2025-07-12
Alhoukoul
لا استراتيجية موحدة لدول الإتحاد الأوروبي بمواجهة تنظيم

لا استراتيجية موحدة لدول الإتحاد الأوروبي بمواجهة تنظيم "الإخوان"؟

تركيا وقطر، اللتين تحتفظان بعلاقات مع الإخوان المسلمين، ولكنهما تدركان موازين القوى المختلة حالياً بسبب التراجع السياسي الكبير للجماعة وخسارتها أغلب مساحات نفوذها، وآخرها الأردن

09-07-2025

في أعقاب نشر الحكومة الفرنسية تقرير مهمة التحقيق الواسعة حول نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، أثارت الوثيقة، التي تَتهم الجماعة بأنها "تُشكِّل تهديداً للمؤسسات والتماسك الوطني" اهتماماً أوروبياً، من منطلق أنها تشير بوضوح إلى الامتدادات الأوروبية للجماعة وعلاقتها بفرنسا، وكذلك بوصف النموذج الفرنسي مُشابِهاً لأغلب نماذج الوجود الإخواني في عموم أوروبا، مع اختلافات هامشية تتعلق بالسياقات التاريخية والسياسية. وقد تراوح هذا الاهتمام بين توجهات رسمية نحو تطبيق التجربة الفرنسية في البحث والتقصي، وبين دعوات سياسية ومدنية في بلدان أخرى للسلطات بأن تأخذ على محمل الجد التهديدات التي كشفت عنها فرنسا. وهو ما يوحي بتشكُّل رأي عام رسمي ونخبوي أوروبي ضد الإسلام السياسي، وفي الوقت نفسه يكشف عن تهديد حقيقي لجماعة الإخوان في أكثر الساحات استراتيجية بالنسبة لها من ناحيتي التنظيم والتمويل.


تُلقي هذه الورقة الضوء على تأثير التقرير الفرنسي أوروبياً، مع تحليل السياسات الأوروبية الأوسع الراهنة في التعاطي مع معضلة الإخوان، وآفاق المواجهة الأوروبية الشاملة مع نفوذ الجماعة في القارة. 

تأثير التقرير الفرنسي 

يُخصص التقرير الفرنسي حول نفوذ الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين قسماً مهماً للروابط بين الجماعة في فرنسا وهيكلها التنظيمي الأوروبي، حيث استقرت المنظمات المرتبطة بالإخوان المسلمين في أوروبا منذ خمسينيات القرن العشرين، وطوَّرت استراتيجية مختلفة عن تلك المتبعة في الشرق الأوسط، إذ ركزت بشكل أساسي على المشاركة الانتخابية. 

 

في أوروبا، اعتمدت الجماعة على نهج تدريجي لبناء وجود دائم، خاصة في بلجيكا وألمانيا والنمسا والمملكة المتحدة وفرنسا، مع التركيز على الضغط السياسي لدى المؤسسات الأوروبية. وتُعد منظمة "مسلمي أوروبا"، حالياً، التنظيم المركزي للجماعة في أوروبا، ويقع مقرها في عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، وتأسس رسمياً عام 1989 تحت اسم "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا". ويشير التقرير إلى أن المنظمة تُعدّ محوراً لتمويل الاتحادات الإسلامية، لاسيما من طريق الألماني من أصل مصري إبراهيم الزيات، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس مجلس الشورى، ويُشارك في تمويل منظمات إخوانية أخرى عبر أوروبا. ويحدد التقرير شبكة الأذرع المتخصصة التي تعمل بها المنظمة المركزية في عدد من المنظمات الفرعية، هي: المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، ومنتدى المنظمات الأوروبية للشباب المسلم، وشبكة المعاهد الأوروبية للعلوم الإنسانية، و(Europe Trust) الذراع المالي للجماعة في أوروبا، والتي تدعم أنشطة المنظمة عبر الاستثمارات العقارية، والمجلس الأوروبي للأئمة الذي يُنسق أنشطة الدعوة والمساجد.

