تركيا تسعى لتوريط دول عربية في شبه جزيرة القرم الروسية؟

تركيا تسعى لتوريط دول عربية في شبه جزيرة القرم الروسية؟

روسيا تحذر : أوكرانيا تستقبل مناورات عسكرية لحلف شمال الأطلسي
فلسطين وأوكرانيا كساحتين في الحرب ما بين النظام الرأسمالي العالمي والأمم الطامحة إلى التحرّر
أوكرانيا “أطلسية” وليست “إسلامية” : لكي لا ينتقل العرب من “لندنستان” إلى “كييفستان”؟!

تقوم تركيا باتصالات ديبلوماسية سرية للحصول على تأييد عربي للعبة الجيواستراتيجية التي تلعبها في منطقة شمال البحر الأسود، وتحديداً في شبه جزيرة القرم في أراضي الإتحاد الروسي. وشملت تلك الاتصالات حكومتي الأردن والسعودية حتى الآن. كما تسربت معلومات عن توجه الأتراك لطلب الموافقة من لبنان، وكذلك من حكومة طرابلس الغرب في "ليبيا الجديدة"، التي يسيطر عليها "الإخوان" والوهابيين.

تريد أنقرة جرّ عمان والرياض وعواصم عربية أخرى إلى جانبها، في مشروع ضم المجموعة المعروفة باسم "مجلس شعب تتار القرم"، التي يتزعمها مصطفى جميليوف ورفعت تشوباروف، إلى منظمة التعاون الإسلامي، ومنحها عضوية معينة، على غرار وضع "منظمة التحرير الفلسطينية". تخالف هذه المعلومات الإنطباعات التي أشاعتها تركيا، خصوصاً، من بعد "لقاء آستانة"، عن رغبتها بالتقارب مع روسيا والمشاركة بالحرب ضد الإرهاب الإسلامي في سوريا والعراق، والعزوف عن استخدامه في السياسة الخارجية.   

يتوخى نظام "حكم الفرد الإخواني" في أنقرة من هذا المشروع، "أسلمة" النزاع الروسي ـ الأطلسي حول شبه جزيرة القرم. لكن أي مساعدة عربية ستنتهي بالذين يقدمونها إلى ورطة محتمة. لأن روسيا، حسب تحليل الكاتب السعودي أيمن الحماد، "ستندفع للبحث عما تستطيع من خلاله مقاومة ما يهدد كيانها وثقافتها"، لا سيما وهي "ترى أن [حلف شمال الأطلسي] / ناتو الذي يحشد عتاده على حدودها، بحاجة إلى صدمة قد تدفعه لإيقاف الزحف صوب أراضيها وإرثها".

لقد قال القرميون كلمتهم. صوَّتوا في الإستفتاء الشعبي الذي جرى يوم 16 آذار 2014، بأكثرية 96.77 في المئة، لصالح انضمام شبه جزيرة القرم إلى الإتحاد الفيدرالي الروسي. حتى الراديو البريطاني اعترف بهذه "الصفعة الديموقراطية"، التي آلمت "الأطلسيين" في أنقرة وكييف، وبروكسل، وفي واشنطن كثيراً. وما زاد من قوتها إعلان رئيس وزراء جمهورية القرم سيرغي أكسيونوف عن أن نحو 40 في المئة من تتار القرم، صوتوا بنعم للانضمام الى روسيا.  

يتعامى حاكم أنقرة، أردوغان "الإخواني"، عن هذه النتائج، مثل كل عدو للشعب. مثل حلف شمال الأطلسي، الذي دمر في غضون ربع قرن 7 دول كانت عامرة : العراق، يوغوسلافيا، أفغانستان، السودان، ليبيا، سوريا واليمن. كما جرّب تدمير الجزائر، ومصر. يفتش أردوغان، اليوم، في "أوراقه" العربية، علَّه يجد أحمقاً أو تافهاً، يعينه على تظليل استراتيجية التغلغل بين الشعوب والأقوام ذات الأصول التركمانية، بـ"مظلة إسلامية". يريد أردوغان مساعدة عربية في الدوس على إرادة القرميين. فمن سيمنحه، بل من سيجرؤ على منحه هكذا مساعدة؟.  

