لماذا«الهرولة» باتجاه قانون التشاركية؟!

مصادر صحفية : تفاصيل اتفاق المصالحة الفلسطينية بين “فتح” و”حماس” في لبنان
POLICE ATTACKS ON PROTESTERS ARE ROOTED IN A VIOLENT IDEOLOGY OF REACTIONARY GRIEVANCE
رسالة كريغ مخيبر إلى فولكر تورك : دعوة للتحرر من النظام الدولي الغربي الذي يحمي “إسرائيل” في غزة

يتساءل المواطن السوري المأزوم بلقمة عيشه، وبالتهديد المستمر لأمنه الشخصي، والحالم بيوم هادئ لا صواريخ فيه ولا هاونات ولا انقطاع للكهرباء والماء.. والواقع أيضاً تحت ضغط المواصلات وتحكّم السائقين وانفلات السوق وأسعاره و(وفرة) مواده..
يتساءل هذا المواطن عن (هرولة) الحكومة وراء سراب التشاركية، في هذا الوقت الذي يستمر فيه نزيف الاقتصاد وتلاعب المضاربين وتجار الأزمة ومهربي الأموال إلى الخارج.. ففي الوقت الذي (يجب) فيه على المسؤولين أن يبحثوا سبل (تخفيف) الأعباء عن المواطنين وتأمين احتياجاتهم ومعالجة أوضاع النزوح والنازحين، والوقوف في وجه الدعوات التكفيرية ومحاولات المساس بالسلم الاجتماعي، في هذا الوقت تُصرف الساعات والأيام لمتابعة إصدار قانون التشاركية! الأمر الذي يثير شكوك المواطن ويدفعه إلى بحر من ظلمات مستقبله ومستقبل أولاده ومستقبل الوطن.
ولنناقش الموضوع، بعيداً عن الشكوك والهواجس، بموضوعية.
دعاة التشاركية يدعون إليها انطلاقاً من سببين أساسيين:
الأول- الرغبة بإشراك القطاع الخاص في مشاريع التنمية، وتحمّل مسؤولياته في هذا المجال، خاصة أننا مقبلون على مرحلة (إعادة الإعمار).
والثاني- نقص موارد الدولة وعدم قدرتها على تأمين التمويل اللازم: لإقامة المشاريع (قبل الأحداث المؤسفة)، ولإعادة الإعمار بعد انتهاء الأزمة.. يضاف إلى هذا أن الحاجة إلى التكنولوجيا والإدارة العصرية تدفع للاعتماد في هذا الشأن على القطاع الخاص، (الأقدر) على توريد التكنولوجيا والإدارة العصريتين، فضلاً عن قدراته التمويلية (!!!).
بالنسبة للسبب الأول، وهو الرغبة في إشراك القطاع الخاص في مشاريع التنمية، فهذا سبب وجيه وضروري، ولكن ما الذي يمنع القطاع الخاص من إقامة المشاريع التنموية أو المشاركة مع القطاع العام في ذلك؟ وهو لا يحتاج إلى قانون التشاركية، فلديه الكثير من القوانين و(الأنظمة) التي تساعد وتشجع القطاع الخاص. ونشير خاصة إلى مسألة المشاركة ما بين القطاعين العام والخاص، فهناك فيما يتعلق بمشروعات الزراعة (النباتية والحيوانية) المرسوم التشريعي رقم 10 لعام 1986 الذي يسمح ويشجع على إقامة مشروعات زراعية بالمشاركة بين القطاعين، ولكن مع وضعه في التطبيق أثبت فشله، بسبب إحجام القطاع الخاص عن اللجوء إلى مثل هذا الاستثمار.
وفي المجالات الاقتصادية الأخرى (الصناعة، المواصلات، الخدمات..) هناك القانون 10 لعام 1991 وتعديلاته، إذ يسمح بإقامة مشاريع تنموية في تلك المجالات بالمشاركة بين القطاعين، ولا تعطينا هذه التجربة أية آفاق تفاؤلية، فمعظم استثمارات القطاع الخاص اتجهت نحو الخدمات والسياحة والنقل.
فإذا كانت جميع القطاعات الاقتصادية مفتوحة لإقامة مشروعات تنموية على أساس تشاركي بين القطاعين، فلماذا تلجأ الحكومة (منذ عام 2009) إلى إعادة طرح مشروع قانون التشاركية؟ وما الذي يحويه هذا القانون من معطيات (سحرية) تجعله يحظى بمثل هذا (الرضا)؟!
المسألة تكمن في عاملين رئيسيين:
لأول- يتعلق بنهج عام يتمثل في استكمال إجراءات التحول نحو اقتصاد السوق ولبرلة الاقتصاد والعلاقات الاقتصادية، وهو شرط تضعه المؤسسات الدولية لدعم التوجه نحو إعادة الإعمار، وهو أيضاً شرط ما يدعى رجال الأعمال والقطاع الخاص.
والثاني- استيلاء القطاع الخاص (المحلي والأجنبي) على مفصل اقتصادي أساسي في الاقتصاد الوطني، وهو البنية التحتية.. فمشاريع البنية التحتية تتميز بكونها أحد عناوين الاستقلال الاقتصادي من جهة، وبكونها تتعلق على نحو مباشر بالأمن القومي.
ولذا فإن استمرار سيطرة الدولة على البنية التحتية يعزز قوة الدولة وسيادتها.. ومن هذا المنطلق يجب ألا تُمسّ هذه المشروعات، وأن تظل مرتبطة بالدولة في جميع مراحلها، ذلك أن المطارات والمرافئ والموانئ ومشروعات الطاقة (كهرباء، نفط، غاز..) ومشروعات الاتصالات (السلكية واللاسلكية) ومشروعات المرافق العامة (المياه، الصرف الصحي) والطرق والجسور، جميع هذه المشروعات تعتبر من عناوين الاستقلال الاقتصادي، وتتعلق على نحو مباشر بالأمن القومي.