ويؤكد التقرير أن الجماعة نجحت في أن تصبح شريكاً للمؤسسات الأوروبية عبر الضغط السياسي، خاصة في قضايا مثل حرية العقيدة وتجريم التجديف. كما يُشارك ممثلوها في صياغة سياسات الاتحاد الأوروبي، ويحصلون على تمويل من برامج أوروبية لدعم المجتمع المدني. كما يوصي التقرير الفرنسي بضرورة رفع مستوى الوعي لدى المفوضية الأوروبية والمسؤولين والبرلمانيين الأوروبيين حول طبيعة جماعة الإخوان المسلمين وتأثيرها على المؤسسات الأوروبية؛ مشيراً إلى أنه تم تسجيل بعض التقدُّم في هذا المسار، ومع ذلك، فإن تجديد فرق العمل داخل المفوضية مع كل ولاية تشريعية جديدة يتطلب باستمرار إعادة بذل نفس الجهود. كما أوصى التقرير الفرنسي بضرورة إنشاء آلية عمل رسمية لتنفيذ هذه الحملات التوعوية بشكل مشترك، ومناقشة مسألة تمويل التنظيم الإخواني ضمن مجموعة العمل المالي (FATF)؛ حيث ينهض هذا الجهاز بمراجعة آليات تمويل الإرهاب، وذلك لرفع درجة وعي الدول الأعضاء في مجموعة العمل المالي حول المخاطر المرتبطة بنشاطات تنظيم الإخوان المسلمين. وكان الوزير الفرنسي لشؤون أوروبا، بنيامين حداد، قد أعلن في مايو الماضي، عن أنه سيطلب من المؤسسات الأوروبية في بروكسل "تعزيز الضوابط" على تمويل الاتحاد الأوروبي حتى لا تذهب الأموال إلى الجهات "المرتبطة بالإسلاموية". وتقترح باريس في مذكرة للمفوضية الأوروبية أن يُطبق الاتحاد الأوروبي "إجراءات فرز" ويتحقق بشكل منهجي من هوية وخلفية الأفراد المرتبطين بالكيانات التي تتلقى الدعم.

 

لكن التقرير يُصنِّف دولاً أوروبية محددة على أنها ساحات "تبرز فيها الحاجة إلى تقييم الإخوان". و"تشهد الأدلة المُجمّعة حولها على الوجود النشط للمنظمة" مثل المملكة المتحدة، التي تُعد مركزاً للتمويل والدعم السياسي، فضلاً عن ألمانيا وهولندا والدنمارك وكذلك السويد، التي تُعد مركزاً لنشاط الحركة الإخوانية في أوروبا الشمالية، حيث تستفيد الجماعة من التمويل القطري وسياسات التسامح السويدية. كما أن لديها روابط قوية مع الأحزاب السياسية المحلية، وخاصة الحزب الاشتراكي، مما يُعزز نفوذها.

 

وقد دفعت هذه الإشارات المتكررة للسويد في التقرير إلى جدل سياسي وإعلامي واسع في الدولة الإسكندنافية. وقال ماتس بيرسون وزير التكامل إن بلاده: "تواجه في كثير من النواحي تحديات مماثلة لتلك التي تواجهها فرنسا من حيث التكامل ومواجهة الهياكل الاجتماعية الموازية التي تتحدى الديمقراطية الليبرالية". مُعلناً أنَّه سيطلب من مجموعة من الخبراء السويديين إجراء دراسة حول "التغلغل الإسلامي". في الوقت نفسه أعلن النائب السويدي في البرلمان الأوروبي عن حزب الديمقراطيين السويديين، تشارلي فايمرز، أنَّه بصدد إعداد تقرير يحمل عنوان "كيف تُموِّل مساعدات الاتحاد الأوروبي الإسلاموية"، سيكشف فيه "كيف تُستخدم الأموال العامة، بما في ذلك أموال الاتحاد الأوروبي، لدعم شبكات الإسلام السياسي مثل جماعة الإخوان المسلمين وفروعها في أوروبا". كما سيُطالب بوضع قانون للشفافية لمعرفة الجهات التي تتلقى التمويلات، وكذلك بـ "تجريد شبكات الإخوان من الدعم وتصنيف الجماعة منظمةً متطرفةً، ووقف تمويلها".