تدعي أنقرة أن "مجلس" مصطفى جميليوف ورفعت تشوباروف هو "الممثل الشرعي لتتار القرم"، الذين ينتشرون في روسيا وأوكرانيا. لكن يبدو من الوثائق الخاصة بدور هذا "المجلس" في شبه جزيرة القرم، أنه أشبه بالقفاز البالي الذي تستخدمه الديبلوماسية التركية، بالتنسيق مع أوكرانيا "الأطلسية"، والقوى الغربية ضد روسيا الإتحادية.

لقد حرض جميليوف وتشوباروف ضد الإستفتاء. بعد فشلهما في وقف التحولات السياسية التاريخية في شبه الجزيرة، جلبا أسلحة من تركيا، عبر اوكرانيا، وشجّعا الرعاع التابع لهما على إثارة الإضطراب السياسي و"حصار" شبه الجزيرة. حيث منعوا وصول السلع الحيوية إليها، وأغرقوا سكان القرم في العتمة بتفجير خطوط نقل الكهرباء من أوكرانيا.

كانت تركيا ودول حلف شمال الأطلسي قد استخدمت لافتة "مجلس شعب تتار القرم"، في حشد التتار الأوكرانيين ضمن حركات الإضطراب السياسي التي أسقطت حكومة الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش. عقب الإستفتاء وانضمام القرم إلى روسيا، استقبل أردوغان تشوباروف، وحضّه على المطالبة بإرسال قوات الأمم المتحدة إلى الإقليم المستقل لتوه. كما زار كييف، وزير خارجية أردوغان السابق داود أوغلو، حيث هذى بـ"تهديدات تركية" فارغة، ختمها بالقول إن أنقرة "لن تعترف" بالتغير الجيوبوليتيكي الذي حققته الديموقراطية القرمية.

إن دعوة أنقرة "شركاءها" العرب، اليوم، إلى جعل مخلب القط التركي المعروف باسم "مجلس شعب تتار القرم"، عضواً في منظمة التعاون الإسلامي، سيضاعف من قدرتها على "أسلمة" النزاعات السياسية في المجتمعات ذات الأغلبية المسيحية في البلقان، وحوض البحر الأسود. وهذا تقليد استراتيجي راسخ في سياسة تركيا لـ"تدويل" تلك النزاعات، وتحقيق المكاسب الإستراتيجية مع دول حلف شمال الأطلسي. لكن هذه الدعوة تضمر تهديداً جيوثقافياً بخلق توترات طائفية حادة في قلب المجتمعات العربية المشرقية في الشام والعراق ومصر، وصولاً إلى إيران. 

إن التحرك الديبلوماسي التركي الجديد باتجاه تلك الدول العربية، لمساندة موقفها حول شبه جزيرة القرم الروسية، هو جزء من تنسيق ثنائي بين أنقرة وكييف، في إطار الزحف العسكري الأطلسي المتواصل نحو الحدود الروسية. فأوكرانيا تعمل على خلق مشكلات إقليمية لروسيا، وتركيا تحرض "العالم الإسلامي" للضغط عليها. وفي الوقت نفسه، تتمكن أنقرة من تقوية "اللوبي التركي" ـ الذي يعمل لمصالحها الخاصة، إذا اقتضت الضرورة ـ داخل "منظمة التعاون الإسلامي".     

لذلك، يسال المواطن العربي عمن هي الدولة العربية التي سترضى بخدمة أطماع "حكم الفرد الإخواني" في تركيا، والوقوع في دوامة هذه اللعبة الجيوستراتيجية الشريرة.

مركز الحقول للدراسات والنشر
الإثنين، 6 شباط/فبراير 2017