ولتوضيح هذا الموضوع نورد الأمثلة العملية التالية:
– بعد حصول سورية على استقلالها، سعت حكومات الاستقلال إلى تأكيد التزامها الوطني بمجموعة من الإجراءات التي كان من بينها تأميم شركات الكهرباء وبعضها يدخل فيه الرأسمال الأجنبي.. وهذا يؤكد ارتباط مثل هذه المشروعات بالاستقلال الاقتصادي.
– وعندما لجأت بلدية نيويورك منذ سنوات قليلة إلى إجراء مناقصة لإدارة مرفأ نيويورك، رسا العطاء على شركة إماراتية، مما دفع الكونغرس الأمريكي للاجتماع واتخاذ قرار بإلغاء العقد، بذريعة أن قيام شركة أجنبية بإدارة المرفأ يعرّض الأمن القومي الأمريكي للخطر.
وكما هو معروف فإن عقود الخدمة مع شركات أجنبية في قطاع النفط في سورية، أُبرمت منذ السبعينيات، بذريعة الحاجة إلى التكنولوجيا والتمويل، وعندما فرضت العقوبات الاقتصادية على سورية بعد عام ،2011 قامت هذه الشركات بسحب نشاطها والتوقف عن العمل استجابة لقرارات حكوماتها، ذلك أن ولاء هذه الشركات لحكوماتها رغم العقود، أهم من التزاماتها التعاقدية.
تبقى مسألة  الحاجة إلى التمويل والإدارة والتكنولوجيا.. والسؤال هنا: لماذا يكون القطاع الخاص أقدر من الحكومة في تأمين التمويل والإدارة والتكنولوجيا؟!
ويعاد طرح الموضوع بإلحاح تحت عنوان جديد هو إعادة الإعمار، وفي هذا المجال، وكما هو معروف فإن ما يدعى رجال الأعمال السوريين الذين (سرقوا أموال الشعب) وهربوا بها إلى الخارج يعقدون، بمساعدة بعض المؤسسات المالية الدولية وحضور بعض أطراف (المعارضة)، اجتماعات ومؤتمرات (في بيروت ودبي خاصة)، لوضع الخطط وتحضير الملفات للعودة، بهدف الاستيلاء على ما تبقى من الاقتصاد السوري، ووضع اليد على مستقبله، وهم في هذا الإطار يطالبون باستكمال التشريعات والتنظيمات التي تضع الاقتصاد الوطني أمام خيار وحيد، وهو استكمال مسيرته نحو اللبرلة واقتصاد السوق والالتحاق بالعولمة، وكان من بين ما هو مطلوب قانون التشاركية، وخاصة فيما يعنيه من تنظيم عملية وضع يد القطاع الخاص (وما يمثله من مصالح الشركات متعددة الجنسية) على معاقل الاقتصاد الوطني، أي البنية التحتية.
يبدو أنه، حتى الآن، لايزال بعض المسؤولين غير مقتنعين بمسؤولية اقتصاد السوق واللبرلة في خلق طوابير العاطلين عن العمل، أو في تحجيم الإنفاق الاجتماعي الذي توصي به المؤسسات الدولية وأصحابُ رأي (تصغير الحكومة) وتقليص حجمها الاقتصادي والاجتماعي لصالح السوق والمهيمنين على السوق، بصرف النظر عما يخلقه ذلك من تهديد للسلم الاجتماعي، وإلا لماذا هم يسارعون الخطا نحو اللبرلة؟
وإذا كانت السياسات الاقتصادية الليبرالية قد أسهمت في خلق المناخات التي هددت فعلاً السلم الاجتماعي، وأوجدت حالة التذمر، خاصة في الأرياف، فإلى أين سيقودنا الإمعان في إجراءات التحول نحو اقتصاد السوق ولبرلة الاقتصاد؟!
إن الإسراع في إصدار التشريعات الاقتصادية الليبرالية، يشير إلى الرغبة في خلق وقائع يصبح من الصعب التخلي عنها في مرحلة ما بعد الأزمة..
يبقى أن أشير إلى مسألة التمويل التي تتخذ ذريعة للدفع نحو التشاركية:
أولاً- في عالم اليوم لم تعد مسألة التمويل مسألة معقدة، فالمؤسسات المالية الدولية تبحث عن مجالات التوظيف والاستثمار بعد امتلاء خزائنها بالودائع، فالسيولة المالية أصبحت تشكل العبء الأساسي لهذه المؤسسات، بسبب وفرتها وارتفاع أرقامها.. ثم إن القطاع الخاص الذي يُنتظر إسهامه في مشروعات التشاركية، سيلجأ إلى هذه المؤسسات المالية ليحصل على قروض، وهذه القروض في جميع الحالات ستسجل باسم الدولة المستفيدة.. فإذا كان المسؤول (التشاركي) يهرب من القرض بحجة عدم تحميل الدولة المزيد من الديون، فإن ما سيحصل عليه القطاع الخاص (التشاركي) من قروض ستسجل على الدولة وليس على المقترض، فإلى أين يهرب المسؤول (التشاركي)؟!
ثانياً- إن التكنولوجيا و(الإدارة) موجودة في الأسواق العالمية ومعروضة لمن يدفع، فلماذا نضع وسيطاً للحصول عليها؟