 

أما في بلجيكا، التي عَدَّها التقرير الفرنسي مركز عمل الجماعة على المستوى الأوروبي، فقد دعت حركة الإصلاح (MR)، ذات التوجه الليبرالي، الحكومة الفيدرالية إلى إعداد تقرير شامل مماثل حول تأثير جماعة الإخوان المسلمين في بلجيكا. إلا أن وزيرة الداخلية آنيليس فيرليندن نفت، في جلسة برلمانية بتاريخ 4 يونيو، وجود خطة حكومية في الوقت الحالي لإعداد تقرير كهذا، "مؤكدةً أن جهاز أمن الدولة [البلجيكي] يراقب الظاهرة في إطار اختصاصه، خصوصاً فيما يتعلق بالتطرف أو التدخلات الأجنبية. واعترفت في الوقت نفسه بأن "الاستراتيجية طويلة المدى" للجماعة تطرح إشكالية، ووصفتها بأنها "خصم نجهله، في حين أنه يعرف عنا الكثير"".

 

ومن ناحيتها، أشارت داريا صفائي، النائبة عن حزب التحالف الفلمنكي الجديد، إلى وجود "خمس بلديات في بروكسل مُصنّفة على أنها خاضعة لسيطرة الإخوان المسلمين". وأكد بول داير، القاضي المختص بقضايا مكافحة الإرهاب، بأن جماعة الإخوان المسلمين "نشطة للغاية في بلجيكا". قائلاً: "من الواضح أنه يجب علينا توخي الحذر مع بعض المنظمات، مثل جماعة الإخوان المسلمين، وهذه هي مهمة أجهزة الاستخبارات. فقد تؤدي هذه الأسلمة المتزايدة إلى التطرف، والذي قد يؤدي في النهاية إلى أعمال إرهابية". 

 

وفي الدنمارك طالبت مجموعة من الأحزاب، تُمثل مختلف التوجهات السياسية، هي حزب المحافظين وحزب الشعب وحزب الشعب الاشتراكي والتحالف الليبرالي، بإعداد تقرير مشابه للتقرير الفرنسي لرسم خريطة لنفوذ جماعة الإخوان المسلمين ورصد حالة "التسلسل الإسلامي" في البلاد.


السياسات الأوروبية الراهنة 

على المستوى الاتحادي، لا يملك الاتحاد الأوروبي سياسة واضحة بشأن التعامل مع الجماعات الإسلامية، فالسياسات الأوروبية تركز على مكافحة الإرهاب من طريق وكالات الأمن التابعة للاتحاد مثل اليوروبول والفرونتكس، والتي تهتم أساساً بمراقبة الشبكات الجهادية، والمقاتلين الأجانب، والتطرف عبر الإنترنت، والهجرة غير النظامية. في المقابل تُدير الدول الأعضاء علاقتها مع الجماعات الإسلامية السياسية، بما في ذلك الإخوان، بشكل مستقل ومختلف، من حيث السياسات والمواقف والقوانين. وتنقسم الدول الأوروبية حالياً إلى قسمين في تعاملها مع الإخوان: 

 

