“زهرا في القاع” : “تطهير” السلاح الطائفي من جرائمه؟ 

“زهرا في القاع” : “تطهير” السلاح الطائفي من جرائمه؟ 

افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الثلاثاء، 12 نيسان، 2016
إفتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الخميس 3 تشرين الأول، 2019
افتتاحيات الصحف اللبنانية، يوم الأربعاء 24 آب، 2016

إستغل النائب أنطوان زهرا هول الهجمات الإرهابية التي حدثت في بلدة القاع لأغراض ذاتية. لم نفاجأ، كثيراً، بتسلله السريع إلى موقع الجريمة يلتقط بعض “الصور التذكارية” وتحت إبطه بندقية. نعم، لم نستغرب. فالعمل السياسي الطائفي مفلس، ورجاله، من أمثال زهرا ورئيس حزبه، وجدوا “مناسبة” لترويج بضاعتهم البخسة.

لم تؤثر التعليقات “الفصبوقية” أو التصريحات السياسية، على ما يبدو، في جلالة خبر “الصور” التي وزعها زهرا عن “زيارة القاع”. تقود أي “غوغلة” (googalisation) سريعة إلى روابط خبرية من عشرات المواقع، “تروي” تفاصيل الزيارة بلسان زهرا أو بأقلام “زهراوية”. ما يوضح ارتفاع مردود الفائدة في سوق “استثمار” الآلام.

زادت هذه “المكاسب” الملطخة بدماء المواطنين الأبرياء شراهة زهرا السياسية. خرج يوم 2 تموز الجاري (وكالات، 2 تموز 016) مشككاً في مسؤولية تنظيم “الدولة الإسلامية” عن الجرائم. لم ينتظر دليلاً “داعشياً” من الإعلام أو من الأمن، قال : “من قام بتفجيرات القاع له مصلحة بتهجير المسيحيين ولا يمكن الجزم بأن تنظيم داعش هو المسؤول”. بيد أن الدماء المسفوكة ظلماً “لها حق عند الله”.

فقد “استرعى انتباه” جريدة النهار (28 حزيران 016) “ترجيح” سمير جعجع “نهاراً ان القاع لم تكن مستهدفة بل كان فيها انتحاريون يختبئون في انتظار أحد أو سيارة تنقلهم الى مكان آخر وان ابطال القاع توجهوا نحو الانتحاريين بأنفسهم فخاف هؤلاء وبدأوا بتفجير أنفسهم. لكنه عاد ليلاً وأعلن عبر تلفزيون ام تي في ان تقديراته نهاراً لم تكن دقيقة وان المستهدف هو الجيش في القاع”.

اختلاف الـ”ترجيح” بين زهرا وجعجع في تعريف “هدف” تفجيرات القاع بين “الجيش” أو “تهجير المسيحيين”، ذو دلالة بالغة. يستحسن، من المواطن الذي يـتأمل “صورة زهرا في القاع”، أن يتوقف إزاءها. لماذا؟ أولاً، لأن تحديد هوية المجرم عبر تحليل هدف الجريمة، وهو اسلوب شائع بين العاملين في الحقل الجنائي والقضائي، يجب أن يُصْدِقُه التحقيق الفني ـ القضائي، وهذه مهمة موظفي الأجهزة الأمنية والقضاء. أما تولي “السياسيين” زهرا وجعجع هذه “المهمة”، فإنه انتهاز “قواتي” يحول جريمة إرهابية مروعة إلى “مناسبة” أو فرصة للتعيش السياسي. لا نشك في أن الإنتهازي يصير شريك المجرم، إذ هو يشوش على التحقيق الجاري، ويُضِلُّ المواطنين، لا سيما أهالي الشهداء الأبرار، عن هوية العدو.