مرة أخرى.. البنية التحتية خط أحمر! لا تفرّطوا بالاستقلال الاقتصادي والأمن القومي!
ثالثاً- إن الفرص متاحة أمام سورية بعد انتهاء الأحداث للحصول على التمويل اللازم لإعادة الإعمار، ومصادر هذا التمويل:
– التعويضات التي يمكن الحصول عليها من الجهات التي وقفت وراء عمليات التخريب والتدمير.
– المساعدات التي يمكن الحصول عليها من الدول الصديقة.
– القروض التي يمكن الحصول عليها من الصناديق والبنوك الاستثمارية التي أحدثت في إطار دول البريكس، والصندوق الذي أحدث مؤخراً في الصين.
– استعادة الأموال المهربة والتي نهبت وسرقت من أموال الدولة والشعب.
وفي هذا المجال يُقترح إقامة صندوق خاص تصبّ فيه هذه المكونات، إضافة إلى ما يُرصد في موازنة الدولة.
ما نحتاجه هو إدارة نزيهة وواعية ووطنية تتمتع بالإخلاص والكفاءة، وعندئذ يمكن لهذه الإدارة أن تقوم باللازم لـتأمين التمويل والتكنولوجيا والإدارة العصرية للمنشآت دون اللجوء إلى أساليب تثير الشكوك والهواجس.

منير الحمش، مفكر وخبير اقتصادي عربي من سوريا

المصدر
http://www.an-nour.com/اقتصاد/item/13980

COMMENTS