1. دول مُتشدّدة مع أنشطة الجماعة، على رأسها النمسا، التي تُعد أول دولة أوروبية تحظر جماعة الإخوان المسلمين بموجب قانون مكافحة الإرهاب، الذي أقرَّه البرلمان النمساوي في يوليو 2021. وقد تعهَّد الائتلاف الحاكم بتوسيع نطاق جهاز الدولة لمراقبة الإسلام السياسي، والمسمَّى "مركز توثيق الإسلام السياسي". وتشمل قائمة هذه الدول أيضاً: فرنسا، التي تقود منذ عام 2020 حملة تشريعية وقضائية ضد الإخوان المسلمين؛ وألمانيا، التي على رغم عدم تنصيفها للإخوان جماعة متطرفة أو إرهابية، فإنَّها تضعها مع طيف من جماعات الإسلام السياسي تحت مراقبة المكتب الاتحادي لحماية الدستور (المخابرات). وقد فشل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، العام الماضي، في تمرير مشروع قانون برلماني "لمكافحة الإسلاموية". في المقابل تستأثر حركة حماس بالنصيب الأكبر من تركيز السياسات الألمانية ضد الإخوان، بعد 7 أكتوبر 2023. وفي 2 نوفمبر من العام نفسه، حظرت وزيرة الداخلية الاتحادية أنشطة حركة حماس في البلاد، وأجرت الأجهزة الأمنية عمليات تفتيش في خمس ولايات اتحادية ضد مقرات مرتبطة بالحركة، فضلاً عن اعتقالات شملت عناصر يشتبه في صلاتها بالجناح العسكري للحركة.

 

2. دول أقل تشدُّداً، أو متسامحة مع أنشطة الجماعة، أبرزها إيطاليا وإسبانيا وهولندا والسويد وبلجيكا، حيث لا توجد أي تشريعات أو سياسات رسمية ضد الإخوان. فيما تركز الحكومات هناك على سياسات مكافحة الإرهاب والجماعات الجهادية المسلحة والتطرف العنيف. وفي شكل عام، لا يُوجد نقاش عام حول الإسلام السياسي في بعض هذه الدول، إلا ما يصدر غالباً من قِبل أحزاب اليمين المتطرف، التي تَعتبر وجود الإسلام السياسي في أوروبا جزءاً من التهديد العام للثقافة الأوروبية، شأنه شأن الهجرة. وعادةً ما يتم ربط الإسلام السياسي بالإسلام وبالمسلمين والمهاجرين ضمن الحملات الانتخابية، دون أن يتحوَّل ذلك إلى مبادرات تشريعية أو قوانين. وتتوخى دول الشمال الأوروبي وبعض أجزاء من الطيف السياسي في الاتحاد الأوروبي، وخاصة الخضر وبعض الديمقراطيين الاجتماعيين، قدراً أكبر من الحذر بشأن الحظر الشامل أو التشديد، خوفاً من أنه قد يُشكِّل انتهاكاً لحرية تكوين الجمعيات والتعبير، ولاسيما الخشية من الخلط بين تهديد الإسلام السياسي ووضع الجاليات المسلمة ومسائل حرية المعتقد والعبادة.

 

إن الطبيعة التنظيمية المعقدة للإخوان المسلمين في أوروبا تفرض هذا التباين في التعامل بين دول القارة. فخلافاً للحالة التنظيمية السياسية الحزبية الواضحة في الدولة العربية، يتشكَّل الإخوان في أوروبا ضمن هيكل تنظيمي متعدد الطبقات والفروع، التي تنشط في مجالات مدنية وخيرية ودينية وشبابية ونسائية ورياضية واقتصادية، وتحمل أسماءً وكيانات ليس لها ارتباط واضح أو مُعلَن مع جماعة الإخوان، حيث لا نجد منظمة أو مؤسسة تحمل اسم الإخوان رسمياً، ولذلك تجعل من عملية تتبُّعها أو حظرها أو تحديد نشاطها أمراً صعباً من الناحيتين الإدارية والسياسية، ومستحيلاً من الناحية القضائية، فقليلاً ما تُفلِح الحكومات في تقديم أدلة واضحة للقضاء تربط هذه الكيانات المدنية بالجماعة، بسبب تعقيد الهيكلية وتشعبها واستفادتها من تشريعات وقوانين المجتمع المدني في الدول الأوروبية.

