مصر : الجامعة والمستقبل

كاتب سعودي لأردوغان : "ممارسات أجدادك العثمانيين نراها اليوم بما يمارسه الدواعش"
المغرب : “مناهضة التطبيع” و”مجموعة المقاطعة” رصدوا “جنوداً إسرائيليين” في مهرجان موسيقي
واجهت استفزازاً :"بوسطة" شربل نحاس و"مواطنون ومواطنات في دولة" تكمل جولتها جنوباً؟

خاص ـ الحقول / تواجه الجامعات فى مصر العديد من التحديات فى بداية العام الدراسى الجديد. وقديما قال أستاذ الجيل أحمد لطفى السيد أن عملية نهضة الأمم تتوقف على وجود جامعه قوية وبرلمان قوى. ومصر اليوم تقف على أعتاب مرحلة تاريخية مهمة تحتاج إلى جامعة قوية مستقلة وبرلمان قوى يعبر عن غالبية الشعب الذى له مصلحة فى التغير واستكمال ثورة 25 يناير.
و«فضاء الجامعة» فى كل بلاد العالم له خصوصية تتعلق ببناء المستقبل، حيث تتفاعل داخل الجامعة كل التيارات الفكرية وتتفتح فيها براعم المستقبل. ولذا لم يكن غريبا أن تنطلق الثورة الثقافية فى الصين من جامعة بكين فى ظل نظام كان يوصف بأنه نظام شمولى. ولذا يجب أن تكون الجامعة معمل لصناعة الرجال والنساء الذين يشكلون خمائر المستقبل حيث يتم الجمع بين التكوين العلمى والالتزام الوطنى والوعى بمتغيرات العصر.
وأزمة الجامعة فى مصر ليست جديدة بل تعود إلى عقود سابقة، وكان أهم المنعطفات حركة التطهير الواسعة عام 1954 التى شملت نخبة مهمة من أهم أساتذة الجامعات فى جميع فروع المعرفة، وخسرت الجامعة والطلاب بسببها أساتذة على درجة عالية من التخصص العلمى والوعى السياسى، وتبعهم أخرون بالهجرة إلى الجامعات الأجنبية خوفا من ذات المصير.
ثم تعمقت الأزمة خلال فترة حكم مبارك، حيث تم تدهور العملية التعليمية فى الجامعات المصرية وتم التضييق على المبادرات الديمقراطية فى الحياة الجامعية من خلال إلغاء نظام انتخاب القيادات الجامعية واستبداله بنظام التعيين وفقا لاعتبارات الولاء السياسى، وتم وضع لائحة طلابية تُحجم النشاط الطلابى المستقل وتتيح لأجهزة الأمن التدخل لشطب الطلاب ومنعهم من الترشح لاتحادات الطلبة. من ناحية أخرى، تم إفساد أعضاء هيئات التدريس عن طريق اللهث وراء المناصب وتراخى معايير جودة البحث العلمى.

**********

والآن دعونا ننسى الماضى وجراحه وننظر إلى الأزمة الراهنة فى الجامعة حيث ترتفع درجة الإحتقان السياسى وتوجد محاولات لإرباك العام الدراسى الحالى كما حدث فى العام الماضى وذلك من خلال الشحن والتحريض اليومى للطلاب. ولا شك أن هناك عناصر تريد تعويق مسيرة العام الدراسى الجديد عن طريق العنف، الذى يصل أحيانا إلى حد التخريب كما حدث فى جامعة الأزهر وكما حدث فى الإعتداء على مكتب عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة فى العام الدراسى الماضى. ورغم أنه من حق الطلاب التعبير عن آرائهم السياسية داخل الحرم الجامعى بالتظاهر لمدد محدودة ورفع اللافتات والشعارات كما يحدث فى كل جامعات العالم. أما استخدام الطبول وإطلاق الشماريخ داخل الحرم الجامعى، فهذه أساليب لا علاقة لها بالنضال السياسى. وقارن ذلك بأساليب الإحتجاج الطلابى الراقية عامى 1972 ــ 1973 عندما كان الطلاب يرفعون شعارات تحرير الأرض و«إعطاء الديمقراطية للشعب»، حيث كانت مجلات الحائط أحد الأشكال الرئيسية فى الاحتجاج وكذلك المسيرات السلمية والاعتصام السلمى.