ثانياً، قد يمضي وقت قبل أن تتوفر أدلة “داعشية” من الإعلام أو من الأمن، تظهر مسؤولية “الدولة الإسلامية” عن تفجيرات القاع الإرهابية. لبنان ليس وحده يعاني في رفع بصمات الإرهاب. هناك دول أخرى قريبة وبعيدة تعاني. بعضها يعمل ضد مصلحة لبنان. لكن زهرا وجعجع المعتادَين على “الطمس” في الدماء، تغافلا عن كل هذا الغموض الأمني ـ السياسي الدولي المألوف. لأن السياسة الطائفية المحلية التي يتبعانها وحزبهما، تشرع “الإستثمار” وتتلهف إلى “المشاركة” في كل الهياكل الشيطانية للنظام الرأسمالي : الإرهاب الصهيوني، الإرهاب الطائفي، الإرهاب التكفيري، الإرهاب الرأسمالي ـ المالي ألخ.

يجرب الطائفي المفلس زهرا حظه مع الأحداث عسى أن يواتيه. يظن أن “صورته” بالبندقية هي تأشيرة دخول له أو لـ”قوات” جعجع إلى ملعب “اللبنانيين الكبار” في النظام الطائفي الراهن. يشوبه الحنين إلى “أيام الحاجز” وكيف وكم تحكم برقاب وعباد. يقول طَرِباً : “اننا لا نتباهى بحمل السلاح فعندما حملنا السلاح بغياب الدولة كان المتنطحون اليوم رُضّع وحين رأينا بوادر دولة سلمنا سلاحنا”.

زهرا يحب السلاح. “يموت بالسلاح”. يستغل الدم البريء المسفوح امام كنيسة مار الياس في القاع، من أجل تطهير “السلاح الطائفي” الذي يخفيه. يدس المصالح الأنانية الصغيرة بين أشلاء المواطنين ودمائهم. ربما يفتش زهرا عن مخرج مسلح لـ”التحرر” من قيود “المعادلة الخشبية”.

بـ”المناسبة”، هل تعلم زهرا أن تقرير الإستخبارات السعودية عن “الجمهورية اللبنانية” الصادر عام 2004، يقول أنكم عملاء “إسرائيل”. بعد 15 سنة من “اتفاق الطائف”، جهاز استخبارات دولة عربية حليفة لكم، أنتم تنظيم “القوات”، يصنفكم بأنكم عملاء لعدو الوطن. يشق عليك يا زهرا أن ترى السلاح بيد “المتنطحين اليوم” الذين كانوا “رضعاً”.

فعلاً، “لا” يتباهى زهرا، بل يتفاخر، بالسلاح الطائفي. سلاح نظام التمييز الإجتماعي ـ الطائفي في “الجمهورية الأولى” (1943 ـ 1975). يظن النائب في برلمان “الأمة اللبنانية”، أن بث صورة “زهرا في القاع” على وسائل الإعلام، هي وثيقة براءة لسلاح “القوات”، ولزهرا نفسه، من دم ضحايا نظام “الديكتاتورية الطائفية” التي شيدها ضابط الإحتلال “الإسرائيلي” أرييل شارون عام 1982.

نحن أسلاف هؤلاء “الرُضّعْ” يا زهرا. لو لم نكن هناك، لكانت جمهورية ديفيد كيمحي زينة الخارطة العربية والإقليمية والدولية، وسلاحكم زينة “الأمة اللبنانية”. ولو لم يكن هؤلاء “الرضع” هنا، وخاصة في عام 2006، لكنتم أحييتم تلك الجمهورية اللعينة. أنت الآن يا زهرا محترف العمل المحلي بكل “حرتقاته”. نعرفك جيداً مذ كنت “مسؤول الحاجز”. “قاطع طريق”. أنت طائفي، لا شأن لك بالعمل الوطني … الكبير.

علي نصّار
مدير موقع الحقول

نشر هذا المقال في جريدة الأخبار، بوم 9 تموز/يوليو 2016
http://www.al-akhbar.com/node/261023