 

في الوقت نفسه، يؤدي البُعد الخارجي دوراً أساسياً في تبايُن السياسات الأوروبية تجاه جماعة الإخوان المسلمين، حيث فرضت التحولات التي طالت المنطقة العربية بعد الثورات العربية وصعود عدد من الأحزاب والحركات الإخوانية إلى السلطة على الدول الأوروبية والمؤسسات الأوروبية من منطلق واقعي التعامل مع الجماعة بين 2011 و2021. فضلاً عن التحدي الجيوسياسي الذي تطرحه أي سياسة أوروبية في مواجهة الإخوان المسلمين؛ بسبب ما يشمل تلك المواجهة من تشديد مصادر التمويل الخارجي، ويطرح خلافات ربما تتطور إلى أزمات دبلوماسية مع دول مثل تركيا وقطر، كما حدث في الأزمة الدبلوماسية الفرنسية-التركية، بعد إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 2020 عن الشروع في مواجهة ما سماها بـ "الانفصالية الإسلاموية"، خاصة أن قطاعاً كبيراً من المجموعات الإسلامية القريبة من جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا ينتمي للطيف الإسلاموي التركي، ممثلاً في منظمة مللي غوروش، التي أسسها نجم الدين أربكان، وذات الروابط القوية مع النظام الحاكم في تركيا. في المقابل، تسعى حكومات أوروبية أخرى للتوافق بشكل أكبر مع موقف شركائها الأساسين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا المناهضة للإخوان المسلمين، ولاسيما دولة الإمارات والسعودية ومصر والأردن وتونس. ذلك أن التعامل مع جماعة فوق وطنية مثل الإخوان المسلمين، لا يمكن أن يكون مجرداً في السياسات الأمنية والتشريعات، بل يحمل أبعاداً جيوسياسية تتعلق بتحالفات الجماعة الدولية ووضعها في ساحتها الأصلية في العالم العربي.


آفاق المواجهة الأوروبية مع الإخوان

في ضوء التوجه الفرنسي الأكثر تشدداً في مواجهة الإخوان المسلمين، وكذلك انعكاسات الحرب في غزة، وما تطرحه من قضايا تتعلق بالإسلام السياسي في أوروبا وتدهور الوضع السياسي والتنظيمي للإخوان في المنطقة العربية، والعلاقة مع حركة حماس والخشية من ارتداد حرب إسرائيل الوحشية على قطاع غزة في شكل عمليات انتقامية، على غرار التي حدثت في الولايات المتحدة مؤخراً. وكذلك في ضوء الصعود السياسي لليمين المتطرف، في أكثر من بلد أوروبي وداخل المؤسسات الأوروبية، ولاسيما البرلمان، من المتوقع أن تتوسع المواجهة الأوروبية مع جماعة الإخوان المسلمين على أكثر من جبهة:

 

  1. على مستوى السياسات العامة، من المتوقع أن تُمارِس الدول المتشددة -النمسا وفرنسا- ضغطاً داخل المؤسسات الأوروبية لصياغة استراتيجية أوروبية موحدة للتعامل مع التطرف غير العنيف، والجماعات الإسلامية السياسية مثل جماعة الإخوان وحزب التحرير وغيرهما.

 

  1. في الجانب المالي، من المتوقع أن يتم تشديد الرقابة على تمويل الجمعيات والمنظمات، التي يعتقد أنها قريبة من الإخوان. وأيضاً قد يشمل ذلك عموم المؤسسات الإسلامية مثل المساجد والجمعيات الخيرية، وخاصة ما يتعلق بالتمويل الأجنبي من تركيا وبعض دول الخليج، والتمويل خارج القنوات الرسمية. ومن المرجح أن يصبح وصول هذه المؤسسات للتمويل العام صعباً، وكذلك إخضاع تمويل هذه المؤسسات إلى مراقبة مجموعة العمل المالي.

