوية بين بلدينا، وأود أن أحيي هذه العلاقة الخاصة التي تتجذر أيضاً في المواضيع كافة التي بحثناها والمواضيع التي نريد أن نعززها في اطار هذا الوضع الاقليمي المتوتر الذي يواجهه لبنان أيضاً. وأؤكد لكم دولة الرئيس أن فرنسا ستستمر بالطبع في الوقوف الى جانب لبنان وهذا سيحصل من خلال العلاقات الاقتصادية والثقافية واللغوية الثنائية بين البلدين والتي تحدثنا عنها مطولاً والرغبة أيضاً في هذا الاطار في استعادة مبادرات حسية، وسنستمر ونتابع هذا التعاون أيضاً خلال زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس اللبناني ميشال عون لباريس بعد بضعة أسابيع، وستكون الاولى منذ انتخابي وهي ترمز أيضاً الى العلاقة التي تربط بلدينا».
أضاف: «خلال الاشهر الاخيرة خطا لبنان خطوات ومراحل مهمة في سبيل استعادة عمل المؤسسات وتم تشكيل الحكومة ووصل الرئيس عون الى سدة الرئاسة وبعد ذلك وخلال الفصل السابق تم وضع قانون للانتخابات بعد انتظار وقد عملتم كثيراً على ذلك مع الرئيس عون، كل ذلك ساهم في ايجاد الحلول للأزمة وللحياة الدستورية والعودة الى الاوضاع الطبيعية. وأنتم تستمرون أيضاً في اجراء اصلاحات مهمة، وأود أن أؤكد هنا كم أن فرنسا تعتبر هذه الاصلاحات أيضاً أساسية، وبالتأكيد فإن اعادة تجديد مجلس النواب ستعتبر أيضاً ضمن اطار اعادة الزخم الى لبنان، وفرنسا مصرة على متابعة ومرافقة هذه التحولات. ونحن نشجع اعادة تعزيز الدولة اللبنانية وضمن هذه الفلسفة سنضع سياستنا للتعاون الاقتصادي بين بلدينا والتطوير ومشاركة المؤسسات والشركات الفرنسية في لبنان، وتطوير تعاوننا الثنائي ومشاركتنا».
وتابع: «لقد تطرقنا أيضا الى التحديات الامنية وبشكل خاص التهديد الارهابي الذي يشكل أيضاً موضوع اهتمام لبلدينا، وفي هذا الاطار أود أن أحيي أيضاً الاجهزة الامنية العسكرية اللبنانية التي تعمل من دون توقف لحماية لبنان من العنف الاعمى الذي يضربه، وحماية حدوده أيضاً. وهذه القوى هي التي تحمي وتحافظ على قوة وسيادة بلادكم وعلى الدولة اللبنانية التي ذكرتها منذ لحظات. وأود هنا أن أجدد دعم فرنسا الكامل، وذلك من خلال قوات الطوارئ الدولية التي تم تجديد التفويض الممنوح لها، كما تعلمون فإن فرنسا ساندت هذه المسألة بقوة، وهي منخرطة فيها بشكل كبير أيضاً من خلال تواجد 800 جندي فرنسي ضمن اطار قوات الطوارئ، وهذا بهدف متابعة تعاوننا في النواحي الامنية والعسكرية ولنتمكن مع شركائنا الايطاليين أيضاً وعبركم من مواصلة ما كنا قد بدأناه من خلال مؤتمر روما -2 الذي من الممكن أن يعقد اذا تمكن الجميع من الانتهاء من وضع اللمسات الاخيرة عليه، وانا أعلم أنكم ستزورون ايطاليا خلال الاسابيع المقبلة».
وأشار الى «أننا تطرقنا كذلك الى أزمة اللاجئين ونتائجها على الاوضاع في لبنان جراء الاوضاع الاقليمية، وقد رأيت ذلك بأم عيني في شهر كانون الثاني الماضي عندما زرت مخيماً للاجئين، وشاهدت انخراطاً فعلياً للسلطات العامة اللبنانية ولشركائها وخصوصاً المنظمات غير الحكومية. فلبنان يستضيف 1،2 مليون لاجئ على أراضيه ومقارنة بعدد السكان فيه فهذا يشكل عبئاً والتزاماً كبيرين يظهران معاً التزام بلادكم الاخلاقي في المنطقة وأهمية لبنان في استقرار كل المنطقة في الظروف التي نعرفها. يوجد 9 ملايين لاجئ في عدد من الدول المجاورة يعيشون اليوم خارج سوريا ولكنهم يشكلون جزءاً من حل الازمة»، مذكراً بأن «فرنسا ملتزمة كلياً في اطار التنسيق بمكافحة الارهاب وستستمر بذلك حتى نهاية الدرب، في العراق وسوريا مع تصميمنا على وضع حد لكل أشكال الإرهاب في المنطقة. كما أن فرنسا ترغب وكما أعلنت عن ذلك قبل يومين في مؤتمر السفراء، في اطلاق عمل ديبلوماسي لبناء السلام والاستقرار السياسي لسوريا وهذا شرط لا بد منه للعودة الى الوضع الطبيعي. وفي هذا الاطار قمنا بمبادرة لتشكيل فريق اتصال يجمع كل الأطراف المعنية بالنزاع، ومن الواضح أن السوريين الذين يعيشون خارج سوريا والدول المضيفة لهم، هم جزء من هذا النزاع وسيكون لهم دور هام يلعبونه في اطار فريق الاتصال هذا. رغبتنا هي في أن نتمكن من ايجاد مخرج سياسي وعملية انتقال سياسية تسمح بالعودة الى الوضع الطبيعي واستئصال نهائي ودائم لكل أشكال الارهاب في هذه الدولة واعادة عملية البناء السياسي. وفي هذا السياق كررت لدولة الرئيس الحريري أن لبنان هو الآن وسيبقى أول متلق للمساعدات الفرنسية كرد على أزمة اللاجئين السوريين ولمساعدتكم على تحمل أعبائها، وأنه سيشارك بشكل كامل في العملية الانتقالية».
