
زيارة إلى كوخ نلسون مانديلا
تحية تقدير للقرار الشجاع لحكومة جنوب افريقيا برفع دعوى في محكمة العدل الدولية ضد الصهاينة مرتكبي حرب الإبادة في غزة
كتب الدكتور عبد الملك سكرية/ خاص الحقول ـ بيروت : على مدى أيام 23 و24 و25 من شهر أيار الفائت، احتفلت منطقة الويست كايب في جنوب أفريقيا بذكرى مرور مئة عام على ولادة نلسون مانديلا.
لم يكن الحدث عادياً. ولم تكن مناسبة المئوية أمراً غير ذي معنى ومغزى. هذا ما لمسته أثناء مشاركتي المناسبة والاحتفالات. وهذا ما لاحظته أيضاً في العديد من المؤشرات التي استوقفت اهتمامي.
بدعوة من لجنة إحياء ذكرى مرور مئة عام على ولادة الزعيم الوطني الجنوب أفريقي ورئيس جمهوريتها بعد نيلها الحرية، وبدعوة شخصية من حفيده الصديق ماندلا مانديلا، كنت أحد المدعوين إلى تلك المناسبة إلى جانب ما يقارب مئتي مدعو من دول أفريقيا من أكاديميين ونشطاء قضايا انسانية، ولأن المناسبة لم تقتصر على ذكرى ولادة مانديلا فحسب، وإنما شملت الاحتفال بيوم أفريقيا، ذكرى تأسيس الاتحاد الأفريقي العام 1963، في حيت حلّت فلسطين ضيف الشرف.
عرض حفيد مانديلا في كلمته في افتتاح المؤتمر في متحف مانديلا لأسماء شخصيات دعمت النضال الأفريقي في القرن الماضي ومنهم الرئيس الجزائري الراحل أحمد بن بيلا «حيث تلقى جدي نلسون مانديلا التدريب العسكري في الجزائر» كما كشف حفيده، وكذلك دعم الرئيس الراحل عبد الناصر، وعدد من رموز حركات التحرر الأفارقة أمثال باتريس لومومبا، ونيكروما وغيرهم.
كنت الوحيد من خارج أفريقيا في هذه الاحتفالات. ولكني لم أكن وحيداً دونما قضية، إذ انني ألقيت في جلسة افتتاح المؤتمر كلمة فلسطين بصفتي ممثلاً للحملة العالمية للعودة إلى فلسطين، وباعتباري أحد أصدقاء رموز من المجلس الوطني الأفريقي الذين التقيتهم أثناء دراستي في جامعة لندن ثمانينيات القرن الماضي. صرت واحداً منهم، كما أصرّ الصديق حفيد مانديلا التعريف بي، وكانوا متابعين باهتمام لشؤون قضية فلسطين وشعبها. هذه القضية التي لم يخذلها مانديلا يوماً، فكانت جزءاً مركزياً في فهمه وتبنيه لمعنى العدالة وحق الشعوب بتقرير مصيرها، وهو القائل بأن حرية جنوب أفريقيا لا تكتمل من دون حرية فلسطين.. وهو ما استمر عليه محبوه ومناصروه، حيث كانت فلسطين بنداً رئيساً في كلمات المشاركين.
في كلمتي التي ألقيتها في افتتاح المؤتمر، وجهت تحية تقدير للقرار الشجاع لحكومة جنوب افريقيا برفع دعوى في محكمة العدل الدولية ضد الصهاينة مرتكبي حرب الإبادة في غزة. كما ركزت في إحدى مداخلاتي في أعمال اليوم الثاني للمؤتمر على اختراقات إسرائيل للقارة الأفريقية لكسب الحكومات لسياساتها بعدما كانت أفريقيا حليفاً للقضايا العربية وفي الطليعة فلسطين، محذراً أيضاً من الحرب الناعمة التي تشنها الأمبريالية عبر جيوش الـ «إن جي أوز» لتدمير المجتمعات الوطنية الأفريقية وقيمها الثقافية والهوياتية، واستنزاف ثرواتها..
لقد تميز ثالث أيام المؤتمر بفقرات أحيت مشاهد من التراث الأفريقي الوطني/ الفولكلوري والثقافي، تكرّست خلاله صورة حيوية عن هذا الشعب العريق والمتطلع دائماً إلى استقلاله الوطني.
أما المفارقة الجميلة التي تسنى لي مشاهدتها فكانت دعوة الصديق ماندلا حفيد مانديلا لزيارة الكوخ الذي ولد فيه جده الزعيم محرر جنوب أفريقيا والأممي بنضالاته نصيراً للشعوب المقهورة.
الكوخ عبارة عن شكل العمران الأفريقي التقليدي، أي الخشبي الدائري والمسقوف بأنواع من القش. في هذا الكوخ ولد وتربى نلسون، وكانت العائلة تمتلك ملعقة خشبية واحدة تدور على صغار الكوخ/ البيت تنقل إلى افواههم ما توافر من طعام. وقد لاحظ والد مانديلا أن إبنه نلسون كان يتخلى عن دوره ويمنح لقمة الطعام لأخوته. فكان قرار الأب تعليم نلسون وإرساله إلى المدرسة سيراً على الأقدام. هذا ما أخبرني به حفيده وشعور الاعتزاز بجده تعلو قسمات وجهه. الحفيد الذي يسعى لجعل منطقة ولادة جده والكوخ منطقة تراثية، الأمر الذي لم يفعله الجد عندما كان رئيساً للبلاد وكانت إمكانيات الدولة تحت تصرفه!
من رحم الفقر والبؤس وقرابة عقود ثلاثة في السجن، تبلورت شخصية مانديلا، فقاد ثورة أدّت إلى إنهاء نظام الفصل العنصري في بلده، ونيله الحرية وتحقيق العدالة، وبات زعيماً عالمياً تاريخياً.. وإنساناً صادقاً قبل كل شيء.
عبد الملك سكرية، سياسي عربي من لبنان، ناشط في الحملة العالمية للعودة إلى فلسطين
ينشر بإذن من الكاتب
مركز الحقول للدراسات والنشر
الثلاثاء، 07 ذو الحجة، 1446 الموافق 03 حزيران، 2025
التعليقات (0)
لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!
أضف تعليقاً