 

  1. على المستوى القانوني، ليس من المتوقع أن نشهد حظراً مباشراً للجماعة بسبب العوائق القانونية المتعلقة بالشكل التنظيمي للإخوان، ولكن يمكن أن نشهد حظراً لبعض الرموز، وكذلك حلّ بعض المؤسسات التابعة لها أو ترحيل قيادات بارزة، كما جرى في فرنسا. إذ من المتوقع أن تتجه الدول الأوروبية نحو سياسة المراقبة وخنق المسارات المالية بدلاً من سياسة الحظر، التي من الممكن أن تخلق فائض عنف ومواجهة مباشرة ربما تمتد إلى الجاليات المسلمة وتُغذي المزيد من الشرخ الثقافي في المجتمعات الأوروبية.

 

  1. في الجانب الأمني، من المتوقع أن ترتفع وتيرة التنسيق بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية فيما يتعلق بشبكات الإسلام السياسي، وأنماط التطرف غير العنيف وعمليات النفوذ الأجنبي المعلوماتية والمالية. ومن المتوقع حدوث تحولات تدريجية في هذا الصدد، وغير متسقة في بعض الأحيان بين البلدان، بدلاً من تحوُّل جذري أو موحد على مستوى الاتحاد الأوروبي في اتجاه واحد.

 

  1. على مستوى السياسات الاجتماعية، يُرجح أن تتبنى الدول الأوروبية جزءاً من قانون مكافحة "الانفصالية" الفرنسي، من طريق الفصل بين الجاليات المسلمة والجماعات الإسلامية، وتدريب الأئمة والقيادات الدينية محلياً، وتمويل الجهات الإسلامية المضادة للإسلام السياسي.

 

  1. وعلى المستوى الجيوسياسي، من شأن التحولات الجارية في الشرق الأوسط أن تدفع هذه المواجهة الأوروبية بشكل أقوى من طريق توسيع الشراكة الأوروبية مع مصر والإمارات والسعودية والأردن وحتى تونس. ومن المتوقع أن توسع من الشراكة الأمنية في تبادل المعلومات حول الجماعة، لاسيما أن ذلك لن يُهدد بقوة العلاقات مع تركيا وقطر، اللتين تحتفظان بعلاقات مع الإخوان المسلمين، ولكنهما تدركان موازين القوى المختلة حالياً بسبب التراجع السياسي الكبير للجماعة وخسارتها أغلب مساحات نفوذها، وآخرها الأردن.

 

  1. أما على مستوى انعكاسات هذا النهج على الجماعة نفسها، فمن المتوقع أن يشكل ذلك تحدياً مالياً للتنظيم، لاسيما أن فروعه الأوروبية تُمثِّل الرافد المالي الأساسي لفروعه في المنطقة العربية. كذلك سيُشكِّل تحدياً تنظيمياً لحشد مزيد من الأعضاء والأنصار، حيث يتوقع أن تستمر حالة التهرُّم في مستوى القيادة ويتوقع أن تمتد للقاعدة الاجتماعية. وربما يدفع هذا النهج الأوروبي المتشدد مستقبلياً إلى تحولات تنظيمية جذرية مثل انتقال الثقل التنظيمي الإخواني من أوروبا الغربية نحو ساحات جديدة، وكذلك إعادة بناء الهيكل التنظيمي وفقاً لأشكال جديدة.


منشور على صفحة مركز الإمارات للسياسات يوم 30 حزيران / يونيو 2025، وذلك تحت عنوان :

"أوروبا وجماعة الإخوان المسلمين بعد التقرير الفرنسي: السياسات الراهنة وآفاق المواجهة"


مركز الحقول للدراسات والنشر

‏الأربعاء‏، 14‏ محرم‏، 1447 الموافق ‏09‏ تموز‏، 2025






التعليقات (0)

لا توجد تعليقات حتى الآن. كن أول من يعلق!

أضف تعليقاً

يرجى إدخال الاسم
يرجى كتابة تعليق