ورأى أنه «لكي نحقق تقدماً حقيقياً في هذا المجال، أود أن نتمكن خلال الفصل الاول من العام 2018 من عقد مؤتمر للمستثمرين في باريس اذا رغبتم، يهدف الى جمع تمويل خاص للبنان وتمويل عام حكومي لمساعدته في تنميته الاقتصادية في كل المجالات التي ستسمح للبنانيين وللاجئين المعنيين بالتطور من خلال مشاريع جديدة وتمويل مخصص لها»، لافتاً الى «أننا نود كذلك خلال الفصل الاول من العام 2018 أن ننظم مؤتمراً لعودة اللاجئين الى بلادهم بمشاركة الدول الرئيسية المستضيفة لهم في المنطقة لكي يؤخذ هذا الموضوع في الاعتبار بشكل كامل في العملية السياسية وفي المواكبة الاقتصادية والمالية للمنطقة وأن تكون هناك معطيات أساسية لاستقرار مستدام لسوريا وللمنطقة كلها».
وأكد «أننا نود، اضافة الى كل هذه المواضيع، أن نعزز مع الرئيس الحريري الاساس الذي قامت عليه العلاقات الاستثنائية التاريخية الثنائية، فبلدانا يجمعهما ارث مشترك من الثقافة واللغة، وهذا التراث هو الذي جعل من لبنان همزة وصل بين الشرق الاوسط وبين فرنسا والعالم العربي وهذا ما نريد الحفاظ عليه، وهذا الارث يسمح لنا بالعمل يداً بيد بشكل وثيق مع أصدقائنا اللبنانيين لمواجهة تحديات العالم الحديث كما قلت منذ بضعة ايام. ولهذا السبب اتفقنا مع دولة الرئيس على اعداد خريطة طريق للفرنكوفونية تتبنى عدداً من التدابير والاجراءات العملية لنشجع أكثر الفرنكوفونية في لبنان ولنعزز مكانة لبنان في الفرنكوفونية وللاستجابة الى التطلعات المشروعة للبنانيين تجاهنا».
وختم قائلاً: «نحن مصممون على أن نضع هذا التعاون في المدى الطويل خصوصاً مع مشاركة كل القطاعات التي ذكرتها لكي يترجم ذلك العلاقة المتميزة بين البلدين. ان زيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس عون في 25 ايلول المقبل ستسمح بلا شك باعادة التأكيد على الارادة المشتركة لتجديد هذه الشراكة وترجمتها عملياً، ولمناسبة المؤتمرين اللذين ذكرتهما سأزور لبنان شخصياً عام 2018 لمتابعة واعادة اطلاق المشاريع التي نكون قد بدأناها معاً. دولة الرئيس هذا ما أردت أن أقوله هنا عن فحوى محادثاتنا، ومرة أخرى أود أن أعبّر لكم عن مدى سروري لاستقبالكم هنا مع الوفد المرافق لكم في قصر الاليزيه، وأكرر لكم أن فرنسا تقف الى جانب بلدكم، دولة لبنانية قوية وتدعم برنامج الاصلاحات في بلادكم».
الحريري
ثم تحدث الرئيس الحريري فقال: «ان زيارة فرنسا وباريس مصدر سعادة دائم لنا، وكذلك اللقاء بكم والعلاقة بين لبنان وفرنسا كانت دائماً علاقة تاريخية وعلاقة ثقافية واقتصادية وفرنسا كانت دوماً الى جانب لبنان في الحرب الاهلية وفي السلم، واليوم وكالعادة فإن فرنسا تقف الى جانب لبنان. لقد تكلمتم عن كل المواضيع التي تطرقنا اليها، وأعتقد أن هذه العلاقة بين بلدينا متميزة اليوم معكم سيدي الرئيس وعلينا أن نعززها في كل المجالات الثقافية والفرنكوفونية على وجه الخصوص، في هذا الوقت وفي هذه الايام التي نرى فيها الانترنت ووسائل الاتصال والتكنولوجيا الجديدة التي هي بتصرفنا وربما يمكننا أن نخرج من الاساليب القديمة وأن نبث روحاً جديدة في الفرنكوفونية بين بلدينا».
أضاف: «ان موضوع اللاجئين الذي تكلمتم عنه سيدي الرئيس هو موضوع صعب جداً بالنسبة الى لبنان، فنحن لدينا أكثر من 1،2 مليون لاجئ من سوريا وهذا يشكل عبئاً كبيراً على الاقتصاد اللبناني وعلى الامن والبيئة أيضاً وتحدياً لكل القطاعات، وأعتقد أن النهج الذي سنتبعه الآن هو نهج علمي حول سبل حل هذه المشكلة والعمل على ايجاد حلول حقيقية بالنسبة الى مؤتمر المستثمرين ومؤتمر عودة اللاجئين وهذه الفرص سوف تسمح لنا بحل هذ المشكلات».
وختم: «أود أن أشكركم أيضاً على دعمكم للتجديد لقوات اليونيفيل وعلى دعمكم لعمل المحكمة الدولية من أجل لبنان ولطالما كانت فرنسا داعمة لهذه المحكمة. ونشكركم أيضاً على كل الدعم الذي تقدمونه للجيش اللبناني ونأمل أن تستمر هذه العلاقة وبهذا الامل وأتمنى أن نراكم قريباً في لبنان بين كل اللبنانيين الذين يكنون لكم الكثير من المحبة».