**********

ورغم الأساليب الاستفزازية التى يلجأ إليها بعض فئات الطلاب فى هذا السن المليئة بالحماس والفوران، فإن رد فعل السلطات يجب أن يتسم بالحكمة وعدم صب الزيت على النار. إذ إن استدراج السلطات للتعامل الأمنى الخشن مع الطلاب يزيد الأمر صعوبة وتعقيدا. إذ إن أى إجراءات أمنية تُشعر الطلاب بالمهانة والقهر لا تولد سوى المزيد من التحدى ومبادلة العنف بالعنف. وخير شاهد على ذلك ما حدث مؤخرا فى كلية الهندسة جامعة الإسكندرية، حيث حصل العديد من التجاوزات من جانب قوات الأمن وتم إطلاق مفرط لقنابل الغاز داخل الحرم الجامعى. ويجب أن نتذكر أنه قبل كل شىء، ورغم كل شىء أن هؤلاء الشباب هم زهرة شباب مصر وذخيرة المستقبل.
وقد رافق كل هذا رد فعل من السلطات العليا يتجاوز الطبيعة المؤقتة للأزمة الحالية، وتمثل ذلك فى مجموعة الإجراءات أهمها ما يلى:
ـ إلغاء انتخاب العمداء واستبداله بنظام التعيين الذى عانينا طويلا من مساوئه، مما يضر بالعملية الديمقراطية داخل الجامعة.
ـ مشروع تعديل بعض مواد قانون تنظيم الجامعات بما يسمح بإعطاء رئيس الجامعة «المعين» حق عزل وفصل أعضاء هيئات التدريس دون اللجوء إلى الإجراءات التأديبية المنصوص عليها فى القانون، وهذا إهدار خطير لحصانة أستاذ الجامعة. ولحسن الحظ أن قسم التشريع بمجلس الدولة قد اعترض على هذا التعديل.
ـ إلغاء نظام الأسر فى الجامعات وهى التى تمثل وحدات مهمة للنشاط الاجتماعى والثقافى فى الجامعة بعيدا عن المدرجات وقاعات الدرس. وقد لعبت هذه الأسر دورا مهما فى الحياة الجامعية. وأن أى خوف من الاهتمام بالسياسة هو بمثابة وضع الرءوس فى الرمال، إذ إن الجامعة وطلابها كانت تتأثر دوما، وعلى مر العصور، بما يجرى فى المجتمع من تطورات وأزمات. ولذا فإن الحل الصحى هو مزيد من النقاش والحوار بدلا من عمليات الخندقة والبلطجة السياسية.

ولا شك أن ما يجرى فى الجامعة اليوم هو إنعكاس لأزمة أكبر فى المجتمع المصرى، إذ إن ضعف وضمور الحياة السياسية، خارج الجامعة طوال فترة حكم مبارك هى التى صنعت هذا الخلل الواضح بين التيارات السياسية وخلقت حالة من «الثنائية الفاسدة»: ثنائية الحزب الوطنى الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين، مما أهدر وصادر معنى التعددية السياسية التى تعتبر صمام الأمان للمسيرة الديمقراطية.
إذن لن ينصلح حال الجامعات إلا إذا انصلح حال الأوضاع السياسية فى المجتمع من خلال تعددية سياسية حقيقية وإصلاح مؤسسى شامل يقضى على الفساد والاستبداد.
ولعل الرؤية الجدلية لمستقبل الجامعة تجعلنا نقول إن الجامعة تزود المجتمع بكوادر الدولة وكوادر الثورة فى آن واحد!

COMMENTS